"قبار" عدني دفن 600 جثة لضحايا الحرب.. تعرف على قصته
ظل كعادته يحفر القبور لكل من يتوفاه الله سواء ذلكم الذين يموتون لكبر سنهم أو من يذهبون ضحايا الحوادث المرورية في مدينة عدن إلا أن واقعاً غريبا طرأ على كل الناس بمن فيهم أمجد باحلموس.
وبينما هو يمارس مهنته “قبارا” بمقبرة القطيع التاريخية _وسط مدينة كريتر_ اندلعت الحرب وبدأت ميليشيات الحوثي تجتاح أطراف مدينة عدن حتى وصلت مبتغاها المرسوم والمتمثل بقصر المعاشيق “عنوان الشرعية” لتدون بعدها سجلات مقبرة القطيع عشرات بل مئات الضحايا من الأبرياء ليشارك حينها أمجد بعملية دفنهم.
ظلت الجنائز المتتالية تتوالى على مقبرة القطيع صباح مساء دون توقف من مختلف أحياء كريتر إضافة إلى المعلى وأطراف خور مكسر؛ بموازاتها ظل أمجد ذو 27 ربيعاً يحفر القبور كي تكفي لأعداد الضحايا بشكلٍ مجاني لأنه كان يشعر بأن للجهاد صوراً متعددة والطريقة التي كان يجاهد من خلالها هي دفن الشهداء حسب قوله.
يقول أمجد، رغم الفاقة التي بدت علينا واضحة المعالم والحالة المأساوية التي وصلنا إليها بسبب نفاذ ما نملكه من دقيق وخبز إضافة إلى عدم امتلاكي ريالاً واحداً بسبب الحرب فإنني واصلت عملي الذي لا أحصل منه على مقابل كوني أعمل لوجه الله طيلة أيام الحرب والتي تقدر بأربعة أشهر”.
كان قناصة الحوثيين يعتلون “تبة البتراء” والمطلة على المقبرة مستهدفين برصاصهم الجنائز التي تدخل كل يوم إلى المقبرة مما يضطر المشيعين للتخفي للوصول إلى المقبرة؛ إلا أن استهداف المقبرة من خلال قناصة كانوا يعتلون “عمارة الظافر” و “منزل البيض” حال دون تمكن المشيعين، أثناء الحرب، من الوصول إلى المقبرة مما استدعى الأهالي لافتتاح مقابر جديدة كساحة صهاريج “الطويلة” و ساحة الكسارة بمنطقة “الخساف .”
وبطلب من أمجد، سمح الحوثيون لذوي الشهداء بدفن أبنائهم شريطة أن تُفتش جميع الجنائز الوافدة إلى المقبرة وبادر عناصر الحوثي بإقامة نقاط تفتيش ببوابة المقبرة يفتشون الداخلين إليها حتى وصل بهم الأمر إلى تفتيش الجثث للتأكد من أن الجنازة حقيقة وليست وهمية لنقل السلاح كما كان يعتقد الحوثيين.
ومع استمرار الحرب استشرى وباء “حمى الضنك” حينها، وقدرت الإحصائية لجل من قتلهم وباء “الضنك” بسبب حصار الحوثيين لمدينة كريتر بحوالي 600 شخص إضافة إلى من كانوا يقتلون برصاص الحوثيين.
يقدر الشاب أمجد عدد جنائز الشهداء من الأهالي يومياً بعشرة شهداء طيلة شهرين كاملين (إبريل ومايو) إضافة إلى من سقطوا طيلة أيام الحرب بالرصاص، وبعملٍ دؤوب شارك أمجد بدفنهم جميعاً وبدون مقابل، بل إنه كان يذهب أحيانا لانتشال جثث ليقوم بعدها بعملية تكفين الجثة ودفنها بمفرده.
استمر الشاب أمجد على هذا الحال حتى استفز منه الحوثيون ذات يوم فحبسوه قرابة الثلاثة أيام بتهمة “دفن جثث الدواعش” حسب إدعاء أحد القادة الميدانيين للحوثيين والذي كان يتخذ من مدرسة “بازرعة” مقراً له.
كان أمجد وأسرته يعيشون ظروفاً صعبة إلا أنه كان يستمتع بعمله الإنساني، والأدهى من هذا كله أنه خلع “سقف” غرفة منزله المجاور للمقبرة لكي يوفر أغطية خشبية للمقابر بسبب كثرة الجنائز والتي تدخل إلى المقبرة كل يوم.
لم يصدق الشاب أمجد بأن والده “جمال إسلم باحلموس” (55 عاماً) سيكون أحد من تدفنهم يداه نهاية رمضان الماضي إلا أنه يتحدث وعيناه تغرورقان بالدموع عن أبشع الجرائم التي رآها رأي العين إبان مجزرة الحوثيين التي قتلت أباه وجمعا كثيرا من أهالي مدينة عدن.
لم تشفع له دموعه بإعادة والده إلى الحياة ثانيةً حاله كحال المئات إن لم يكن الآلاف ممن فقدوا أقرباءهم أثناء الحرب التي امتدت من الفترة (25مارس حتى 17يوليو) ليتفاقم جرحه النازف بإصابة زوجته بشظايا ما تزال حتى اللحظة في جسدها؛ إلا أنه لم يستطع علاج زوجته بسبب عدم امتلاكه تكاليف العلاج.