أمضى عشرات الآلاف من موظّفي الجهازين المدني والعسكري عيد الأضحى لهذا العام في ظلّ ظروف مأساوية، بعدما أجّل البنك المركزي اليمني صرف مرتّباتهم إلى ما بعد العيد، مبرّراً ذلك بأزمة السيولة الخانقة.
وأثّر تراجع القوة الشرائية للمواطن اليمني، قبيل عيد الأضحى، على الحركة التجارية في أسواق العاصمة، التي تشهد تفاعلاً متوسّطاً بين العرض والطلب. فللمرّة الأولى منذ أعوام، لم تشهد العاصمة صنعاء اختناقات في المشتقّات النفطية، كما لم تشهد أزمة في الغاز المنزلي قبيل العيد، إذ إن الطلب ظلّ في مستواه الطبيعي، وحركة النقل الداخلي من العاصمة إلى المحافظات الأخرى لقضاء إجازة العيد سجّلت مستويات منخفضة هي الأخرى.
عيد بدون مرتّبات
وأفادت مصادر مالية موثوقة، "العربي"، بأن البنك المركزي استعان بإيرادات المؤسّسة العامّة للإتّصالات اليمنية، التي تُعدّ المؤسّسة الإيرادية الوحيدة التي لم تتأثّر إيراداتها اليومية والشهرية، على الرغم من تعرّض ما يزيد على 190 محطّة من محطّاتها للقصف الجوّي من قبل طيران "التحالف".
وأكّد المصدر أن البنك المركزي صرف 40 مليار ريال من حساب المؤسّسة لسداد مرتّبات موظّفي الدولة الأساسيّين، إلّا أن العجز لا يزال، حتّى الآن، 35 مليار ريال، ولذلك، اضطر البنك إلى تأجيل صرف مرتّبات عدد من المؤسّسات، بينها تلك التابعة للجيش، إلى ما بعد العيد.
وأضاف المصدر أن البنك تمكّن من دفع مرتّبات موظّفي الدولة لشهرَي يونيو ويوليو، وبدأ بدفع مرتّبات أغسطس، وربط استكمال صرف المرتّبات بنجاح عملية تجميع سيولة من السوق المحلّية. دفعت الأزمة المالية موظّفي الدولة إلى الإقتراض أو بيع المدّخرات الذهبية
بيع المدخّرات
موظّفو الدولة، الذين يجدون أنفسهم، اليوم، ضحايا حرب، تأثّروا بشكل كبير بالأزمة المالية. إذ إن الأخيرة دفعت الكثيرين منهم إلى الإقتراض، أو بيع المدخّرات الذهبية لسداد إيجارات المنازل وشراء ملابس الأطفال قبيل العيد، إلّا أن موجة الاستياء في أوساط الآلاف من موظّفي الدولة تنذر بعاصفة اضطرابات قد تشمل مختلف مؤسّسات الدولة بعد العيد. فالكثير من موظّفي الدولة، الذين التزموا الصمت خلال الفترة الماضية، بدأت أصواتهم تتصاعد، بالإضافة إلى أن هناك محاولات لاستغلال المطالب الحقوقية سياسيّاً كما يبدو، حيث ظهرت شعارات منظّمة في عدد من مناطق العاصمة تحثّ على الثورة على سلطة الأمر الواقع، ومن بين تلك الشعارات التي كتبت على جدران عدد من مؤسّسات الدولة "أيّها الراكعون على عتبات الجوع... ثوروا فإن الخبز لا يأتي بالركوع".
ثورة الجياع
وحذّر محافظ البنك المركزي اليمني، محمّد عوض بن همّام، مؤخّراً، في حوار مع وكالة "رويترز"، من "ثورة قادمة ستتحوّل إلى فوضى ضدّ البنك المركزي، لعجزه عن صرف رواتب مليون و250 ألف موظّف، في حال لم يتمكّن من دفع مرتّبات الموظّفين"، لافتاً إلى أن "تريليون و300 مليار ريال مكدّسة خارج الجهاز المصرفي اليمني، ولو عادت للبنك المركزي لاحتلّت مشكلة عجز السيولة".
وعزا بن همّام أزمة السيولة المالية إلى "مواجهة البنك، من بداية أبريل عام 2015، مشاكل كثيرة، منها انقطاع الإيرادات، وتوقّف البترول والغاز"، مشيراً إلى أن "مرتّبات الدولة تفوق الواحد تريليون في العام الواحد".
وقال إن "البنك مضطر لأن يدفع المرتّبات، ودفع فاتورة استيراد المواد الغذائية لأنّها تمسّ معيشة المواطنين"، مضيفاً أن "إيرادات الضرائب والجمارك لا تشكّل أكثر من 30 % في الوقت الحالي".
سحب العملة
وتحدّث بن همام عن فرضية سحب العملة المحلّية من السوق لدفع الأوضاع نحو التأزّم، مشيراً، في هذا السياق، إلى أن البنك واجه، خلال العام الحالي، مشكلة شحّ السيولة المحلّية، حيث كان المخزون يخرج كمرتّبات لكنّه لا يعود إطلاقاً، مؤكّداً استنفاد البنك مخزونه من احتياطي السيولة.