السياسة تطغى على الدراما الرمضانية اليمنية
لعبت الشاشة الفضية الصغيرة دورا كبيرا في التطورات السياسية التي اجتاحت اليمن مع ثورات الربيع العربي، فقد عرت الكثير من أوجه القصور والأخطاء التي تمارس وهيجت الشارع اليمني وشجعته على انتقادها، وتستعد الفضائيات اليمنية الرسمية وغير الرسمية لعرض عدد من الأعمال التلفزيونية في شهر رمضان المقبل. وكشفت مصادر يمنية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الأوضاع والتطورات السياسية التي مر ويمر بها اليمن منذ فبراير (شباط) 2011، وحتى اليوم، انعكست بشكل كبير على مضامين هذه الأعمال، والتي هي، في الغالب، أعمال كوميدية وأجزاء جديدة لمسلسلات يتابعها الشارع اليمني، سواء عبر التلفزيون الرسمي أو عبر محطات تلفزة مستقلة وأخرى محسوبة على جهات كانت معارضة للنظام السابق.
ومن أبرز الأعمال التي ستعرض في ليالي شهر رمضان المقبل، مسلسل «عيني عينك» على شاشة تلفزيون اليمن، القناة الفضائية الرسمية، وهذا المسلسل سيعرض في نسخته أو جزئه الثالث هذا العام ولأول مرة بعد سقوط نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وهذا المسلسل من تأليف الفنان عبد الكريم الأشموري بمشاركة الكاتب محمد الحبيشي، ومن إخراج المخرج اليمني المعروف فضل العلفي، هذا فضلا عن مسلسلات أخرى في فضائيات يمنية أخرى، تلتقي جميعها في مناقشة الشأن اليمني الداخلي مع إضافات جديدة على بعضها.
ويقول الدكتور العلفي لـ«الشرق الأوسط» إن «عيني عينك» يتناول عدة قضايا ويلامس الوضع الذي يعيشه المواطن اليمني في هذه المرحلة من قضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية وأمنية، ويركز، بشكل أساسي، على القضايا الأمنية والانفلات الأمني في البلاد والمتنفذين، وكيف أصبحت البلاد تعاني من اختلالات أمنية كبيرة بسبب هؤلاء المتنفذين الذين طفوا على السطح بشكل أكبر مما كانوا عليه في السابق، إضافة إلى مناقشته لقضايا السطو على الأراضي وسرقة السيارات وانقطاعات التيار الكهربائي والحالة المعيشية للمواطن اليمني.
ويؤكد المخرج العلفي أن المسلسل يطرح بقوة وشفافية القضايا الراهنة، وأضاف «أعتقد أن الجميع سيكونون متفقين معنا، سواء كانوا في الحكومة أو المعارضة، رغم أن الجميع اليوم باتوا في الحكومة، لكن الجميع سوف يؤمنون بالطرح الذي سيظهر في المسلسل»، وكما هي العادة في الأجزاء السابقة، فإن طريقة الطرح والتناول هي كوميدية وتعتمد، بحسب العلفي، على «الكوميديا الساخرة في تناول مثل هذه القضايا كي تصل إلى الجمهور بشكل سلس، بعيدا عن الطرق الفجة والمباشرة، ونحن نقدم المشهد اليمني بشكله الواضح وبشفافية لم نطرحها من قبل».
وفي حين تعتقد بعض الأوساط في الساحة السياسية والفنية، على حد سواء، أن رحيل نظام الرئيس صالح أوجد مساحة أكبر من الحرية في الصحافة والإعلام والأعمال التلفزيونية، فإن الدكتور فضل العلفي يقول إن «مساحة الحرية كانت متوفرة في السابق وليس هناك اختلاف في الوقت الراهن، وإن الأمور ليست بالشكل الذي يتصوره البعض بأن هناك لجنة تقوم بالتفتيش على الأعمال الفنية ومراجعتها»، رغم أنه يؤكد أن الأعمال التلفزيونية تجاز من قبل لجنة خاصة تتبع المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون، ثم يقول إنه منذ عمل مع تلفزيون اليمن في برنامج «وجها لوجه» ومسلسل «كيني ميني»، ثم «عيني عينك» لم يجد «أي مضايقات لأنني أعرف ما أقدمه للناس بحس يمكنني من معرفة متى أتطرق لأي موضوع من المواضيع، وهذا يجعل مساحة الحرية أكبر، وما نطرحه، حاليا، يعكس الواقع المرير الذي نعيشه».
أما مؤلف العمل وبطله الممثل اليمني عبد الكريم الأشموري، فيقول لـ«الشرق الأوسط» إنهم في أسرة مسلسل «عيني عينك» يحاولون «الاستفادة من الأجواء الراهنة ومن مساحة الحرية المتاحة ورفعها إلى أكبر قدر ممكن»، وإنهم، في هذا العمل، يحاولون مناقشة «الكثير من القضايا العامة من وجهات نظر مختلفة ومتعددة»، لأن هناك، في المجتمع اليمني، «الكثير من الأخطاء والسلوكيات الاجتماعية أو أخطاء في الممارسة وتطبيق القانون، ونحن نحاول أن نسلط الضوء على هذه الأخطاء التي تخلق تذمرا لدى المواطن اليمني وحالة عدم رضا»، ويرى الفنان الأشموري أن العمل «طالما أنه سيعرض في رمضان، يجب أن يكون في قالب كوميدي، ومن المعروف أننا نلعب على مفردة المفارقة بين ما يطمح إليه الناس ويحتاجون إليه، وبين ما يصطدمون به من عوائق مصطنعة».
ويتحدث الممثل الأشموري عن مسلسل «عيني عينك» أنه «يطرح جملة من المفاهيم الراهنة كمفاهيم جديدة لمرحلة أخرى، وأنه لا بد من احترام القانون والدستور والمواطنة المتساوية والقضاء من أجل أن نبي دولة»، ثم يؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن الأحداث التي مر بها اليمن منذ فبراير 2011، وحتى اليوم، طغت على العمل، «لأن ما حدث، في هذه الفترة، طغى على كل شيء في حياتنا، في اللغة السياسية والإعلامية والدينية وحتى في الحياة العامة».
وضمن الأعمال التلفزيونية اليمنية التي تحظى بنسبة مشاهدة عالية، من قبل الجمهور اليمني، مسلسل «همي همك» الرمضاني الكوميدي الذي سيعرض جزؤه الرابع في رمضان على شاشة قناة «السعيدة» الخاصة. ويقول مختار القدسي، مدير البرامج في القناة لـ«الشرق الأوسط» إن «السعيدة» ستعرض في رمضان عملين دراميين كوميديين محليين، الأول هو «همي همك» والذي جرى تصويره وإنتاجه في اليمن ومصر بمشاركة نجوم يمنيين ومصريين، وإن النسخة الجديدة من المسلسل تتحدث عن «استمرار معاناة المواطن اليمني في الأرياف في ظل غياب الدولة وتسلط مشايخ القبائل وانتشار الأمية»، ويضيف القدسي أن المسلسل هذا العام يتحدث، أيضا، عن المعاناة التي «يتعرض لها اليمنيون في الخارج والذين يسافرون بغرض العلاج، ويشرح هموم ومآسي الطلاب اليمنيين المبتعثين للدراسة في الخارج، إضافة إلى تصرفات بعض الطلاب التي تنعكس على سمعة اليمن واليمنيين».
وضمن الأمور الجديدة في مسلسل «همي همك» هذا العام أنه يقارن بين الريف المصري والريف اليمني، وتسلط «العمدة» في مصر و«الشيخ» في اليمن، وهذا المسلسل من تأليف الممثل اليمني فهد القرني وسيناريو وإخراج المخرج العراقي فلاح الجبوري، أما المشاهد التي صورت في مصر فهي من إخراج عريان سيدهم.
ويقول القدسي إن المسلسل الآخر هو «حافة الأنس»، وهو تجربة جديدة للمخرج عمرو جمال، وهو عبارة عن مسلسل مسرحي يتناول الظواهر السلبية التي ظهرت في مدينة عدن، كبرى مدن جنوب البلاد، في الفترة الأخيرة، ومدى تأثير مثل هذه الظواهر على المجتمع، كانقطاعات الكهرباء وانتشار السلاح والانفلات الأمني، ويعالجها بقالب كوميدي.