مشاورات الكويت: انتهت صلاحية التفاؤل؟
شهران تقريباً من المشاورات بين أطراف النزاع اليمني، برعاية وإشراف الأمم المتّحدة، ولا تقدّم أنجز بشأن التوصّل إلى سلام، بل لا مؤشّرات بعد على اقترابه. ويوماً بعد آخر يتراجع الأمل بنجاح هذه الجولة السياسية التي حظيت بدعم دولي وإقليمي واسع النطاق، ومحلّي أيضاً.
على مرّ تاريخ اليمن السياسي وتاريخ جولات الحوار، لم يحظ ذهاب أطراف النزاع اليمني بذلك القدر الكبير من التفاؤل بنجاحهم في السلام كما هو هذه المرّة وفي هذه الجولة. الأسباب كانت كثيرة؛ أبرزها دور الكويت التاريخي في لمّ شمل اليمنيين ذات مرّة، وتحديداً في حلّ الصراع القائم بين الشمال والجنوب نهاية عقد السبعينيات، في إطار ما عرف بقمّة الكويت التي جمعت رئيس الشطر الشمالي، علي عبدالله صالح، ورئيس الشطر الجنوبي، عبد الفتاح اسماعيل، ومن خلال القمّة تم التوصّل إلى اتفاق سياسي، وإيقاف الحرب القائمة آنذاك، والتي عرفت بحرب الجبهة، أو حرب المناطق الوسطى.
تأخّر وتعقّد ورقة الحسم العسكري، بعد عام وأكثر من الحرب، جعل البعض يعتقد بأن الأطراف السياسية صارت مؤمنة بالحل السياسي وأنه لا مجال لحسم المعركة عسكرياً، وأن ذهابهم إلى الكويت جاء بناء على هذه المعادلة، إلى جانب سيل من تعبيرات الأمم المتّحدة عن أملها الكبير والملفت، ومجموعة من دول المنطقة، منطلقين بحديثهم من مربع الجهود التي بذلت في طريق إقناع الأطراف.
اليوم، وبعد شهرين من المشاورات، يتراجع الأمل، بقدر حضوره السابق، أضعافاً. المشاورات لا تزال تدور في إطار المقترحات والرؤى، والإستمرار في الشدّ والجذب والقبول والرفض، ترافقها تعليقات واسعة للجلسات من قبل الأطراف. وحتّى الآن لم يتبق أمل إلا أمل الأمم المتّحدة ربما.
يقول الناشط السياسي، باسم الحكيمي، لـ"العربي"، إن "مشاورات الكويت محكوم عليها بالفشل، بدليل أن الهوّة ما تزال كبيرة بين الطرفين، ففي حين يتمسّك الوفد الحكومي بالمبادرة الخليجية والقرارات الأممية ومخرجات الحوار الوطني، كأساس للتفاوض، يتمسّك أنصار الله بالإعلان الدستوري كأساس في تفاوضهم. وفي اعتقادي هذا الإنسداد في التفاوض هو بسبب توازن الرعب بين الطرفين".
ولإحداث اختراق حقيقي في مسار المفاوضات، كما يطرح الحكيمي، لابد من "تعديل ميزان القوى على الأرض لصالح الشرعية، ولن يكون ذلك إلا من خلال عملية عسكرية تضعف طرف الحوثي وتجعله يقدّم تنازلات على طاولة الحوار".
من جهته، يتوقّع المحلّل السياسي، عارف أبو حاتم، فشل المشاورات، ويقول، لـ"العربي"، إنه "لا يوجد أي مؤشّرات للنجاح، ولا حتّى في السابق، لأن الأسس التي يتم عليها البناء غير موجودة، فالحوثيون يرفضون كل شيء، ويرفضون المرجعيات الثلاث المتّفق عليها. وعلى الرغم من تلقّي وفد الحكومة ضمانات دولية بشأن التزام الطرف الآخر بعد تعليقهم للحوار لأيام، إلا أن العودة لم تثمر شيئاً". اليوم، وبعد شهرين من المشاورات، يتراجع الأمل
ويرى أبو حاتم أن الضمانات الدولية، ومن ضمنها الضمانة المقدّمة من أمين عام الأمم المتّحدة، بان كي مون، للرئيس هادي، في الدوحة، كان متوقعاً أنها تحرّك الركود الحاصل، إلا أنه "لا مؤشّرات حتّى الآن".
ووصف ما حصل من قصف على مدينة تعز، أخيراً، ينسف أي أمل بنجاح مشاورات الكويت.
المحلّل السياسي، عبد الفتاح حيدرة، يقرأ مشاورات الكويت من زاوية أخرى، ويرى أن "الشرعية التي يتم البحث عن استعادتها هي ليست شرعية اليمنيين، فشرعية اليمنيين للحاكم سقطت قبل زمن".
ويضيف حيدرة، لـ"العربي"، إن مفاوضات الكويت "وسيلة أخرى من وسائل الحرب أيضاً، والذي لم تستطع السعودية أن تحقّقه في الميدان تسعى لتحقيقه في السياسة، بمفاوضات الكويت... وقد نجحت نوعاً ما".
الطرف المعطّل للمفاوضات، من وجهة نظر حيدرة، هم "مرتزقة الميدان وليس مرتزقة السياسة، إذ أصبحت الحرب بالنسبة لهم مصدر دخل كبير، هذا من جهة، ومن جهة المعطّل الآخر هم الإنتهازيين وشلل الفساد التي سيطرت على حركة أنصار الله، الذين استولوا على المال العام والثراء من قرار التعويم والمشتقّات النفطية، والذي أصبح بالنسبة لهم مصدر ثراء وسلطة بدون رقابة"، معرباً عن اعتقاده بأنه، وفي الأخير، فإن "الشعب اليمني هو صاحب القرار في مسألة إنهاء الحرب وليست القوى السياسية".
ويستبعد الصحافي فتحي أبو النصر أن تنجح المفاوضات "إذا تمسّك كل طرف بعدم التنازل... هناك ضغوط إقليمية ودولية، إضافة إلى تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية والإقتصادية، إذا استمرّ الصراع بلا أفق. ويمكن القول إن الجميع على المحكّ الأخير".
وأضاف "المعنى أن الإتّفاق الذي تتم هندسته كما هو واضح سيفضي، حال التعاهد عليه، إلى عدم استمرار الإنقلاب من ناحية، وإلى عدم استمرار الشرعية، من ناحية ثانية، تحديداً سيفضي إلى شرعية جديدة، مكوّنة من الطرفين، شرعية ذات أثقال كبيرة وعليها التزامات ومسؤوليات، لا تقبل التنصّلات والذرائع، لاستعادة وضع الدولة الضامنة للجميع، ومعالجة آثار الصراع وجملة القضايا العالقة، على ضوء المرحلة الإنتقالية، وتحت سقف القرارات الإجماعية المحلية والإقليمية والدولية".
أما الناشط السياسي، محمد المقبلي، فيرى في "جريمة الباب الكبير في تعز أكبر دليل على أن جماعة أنصار الله تسعى إلى نسف محادثات السلام وتفجير الوضع عسكرياً، والمشاورات في الكويت حبر على ورق، محروق بقذائف المدافع".
وبشأن الضمانات التي طرحت على طريق إنقاذ المشاورات من الفشل، قال المقبلي إن الضغوطات التي لم تفلح في إيقاف "الجرائم بحقّ المدنيين، تدليل وليست ضغوطات".
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها