صيّادو اليمن: "شاكٍ إلى البحر"!
تحوّل الآلاف من صيّادي الأسماك في محافظة الحديدة، غربي اليمن، إلى فريسة للبطالة والظروف المعيشية القاسية، في ظلّ الحرب والحصار المفروضَين على البلد، وتحوّل مناطق واسعة من الشواطئ والسواحل اليمنية إلى مسرح عمليّات عسكرية ومناطق محظورة.
وبينما يزخر اليمن، الذي يمتلك 2520 كيلومتراً من السواحل، بثروة سمكية هائلة، تزداد أوضاع آلاف الصيّادين اليمنيّين تعقيداً، في وقت تنعدم فيه المشتقّات النفطية المشغّلة لأغلب قوارب الصيد.
65 % من الصيّادين فقدوا أعمالهم
أظهر تقرير اقتصادي حديث أن 65% من الصيّادين اليمنيّين فقدوا سبل عيشهم، جرّاء الحرب المندلعة منذ مارس 2015م، والتي ألحقت أضراراً كبيرة بالقطاع السمكي، الذي يعدّ من أهمّ القطاعات في البلاد.
وأشار التقرير، الذي اطّلع "العربي" على محتواه، إلى أن 650 ألفاً من العمّال في مجال التعبئة والتخزين والنقل في قطاع الصيد والأسماك فقدوا أعمالهم، فيما توقّفت أغلبية خدمات قطاع الأسماك في اليمن بسبب الحرب.
وفي حين رصد التقرير انخفاضاً كبيراً في الصيد التقليدي، العام الماضي، بنحو 75% في تعز والحديدة، وبما يقارب 50 % في المحافظات اليمنية الأخرى، بالمقارنة مع عام 2014م، لفت، في المقابل، إلى تزايد أنشطة الصيد غير المرخّصة وغير القانونية، والتي تستغلّ حالة الصراع والفراغ، وغياب سيطرة الحكومة والنظام الرقابي.
وأكد التقرير، الصادر عن برنامج نظام معلومات الأمن الغذائي، تضرّر الصيد التجاري الذي كان ينتج أكثر من 600 طنّ في اليوم الواحد قبل تفاقم الأزمة، وبالمثل انخفضت صادرات الأسماك بشكل ملحوظ بسبب إغلاق منافذ الشطآن، ونقاط الخروج البحرية، ومنافذ موانئ التصدير، باستثناء كمّيات بسيطة لا تُذكر تمّ نقلها بواسطة الشاحنات والحاويات من المهرة إلى عمان.
واستعرض التقرير التحدّيات الكبيرة التي تواجه تنمية القطاع السمكي في اليمن، مركّزاً، بشكل خاصّ، على نتائج الصراع الحالي على ذلك القطاع، والمتمثّلة في القيود المفروضة على الإستيراد والوصول إلى البحر، وندرة المحروقات وارتفاع أسعار الوقود والنقل و مرافق التخزين، إضافة إلى إعاقة الصراع والرقابة العسكرية، على طول الساحل، حركة الصيد بشكل كبير، حيث يتمّ استهداف قوارب الصيد، خصوصاً في محافظات الحديدة وتعز وحجّة.
قصف صاروخي ومدفعي
تعرّض كثير من الصيّادين اليمنيّين، خلال الفترة الماضية، لعمليّات استهداف مباشرة، من طيران وبحرية "التحالف العربي" في الجزر اليمنية ومراكز الإنزال السمكي، وسقط ضحايا بينهم، بحجّة الإشتباه بقوارب تهريب أسلحة إلى "أنصار الله". واستهدفت الضربات الجوّية الصيّادين وقواربهم وقراهم في السواحل الغربية، والجزر اليمنية في البحر الأحمر، وساحل أبين على بحر العرب.
وخلّفت تلك الغارات مئات الضحايا، من رجال ونساء وأطفال بسطاء ضيّق الحصار عليهم سبل الرزق، ولاحقتهم القاذفات بالقنابل والصواريخ.
يقول عضو جمعية صيّادي تهامة، مساوى أحمد مساوى، لـ"العربي"، إن "الأمر لم يقتصر، فقط، على الضربات الجوّية المباشرة، بل كان هناك قصف صاروخي ومدفعي متواصل خلال ثمانية أشهر، خصوصاً على المناطق الحدودية والساحلية المأهولة غالباً بالصيّادين، فضلاً عن الجزر والسواحل المتاخمة للمدن الكبيرة والأسواق الرئيسية". معظم صيّادي الشريط الساحلي التهامي نزحوا من مساكنهم بحثاً عن الرزق
وأشار مساوى إلى أن "الضربات الجوّية والقصف الصاروخي والمدفعي للتحالف السعودي تسبّب في تشريد مئات الأسر وآلاف المواطنين داخليّاً عن منازلهم ومناطقهم، ومضاعفة مفاعيل أزمة بشرية ومعاناة إنسانية وسكّانية مستفحلة، وتوسيع دائرة الفقراء والعاطلين المحتاجين إلى أبسط ضروريّات الخدمات والإغاثات الإنسانية والطبّية الحرجة".
ويلفت الصيّاد محمد قادري، لـ"العربي"، إلى أنّه "في ظلّ هذه الأوضاع، يصحو الصيّاد اليمني باكراً لطلب الرزق وإعالة أسرته، ولكنّه بات يودّع أبناءه وزوجته ويقصد البحر حاملًا أكفانه".
وتابع أن "الصيّاد لا يعرف إن كان سيرجع أم سيقضي بغارات تحالف العدوان، والذي أمعن في استهداف الصيّادين وقوارب الصيد".
إعصارا تشابالا وميغ
إضافة إلى الحرب والحصار، كان الصيّادون اليمنيّون، أوائل نوفمبر 2015، على موعد مع ظاهرة مدارية، تمثّلت في إعصارين متتاليين في أسبوع واحد (تشابالا وميغ)، جعلا الصيّادين مكشوفين من كلّ الإتّجاهات.
بحسب تقرير برنامج نظام معلومات الأمن الغذائي، فإن الإعصارين، اللذين ضربا المناطق الساحلية في اليمن، كان لهما تأثير خطير على قطاع صيد الأسماك. إذ تسبّبا في نزوح نحو 5974 أسرة في ستّ محافظات ساحلية، ودمّرا الأصول الإنتاجية والبنية التحتية وأدوات الصيد، وألحقا أضراراً بـ1928 قارب صيد، و956 محرّكاً، و19 موقعاً لمصائد الأسماك، فضلاً عن تعطّل النظام البيئي السمكي.
نزوح الصيّادين
يعمل أغلب سكّان الشريط الساحلي التهامي في الصيد، إلّا أن معظمهم نزحوا من المنطقة تاركين منازلهم وأعمالهم، ومنتشرين في مناطق مختلفة بعد اشتداد الحرب، وتصاعد أعمال العنف على سواحل البحر الأحمر.
هكذا أجبرت عمليّات الإستهداف المتكررة لقوارب الصيد الصيّادين على النزوح، والبحث عن مصدر رزق آخر، لتوفير قوت أطفالهم، وتحسين ظروفهم الإقتصادية الصعبة.
وفي المناطق الآمنة نسبيّاً، يخشى كثير من الصيّادين في تهامة الإبحار لمسافات بعيدة في عرض البحر بهدف الحصول على صيد وفير، وذلك خوفاً من أن تطالهم عمليات القصف الخاطئة من قبل مقاتلات "التحالف العربي"، والتي سبق وأن راح ضحيّتها العشرات من الصيّادين في محافظة الحديدة.
ويمتد الشريط الساحلي في الحديدة حوالي 329 كيلومتراً، ابتداءاً من اللحية شمالاً إلى الخوخة جنوباً، ويضمّ 40 تجمّعاً سمكيّاً، و15 مركز إنزال سمكي.
وينتج صيّادو الحديدة كلّ عام أكثر من 22 ألف طنّ سنويّاً من مختلف الأسماك والأحياء البحرية، وهناك 43 جمعية تعاونية سمكية، منها 25 جمعية نشطة وفعّالة في المحافظة.
تراجع الإنتاج
يشير تقرير برنامج نظام معلومات الأمن الغذائي إلى أن ندرة وارتفاع تكلفة الوقود، وانعدام الأمن في المحافظات الساحلية، أثّرا بشكل كبير على ممارسات الصيد، وخفّضا حجم نتاجه في جميع أسواق المحافظات الوسطى والساحلية.
وأضاف أن تراجع الإنتاج أثّر بشكل مباشر على 50 بالمائة من الصيّادين، الذين فقدوا سبل العيش والدخل والأمن الغذائي للأسرة، ولم يعد بإمكانهم الحفاظ على رفاهية أسرهم.
ولاحظ أن كمية الاسماك المتاحة والمتوفّرة في صنعاء والمحافظات الأخرى قد انخفضت بشكل كبير، ويرجع ذلك إلى الكمية المحدودة من صيد الأسماك، والمشاكل المتعلّقة بسلامة وأمن التجّار الذين ينقلونه إلى العاصمة، بالإضافة إلى التحدّيات المتعلّقة بالتخزين والتبريد الناتجة من نقص الكهرباء والوقود.
رصد عمليّات الإستهداف
في ما يلي رصد لحوادث متفرّقة، طالت يمنيّين أبرياء ومسالمين، صاحبهم الوحيد في هذه الدنيا هو البحر:
8 فبراير 2016م: إصابة صيّاد في قصف لبوارج "التحالف العربي" على قوارب الصيّادين في جزيرة زقر.
21 نوفمبر 2015: مقتل نحو عشرة صيّادين في غارات جوّية على القوارب في جزيرتي حنيش الكبرى وزقر، في البحر الأحمر.
19 نوفمبر 2015: مقتل وإصابة 21 شخصاً وفقدان 11 آخرين، في غارات لطيران الـ"آباتشي" على قوارب الصيّادين في البحر الأحمر، بالقرب من جزيرة زقر، التابعة إداريّاً لمحافظة الحديدة.
17 نوفمبر 2015: فقدان 7 قوارب صيد بمن فيها من الصيّادين في ميناء المخا، بعد استهداف مقاتلات الـ"آباتشي" لقوارب عدد من الصيّادين.
17 نوفمبر 2015: مقتل 4 صيّادين وجر 3 آخرين في ضربة جوّية استهدفتهم في ميناء الحيمة الساحلي، بمديرية الخوخة، في محافظة الحديدة.
13 نوفمبر 2015: مقتل 7 صيّادين وجرح آخرين، جرّاء غارات جوية استهدفت مركز الأسماك في مدينة المخا التابعة لمحافظة تعز.
10 نوفمبر 2015: مقتل وجرح عدد من الصيّادين في قصف جوّي مباشر على مجمّع الصيادين وسوق الأسماك، في مديرية الخوخة بمحافظة الحديدة، على ساحل البحر الأحمر.
22 و23 أكتوبر 2015: سقوط العشرات ما بين قتيل وجريح في قصف جوّي وبحري استهدف الصيّادين، في جزيرتي عقبان وكدمان في البحر الأحمر.
9 سبتمبر 2015: مقتل أسرة كاملة مكوّنة من أب وأم وطفليهما، في غارة جوّية على فندق شواطىء ميدي، في مدينة عبس الساحلية، التابعة لمحافظة حجّة.
8 سبتمبر 2015: مقتل 22 هندياً وجرح عدد من الصيّادين اليمنيين، جرّاء غارات على القوارب في ساحل مدينة الخوخة، بمحافظة الحديدة.
27 سبتمبر 2015: مقتل 24 مدنيّاً وإصابة 12 آخرون في غارات جوّية، شاركت فيها الـ"أباتشي" والـ"إف 16"، بالإضافة إلى قذائف مدفعية ،استهدفت منطقة العوارض بني زيلع، في مديرية ميدي الساحلية، بمحافظة حجّة.
22 يوليو 2015: مقتل وجرح عدد من الصيّادين، جراّء قصف جوّي على القوارب في ساحل شقرة بمحافظة أبين، والمطلّ على بحر العرب.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها