"واشنطن بوست": كيف نجت ممالك الشرق الأوسط من الربيع العربي؟
في تقرير حمل عنوان: "كيف نجت ممالك الشرق الأوسط من الربيع العربي"، صنّفت صحيفة "واشنطن بوست" الكيانات المنضوية ضمن ما يعرف بـ "المجتمع الدولي"، بين كيانات وهياكل أمنية، على غرار حلف "الناتو" المنوط به القيام بحفظ السلام، والحؤول دون وقوع خلافات واعتداءات بين الدول الأعضاء في الحلف، وأخرى ديمقراطية كالاتحاد الأوروبي، الذي ينصب دوره في كيفية ابتكار وترسيخ أفضل الممارسات والنماذج فيما يتعلق بالحكم الرشيد، ودولة القانون، وحقوق الانسان، وفق الصحيفة التي رأت أنه، وفي خضم تلك الصورة حول الكيانات الفاعلة ضمن المجتمع الدولي، "حتى الحكام الديكتاتوريين، لهم مجتمعاتهم"، أي هياكلهم السياسية والأمنية، ومؤسساتهم الخاصة بهم.
ولحظ التقرير الذي أعده شون يوم، أن "الدول الاستبدادية يمكن لها، تحت ظروف قاهرة، أن تتكاتف فيما بينها، تتبادل الأفكار، وترسم الاستراتيجيات (المشتركة)، وأن تتآلف فيما بينها تحت (سقف) هوية جامعة في سبل محاكاة الديمقراطية"، قبل أن يعلّق بالقول: "هذا صحيح في الشرق الاوسط ما بعد أحداث الربيع العربي". الملفت في سياق مجريات تلك الأحداث، بحسب الكاتب، تمثّل بحدوث "تقارب غير مسبوق" بين ثمانية ممالك وإمارات عربية، هي: المغرب، الأردن، السعودية، الكويت، البحرين، قطر، عمان، الإمارات العربية المتحدة. وهي أنظمة ملكية، "عانت من الاضطرابات على نحو أقل من الجمهوريات العربية كتونس ومصر"، وإن كان مواطنيها، لا يقلون شأنا عن نظرائهم في تلك الدولتين، في مدى "توقهم إلى التغيير السياسي" في بلدانهم. كما شدد يوم على أن الاحتجاجات والاضطرابات التي نجمت عن أحداث الربيع العربي، وهددت بالتالي حكم السلالات شبه المطلق، حتّم على أنظمة الحكم تلك، وبدافع الشعور "بمحاصرة التاريخ" لها، "الاستجابة بشكل جماعي"، من خلال زيادة التشاور والاتصالات بين بعضها البعض، وخلق ما يشبه الكيان السياسي الموسّع فيما بينها، أطلق عليه الكاتب تسمية "مجتمع الأنظمة الملكية" الذي يضم دولا بـ "قالب هوياتي واحد، ومصير واحد ومشترك". ومن ثمار ذلك النهج الجماعي على "المستويين الداخلي والخارجي"، بروز "مظاهر جديدة من القمع، وتعميق الانقسامات الطائفية"، إلى جانب "الانتقاص من شأن وسائل الإعلام" ودورها، فضلا عن "زيادة أعضاء مجلس التعاون الخليجي المحتملين"، على حد تعبير الصحيفة الأمريكية.
وبعد الإشارة إلى مطالب الشعوب العربية في الساحات والشوارع خلال تطورات الربيع العربي، وهي مطالب تراوحت بين "إسقاط النظام" وبين "قيام ملكية دستورية"، توقف يوم عند مفارقة استناد الأنظمة الملكية العربية، إلى المفهوم القديم للشرعية (السلطة المستندة إلى نظرية الحق الإلهي)، وهو مفهوم لم يعد رائجا، حتى في الأنظمة الملكية (الدستورية) الحديثة حول العالم.
وتابع يوم: "ذلك الخوف الوجودي لم يحث (أمراء وملوك) القصور الملكية على الانكفاء إلى الداخل". ومن منظور "واشنطن بوست"، فقد حصل العكس من ذلك، إذ متّن هؤلاء الروابط مع الأنظمة الملكية الأخرى خارج الحدود، دامجين "مفاهيم قديمة بأخرى جديدة، كما لم يحدث من قبل"، بـ "هوية جماعية قوامها الملكية، عوضا عن العروبة"، مشددا على أن أحد أبرز مقومات تلك الهوية هو "الاعتقاد، بأنها، وككيانات مهددة بالانقراض، تجمعها قواسم مشتركة عصية على التغيير، ولا يمكن إنكارها، بات لزاما عليها أن تحمي نفسها من عدوى الاضطرابات والثورات من خلال (تشييد) جدران نارية"، مذكّرا بما لفت انتباه المراقبين عقب إطاحة حكم حسني مبارك في مصر، من تسارع وتزايد وتيرة الاتصالات بين أنظمة الحكم الملكية في العالم العربي، سواء على مستوى الملوك مباشرة، أو على مستوى وزراء، وأمراء، ومبعوثين خاصين.
وفي السياق عينه أورد الكاتب أن هؤلاء الحكام لم يعمدوا إلى توحيد جهودهم عبر مؤسسات وآليات عمل الجامعة العربية، بل اعتمدوا على مقاربة خاصة نوعا ما في هذا الخصوص، تستند إلى روابط عائلية (علاقات زواج بين العائلات الحاكمة) وشراكات تجارية، وعلاقات سياسية على غرار القمم التي جرى عقدها على مستوى وزراء خارجية الدول ذات أنظمة الحكم الملكية، في الفترة الممتدة بين عامي 2011، و2012 وما بعدها أيضا، والمبادرة التي طرحتها "قلعة الملكية العربية المحاصرة"، بقيادة المملكة العربية السعودية، لضم الأردن والمغرب إلى مجلس التعاون الخليجي (حصل البلدان على مزايا العضوية من عدة مناح، كالحصول على مساعدات واستثمارات وصفقات بمليارات الدولارات منذ العام 2011)، بحيث يصبح أقرب إلى "نادي الملكيات"، الذي لا يفسر الحاجة إلى ضم عضوين جديدين ضعيفين اقتصاديا إليه، سوى حاجة دول الخليج الغنية إلى حلفاء استراتيجيين إضافيين. كما ألمح الكاتب إلى أن تلك الخطوة، ربما كان اليمن المجاور للسعودية أكثر من يستحقها، سيما وأنه يسعى إلى الانضمام إلى المنظومة الخليجية منذ وقت طويل، إلا أن دول الخليج "حتى في ذروة الانتفاضة عام 2011، لم تقترح منح اليمن عضوية المجلس لإنقاذه"، واصفا الأمر بـ "المنطق الجغرافي المقلوب".
وكذلك لفت يوم إلى مظاهر القمع المستشرية في دول المنظومة الملكية، وتوحيد جانب كبير من السياسات الأمنية ضمن تلك الدول، بعد توقيع أعضاء مجلس التعاون الخليجي على "الاتفاقية الأمنية المشتركة" (تشمل المغرب والأردن) التي تنص على ضرورة معاقبة وإسكات أي مواطن من تلك الممالك إذا ما تدخل في الشؤون الداخلية لمملكة أخرى، على نحو يعرض أمنها الداخلي للخطر، وبعد إقرار تلك الدول لسلسة قوانين لمكافحة الإرهاب منذ العام 2012 "تعكس (تستنسخ) بعضها"، إلى جانب تبنيها لوجه واحد من "توسيع الرقابة على الفضاء الالكتروني". وفي هذا السياق، رصد الكاتب "اعتقال العشرات من قبل القوى الأمنية فيها منذ العام 2012، مثل القيادي في تنظيم الإخوان المسلمين الأردني، زكي بني رشيد، الذي حكم عليه بالسجن لمدة عام في بلده بسبب انتقاده سياسة الإمارات العربية المتحدة عبر موقع "فايسبوك"، فضلا عن عدد من البرلمانيين الكويتيين الذي جرى اعتقالهم بسبب انتقادات مشابهة وجهوها لسياسات الإمارات والسعودية والبحرين، وإن كان يوم أوضخ على سبيل التهكم بالقول: "(أما) في البحرين، فيجري معاملة منتقدي سياسات المملكة العربية السعودية، على نحو أفضل بقليل".
وعلى الرغم من كل أوجه الاتحاد المشار إليها أعلاه، عاد الكاتب واستغرق في نبش الخلافات التاريخية بين تلك الملكيات، فقال: "إن التشارك في امتلاك هوية جماعية (قائمة على الحكم الملكي) لا يعني القضاء على الخلافات بين الدول الأعضاء. فالأمر لا يعني التوحيد السياسي أو نهاية المنافسات التاريخية فيما بينها"، وإرث المشكلات القومية (الوطنية) والقبلية المتوارثة بين تلك الدول، شارحا كيف أن المملكة العربية السعودية وقطر ظلتا حتى وقت قريب تتنافسان على دعم فرق وجماعات وأطراف متنافسة على المسرح السياسي المصري منذ أحداث يناير عام 2011، دون ان يمنع ذلك تعاونهما في قضايا أخرى، وكيف أن الخلاف الإماراتي السعودي المزمن فيما يتعلق بالحدود البحرية بينهما، لم يمنع توافقهما وتعاونهما في مسائل أمنية كثيرة. وتعليقا من الكاتب على هذا الإطار الهوياتي الجديد الجامع بين الأنظمة الملكية العربية، فإن "فترات طويلة من الاستقرار والسلام من شأنها إضعاف هذه الهوية. أما موجة أخرى من الانتفاضات الإقليمية، فمن شأنها أن تعززها وتدفع تلك الممالك إلى التقارب أكثر". ثم ختم يوم حديثه بعبارة: "بالتأكيد إن هذا المجتمع (نادي الممالك) سوف يفعل شيئا، وهذا هو إرث لا يمكن إنكاره للربيع العربي".
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها