صحيفة بريطانية تروي القصّة غير المروية عن وفاة الحجّاج الإيرانيين في مكة المكرمة
في مقال نشرته صحيفة "ذي إندبندنت" الأحد، تحت عنوان" القصة غير المروية بشأن وفاة الحجاج"، أشار الكاتب روبرت فيسك إلى مأساة منى في العام الماضي، متحدّثاً بشكل محدّد عن شخص الديبلوماسي الإيراني، والسفير الإيراني السابق في بيروت، غضنفر ركن آبادي، الذي قضى في تلك الحادثة.
وقد روى الكاتب البريطاني الشهير فصولاً من تجربته مع آبادي، مستغرقاً في سرد صفات الديبلوماسي الإيراني الراحل، إذ "كان ذكياً، وتلمس لديه روح الدعابة من حين إلى آخر، كما كان يميل إلى الشرح والتفصيل الدقيق لدى إجابته على أسئلتي"، شارحاً كيف أن شخصية ركن آبادي "الرجل الصلب" و"المحبّ للشهادة"، والذي "يعرف كثيراً عن الأسلحة"، وفق فيسك، كانت تخلق انطباعات بأن الرجل يعمل كضابط استخبارات، على الرغم من أنه "رسمياً كان يعمل كملحق في السفارة الإيرانية" مشيداً بإجادته اللغة الإنكليزية بلكنة متقنة "لا تشوبها شائبة"، وبصدقه ودماثة خلقه "إلى حدّ مبالغ فيه".
وقد استرجع الكاتب حادثة حصلت مع آبادي إبّان عدوان "عناقيد الغضب" على لبنان في العام 1996، حين أخبره كيف أنه لمح في أحد أيام ذلك العدوان، طائرة هليكوبتر إسرائيلية ظهرت بشكل مفاجئ فوق مجمع السفارة الإيرانية، ومازحه قائلا: "كنا جميعاً (في السفارة) بانتظار أن يتم الهجوم علينا، ولكن ذلك لم يحصل. ومن ثم ظننا أنه ربما تهاجم منازلنا بالقرب من المجمع. كنا خائفين حقّاً!". وقد تناول فيسك في مقاله ما تعرّض له آبادي في نوفمبر من العام 2013، حين هوجم مقرّ السفارة الإيرانية في بيروت عبر سيارات مفخّخة، وقد كان الحظّ حليفه للنجاة وقتذاك، الأمر الذي لم يتكرّر إبّان رحلته الأخيرة إلى مكّة بعدها بعامين، مع الإشارة إلى النقاش الأخير بينهما حول عقوبة الإعدام المطبّقة في إيران، واللقاء الأخير الذي جمعهما سوياً في باكستان، خلال احتفالات العيد الوطني. يخدم الخلاف حول مسألة الحج، كجزء من مشهد الصراع الملتهب بين طهران والرياض
ومن البعد المتعلّق بالميزات الشخصية لآبادي، انطلق فيسك إلى البعد المتعلّق بمواقف الديبلوماسي الإيراني، الذي سبق له وأن شغل منصب سفير إيران في بيروت بدءاً من العام 2010، من سلسلة من الأحداث التي كان مسرحها الشرق الأوسط، مثل ما بات يعرف بـ"الثورة المصرية" الجديرة بالدعم، وفق آبادي، و"الثورة السورية" التي كان موقفه منها معاكساً إلى حدّ ما، الأمر الذي وجده فيسك غير دقيق أسوة بموقف آبادي من مسائل الديمقراطية التمثيلية وفصل السلطات في بلاده، فضلاً عن عقوبة الإعدام المطبّقة في إيران، والتي يملك الكاتب البريطاني تساؤلات بشأنها، مع الإشارة إلى صراحة الرجل في حديثه عن الدعم الإيراني لدور "حزب الله" في لبنان وسوريا، وكذلك حضوره في اليوم التاريخي الذي زار فيه الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، جنوب لبنان، وأطلق فيه من هناك تصريحاته الصاخبة بـ"تحرير فلسطين".
وبعد الإشارة إلى تحميل إيران المسؤولية للسعودية تجاه ما بات يعرف بـ"كارثة منى"، وانعقاد جولات تفاوضية سعودية إيرانية، توالت في أعقاب الكارثة، دون نتيجة تذكر، ذهب فيسك إلى القول إنه "وفقاً لطهران، لم تكن هناك خطط أمنية محدّدة من أجل حماية الحجّاج الإيرانيين"، فيما لن يسمح السعوديون السنة للإيرانيين بتنظيم الطقوس التقليدية (مسيرة البراءة من المشركين) "بدعوى أنهم ينأون بأنفسهم عن (مظاهر) الوثنية"، في وقت يعتري فيه حجّاج بيت الله الحرام من الجنسيات الأخرى، جملة تساؤلات حول من هم الأجدر بوصف "عبدة الأوثان"، الولايات المتّحدة وإسرائيل؟ أم حكّام السعودية؟ على حدّ تعبير فيسك.
وقد ذكّر الكاتب في "ذي إندنبدنت" بسوابق تاريخية في هذا المجال، على خلفية مقتل 402 مدنياً، من بينهم 275 حاجّاً إيرانياً على أيدي القوّات السعودية، خلال مظاهرات مناهضة للولايات المتّحدة وإسرائيل، نظّمها الحجّاج الإيرانيون، وذلك في ذروة الحرب العراقية الإيرانية بين عامي 1980 و1988، عندما كان العراق يحظى بمدد مالي من الرياض، ومساعدات عسكرية من واشنطن، معتبراً أن الحجّاج العراقيين، ورغم وقوع حكومتهم ضمن دائرة نفوذ طهران، فإنه بالإمكان ضبط تحرّكاتهم في مكّة من جانب السلطات السعودية، في حال تسبّبوا باضطرابات، الأمر الذي لا يمكن له أن يحصل مع الحجّاج الإيرانيين.
من وجهة نظر الكاتب، يخدم الخلاف حول مسألة الحج، كجزء من مشهد الصراع الملتهب بين طهران والرياض، الذي "يصبّ الدماء حالياً في ميادين القتال في سوريا والعراق واليمن"، حيث تزعم كل منهما الدفاع عن طائفة بعينها. وبحسب "ذي إندبندنت"، فإن الديبلوماسي "دمث الأخلاق"، غضنفر ركن آبادي، الذي عشق الشهادة حتّى لاقاها في المدينة الأكثر قدسية في الإسلام، يعدّ واحداً من ضحايا هذا الصراع.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها