وثائق تكشف كيف هيمنت مليشيا الحوثي على القطاع العام؟
الفصل من الوظيفة العامة، واحدة من تلك الممارسات التي اتخذتها بحق قطاع واسع من موظفي الدولة، وفي مؤسسات عدة وبدون سابق إنذار؛ أصدرت قرارتها بفصل من لم يقف في صفها، ومن لم يؤيّدها.
"جيل العربي الجديد" حصل على العديد من الوثائق، التي توضح هذا الإجراء الذي اتخذته المليشيا، بمبررات الغياب والانقطاع عن العمل. ولكن الانقطاع أساساً، وكما تحدث بعض الذين اتُّخذت بحقهم قرارات الاستبعاد، ناتج أساساً عن ملاحقة المليشيا البعض منهم، واعتقال الآخر.
تشير واحدة من الوثائق إلى إصدار المليشيا قرار فصل 37 صحافياً من وكالة الأنباء اليمنية، "سبأ"، وقطع رواتبهم دون وجه حق.
يقول الصحافي الشاب، أمين الصفاء، في حديثه مع "جيل العربي الجديد": "أنا من ضمن الشباب الصحافيين الذين فصلتهم جماعة الحوثي، التي سيطرت على وكالة الدولة بيدها، ومنذُ عام ونحن بدون رواتب ومستحقات. لقد صادرت المليشيا رواتبنا وحقوقنا التي كفلها القانون والدستور". يتابع: "ظروفنا صعبة جداً، ولا نمتلك أي مصدر دخل آخر غير رواتبنا التي صادروها".
يعلق الصفاء حول حجّة تغيّبهم عن العمل: "هذا عذر أقبح من ذنب، فهناك مئات من الموظفين في البيوت، ويستلمون رواتبهم شهرياً، وهم لا يقومون بأي عمل. توقيف رواتبنا وفصلنا عن العمل جاء نتيجة مواقفنا المعلنة والمتضمنة رفضنا الانقلاب على الدولة والجمهورية، والشرعية الدستورية، لهذا السبب تعرضنا للمضايقة والملاحقة وصولاً إلى التهديد بالقتل".
بشكل عام، بلغ عدد الشباب الذين فصلتهم المليشيا الحوثية من المؤسسات الإعلامية 170 صحافياً، حسب الصحافي أنيس منصور، الذي قال لــ"جيل العربي الجديد" إن هؤلاء الشباب موظفون في صحف وإذاعات وقنوات محلية، وبعضهم اليوم يمر بظروف اقتصادية سيئة.
قرار فصل واستبعاد آخر، عثر عليه "جيل العربي الجديد" في قطاع المؤسسة العامة للمياه، حيث يشير إلى فصل ستة أشخاص، وبالمبرّرات نفسها. جميع هؤلاء الأشخاص مدنيون ولا تربطهم أية علاقة بما تطرحه المليشيا من اتهامات باطلة.
باسم الحكيمي، الذي يظهر اسمه في وثيقة الفصل، تواصل معه " جيل العربي الجديد" لمعرفة أسباب وأبعاد هذا الإجراء التعسفي. يقول: "أقدمت مليشيا الحوثي على فصلي من عملي في مؤسسة المياه والصرف الصحي، حيث كنت أشغل وظيفة رئيس قسم حسابات المستهلكين منذ عام 2009. ما أقدمت عليه المليشيا ليس له أي مسوغ قانوني، وإنما يندرج ضمن سيناريو الانتقام من الخصوم السياسيين الذين رفضوا الانقلاب".
هذه وثيقة أخرى أيضاً، تحمل العقاب ذاته، لموظفين آخرين في قطاع التربية والتعليم، إضافة إلى وثائق أخرى كثيرة من هذا النوع، توضّح مدى حجم الانتقام للكثير من الشباب، وعلى ذمة مواقف سياسية، وحرية الرأي والتعبير عن وجهات نظرهم، وبطرق سلمية، لا بالسلاح والدبابة.
القطاع الأكاديمي هو الآخر طاولته قرارات فصل من الوظيفة العامة. ففي جامعة صنعاء، أصدرت مليشيا الحوثي قرار فصل بحق 67 أكاديميًا، بينهم شباب معيدون. يقول الحوثيون إن قرارهم هذا يأتي في إطار النظام والقانون، وإن هؤلاء تغيبوا عن عملهم؛ الأمر الذي دفعهم إلى فصلهم. في حين يوضح من تم فصلهم أن القرار سياسي وانتقامي، وأن المليشيا فصلتهم بسبب معارضتهم انقلابها وعدم تأييدهم لممارساتها التي طاولت الصغير والكبير.
أما في السلك العسكري، فتتحدث قيادات عسكرية عن استبعاد ما يقارب 20 ألف جندي من وظيفتهم العسكرية، وذلك تحت مبرر عدم انصياعهم لقرارات المليشيا التي تطالبهم بالقتال في الجبهات، إضافة إلى أن بعض الجنود الأفراد اعتبرتهم المليشيا من المحسوبين على الشرعية وعلى قيادات عسكرية تخاصمها المليشيا، كاللواء علي محسن الأحمر، الذي كان قائد الفرقة الأولى مدرع.
عبد الغني أحمد، أحد الأفراد الذين فوجئوا بقرار فصلهم من قبل المليشيا، على ذمة أنه كان يتبع أحد قيادات الفرقة الأولى مدرع، وأنه حاول السعي وراء استعادة اسمه ولم يتمكن.
بالمقابل، يشار إلى أن مليشيا الحوثي كانت قد سعت إلى استبدال من تم فصلهم من الوظيفة، بأشخاص آخرين من جماعتها، في كل القطاعات والمؤسسات المختلفة.
قرارات التعيينات واستبدال أشخاص بمن تم فصلهم واستبعادهم، هي ليست إجراءات خفية أو سرية، بل أصدرت بها مليشيا الحوثي قرارات بالجملة سواء من قبل اللجنة الثورية العليا، أو من قبل وزارة الخدمة المدنية التي تسيطر عليها المليشيا.