العنف وانقطاع الكهرباء يغذّيان مطالب الإنفصال في اليمن
تحت عنوان، "العنف وانقطاع التيّار الكهربائي يشعلان أحلام الإنفصال في اليمن"، نشرت وكالة "رويترز" تقريراً، أشارت فيه، وفي سياق الحديث عن أحد الشبّان الذين شاركوا في تظاهرات تخلّلها إحراق إطارات في مدينة عدن الشهر الماضي، إلى المعاناة التي كابدها سكّان المدينة، البالغ عددهم نحو مليون نسمة، خلال الأشهر الأربعة الأخيرة جرّاء تصاعد أعمال العنف وازدهار نشاط عصابات الجريمة، ناهيك عمّا وصل إليه الحال في المدينة مع انهيار الخدمات العامّة، كالكهرباء وغيرها، على نحو أيقظ الطموح الجنوبي القديم لاستعادة دولة جنوب اليمن، التي اندمجت مع دولة الشمال عام 1990.
وفي خلال حديثه إلى وكالة "رويترز"، قال الشاب، ويُدعى آزال محمد، "نريد من العالم، من جيراننا، أن يساعدوننا على استعادة دولتنا القديمة"، في إشارة إلى دولة جنوب اليمن، التي وصفها التقرير بـ "المستعمرة البريطانية السابقة والدولة العربية الوحيدة الشيوعية، التي اتّحدت مع الشمال الموالي للغرب بعد حرب وجيزة عام 1986"، مذكّراً بأن "انهيار الراعي المالي لجنوب اليمن، (أي) الإتّحاد السوفيتي، في توقيت مشابه أسهم في تشجيع الوحدة (اليمنية)". كما رأى محمّد أنّه "من الصحيح القول إن دولة اليمن الجنوبي قد انضمّت إلى دولة اليمن الموحّد طواعية وقتذاك"، إلّا أنّها "لا تريد أن تكون كذلك بعد الآن".
وبحسب التقرير، فإن دولة الوحدة المشار إليها لم تكن على الإطلاق زواجاً سعيداً، نظراً إلى نزعة الهيمنة التي أظهرها الرئيس الشمالي، علي عبد الله صالح، لدى قيادته تلك الدولة، ومع مرور أربع سنوات على الوحدة، ظهرت محاولة الجنوبيّين الإنفصال، قبل أن يسحق صالح تلك المحاولة ويزيد من ترسيخ مقاليد الحكم في صنعاء، في مقابل أفول واضح للدور والثقل السياسي لمدينة عدن الجنوبية، الأمر الذي أثار حفيظة الجنوبيّين وكراهيّتهم لنظام صالح. وقد توقّف التقرير عند العام 2007، حين قادت الحركة الإنفصالية الجنوبية (الحراك الجنوبي) حملة مطلبية من أجل تحصيل بعض المزايا والعطاءات المالية لضبّاط الجيش وموظّفي الخدمة المدنية، وكذلك عند العام 2011، وهو العام الذي شهد احتجاجات مناهضة للحكومة تأثّراً بما بات يعرف بـ "ثورات الربيع العربي"، أسفرت في نهاية المطاف عن إطاحة الرئيس علي عبد الله صالح، وعن تحوّل مطالب الجنوبيّين إلى "الإستقلال التام". مطالب اكتسبت زخماً بعد "اجتياح قوّات الحوثيّين (أنصار الله) الحليفة لإيران، العاصمة اليمنية صنعاء عام 2014، وإجبارها الرئيس عبد ربه منصور هادي على الفرار إلى عدن في شهر فبراير من العام الماضي، قبل أن تدخل عناصر قديمة- جديدة على الأزمة اليمنية، تمثّلت بدخول قوّات التحالف العربي بقيادة السعودية إلى دائرة الصراع والحرب في البلاد، وتعزيز تنظيم "القاعدة" لوجوده هناك، مستغلّاً ظروف تلك الحرب وذلك الصراع بفصوله الدموية، من أرقام ضحايا بالآلاف ومشرّدين بالملايين، وحصار تفرضه قوّات "التحالف" على الموانىء اليمنية. تعترف حكومة هادي التي تسيطر على أجزاء بسيطة من الجغرافيا اليمنية الشاسعة بضيق ذات اليد
كما لفت التقرير إلى المكافأة التي حصل عليها الجنوبيّون مقابل مشاركتهم في القتال ضدّ "الحوثيين"، وهو ما يظهر من حجم الدور المسند لهم في"السيطرة على معظم مقاليد السلطة في عدن"، مقرّ حكومة الرئيس هادي. وبالإستناد إلى ما نقله التقرير عن أحد المواطنين اليمنيّين في عدن، لا تبدو الأمور مستقيمة على نحو تامّ ومريح لتلك الحكومة، إذ اعتبر، خالد مرشد، الموظّف في شركة عمومية في المدينة، والبالغ من العمر 40 عاماً، أن "الوضع الحالي يكشف عن فشل الدولة في القيام بأيّ تحرك من شأنه توفير الخدمات الأساسية على الأقلّ"، الأمر الذي "يعزّز المطالب باستعادة دولة الجنوب"، مع الإشارة إلى حادثة رفع علم اليمن الجنوبي أثناء لقاء رئيس الوزراء، أحمد بن دغر، مسؤولي المدينة الجنوبية، وما أثاره ذلك من استنكار واسع. كما عاد التقرير، ونقل عن آزال محمد، قوله إن "العديد من اليمنيّين يتّهمون هادي وحكومته، التي كانت، وحتّى هذا الشهر، تعمل من داخل المملكة العربية السعودية بالإكتفاء بالكلام حيال تحسين ظروف المعيشة"، ساخراً من المشهد التراجيدي المتناقض كون "عدن تعيش أسوأ أيّامها"، فيما "تتمتّع الحكومة بإقامة مبردة (مكيفة الهواء) في المملكة العربية السعودية".
الواقع الصعب في عدن يظهر فيما تعترف حكومة هادي، التي تسيطر على أجزاء بسيطة من الجغرافيا اليمنية الشاسعة، بضيق ذات اليد، على ضوء الموارد المحدودة بحوزتها لإحداث تغيير كبير في الظروف المعيشية الصعبة لليمنيّين، وفي وقت لا تنال فيه مدينة عدن أكثر من ستّ ساعات تغذية بالتيّار الكهربائي يوميّاً، مع توقّف محطّتين من محطّات إنتاج الطاقة الرئيسة في المدينة (محطّتي المنصورة وخور مكسر) عن العمل، وعمل محطّة إنتاج الطاقة الثالثة فيها بربع طاقتها، على نحو أثّر في نقص التغذية الكهربائية للمستشفيات والمصانع، وفي اضطرار بعض أصحاب السيّارات إلى الوقوف في طوابير لمدّة ثلاثة أيّام أو أربعة، من أجل ملء خزّانات سيّاراتهم بالوقود، ناهيك عن ندرة الغاز، ولجوء الناس في كثير من الأحيان إلى استخدام الحطب. وقد أشار التقرير، نقلاً عن وكالة "سبأ" اليمنية الرسمية للأنباء، إلى وعود ملؤها الأمل والإرتياح، كان قد أدلى بها بعض المسؤولين في حكومة هادي في أعقاب التوصّل إلى اتّفاق مع دولة الإمارات العربية المتّحدة، المشاركة في التحالف العربي تحت قيادة السعودية، بشأن توريد قطع الغيار وإمدادات الوقود لبعض محطّات الكهرباء.
وأضاء التقرير على أثر أزمة الكهرباء على أداء القطاع الصحّي، لا سيّما فيما يتعلّق بعمل المستشفيات المحلّية، حيث "لقي تسعة أشخاص على الأقلّ، من المرضى المسنّين، مصرعهم، في الأسابيع الأخيرة بسبب انقطاع التيّار الكهربائي"، فيما تعدّ "المستشفيات أكثر عرضة للضرر بسبب النقص في إمدادات الأوكسجين، نظراً إلى كون المصنع الوحيد لإنتاج الأكسجين خارج الخدمة بسبب نقص الوقود". وكنوع من التعبير عن واقع الغضب الشعبي القائم على أداء حكومة هادي، عبّرت إحدى المواطنات اليمنيّات، وتدعى أم علاء عليوة، لـ"رويترز"، بالقول إن هادي "يجب أن يستقيل ويترك الأمر للآخرين. ولعلّ الله ينعم علينا بأولئك الذين يمكنهم إصلاح البلاد".
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها