الهاشميـــة السياسية والاقتصادية.. بين داعي الموت وحنشان الظمأ !
على غرار مصطلح الهاشمية السياسية، وفي وضع مفتوح وخزائن مشرعة للنهب، يتردد كثيرون في إطلاق المصطلح الاقتصادي على ذات الشريحة بحذر شديد، إذ أن مناوئي الحوثي داخل أسر الهاشميين أكثر من مؤيديه، والحديث هنا عن رجال الأعمال والبيوت التجارية.
لكن من الواضح أن المصطلح يكاد يلتصق أكثر بقيادات مليشيا الحوثي والمخلوع الذين أطلقت عليهم تقارير ودراسات سابقة اسم "الصاعدون الجدد"، أو "هوامير السوق السوداء".
ليس بدعا من القول، كشف مخططات هذه الشريحة التي باتت تسيطر على مفاصل الاقتصاد وترعى الأسواق السوداء في كل المجالات لصالحها، إذ لا يمكن الحديث عن "حوثية سياسية" دون الحديث عن "حوثية اقتصادية" تعمل على "استرقاق المستقبل" - حسب توصيف رجال أعمال ومختصين تحدثوا لفريق عمل (مُسند للأنباء) - وتهيئة الأرضية لما بعد سقوط الانقلاب.
ولهذا الأمر وجهان حسب الخبراء: أحدهما أنه يستحيل على مليشيات مسلحة أن تضع الجانب التمويلي تاليا لأي بند آخر مهما كانت أهميته، فهذا ديدن العصابات التي تعتاش على ما كل يقع تحت ظل بندقيتها، كجماعة القاعدة في المغرب، ومحششو طالبان في أفغانستان، وأسواق الحوثي السوداء في اليمن.
والثاني: أن حتمية سقوط الانقلاب باتت تسيطر على تفكير الحوثية الاقتصادية التي استغلت نفوذها لإطالة أمد الحرب والاستفادة أكثر من الوضع فدفعتها لإجراء حزمة تعيينات تهدف إلى السيطرة على المواقع الهامة في أجهزة الدولة لرسم خارطة الصراع في المستقبل وتحديد مؤشر الثلث المعطل إن صح التشبيه. لقد عملوا في مشاورات الكويت الجارية بأرقى وسائل وأساليب التفاوض والمماطلة المدروسة حسب توصيف المستشار الرئاسي نصر طه مصطفى في مقال له في الحياة اللندنية، لافتا إلى استفادتهم من التجربة الإيرانية في التفاوض مع المجتمع الدولي.
وهذا يدعونا إلى التساؤل: ماذا يفعلون في الجانب الاقتصادي والمالي، وكيف يمكن قراءة الواقع الاقتصادي وفقا لتصرفاتهم في هذا الميدان. تعيينات استباقية يشتغل الحوثيون "اقتصاديا" الآن على جميع الأصعدة والمسارات تمهيدا للمستقبل واستعدادا لجولة جديدة من الحرب مع الدولة ولكن من زاوية اقتصادية..
ومنذ قدموا كشفا للرئيس هادي في يناير 2015 وحاولوا إجباره تحت تهديد السلاح على التوقيع عليه وإصدار قرارات جمهورية بأسماء من تضمنهم الكشف كنواب ماليين وإداريين لمعظم مؤسسات الدولة حينها، منذ ذلك الحين، وخطتهم باتت واضحة في أن هذا المترس الاقتصادي سيكون منطلقا للحرب القادمة..
سلسلة تعيينات الحوثي الجديدة في اراضي وعقارات الدولة في كل من صنعاء والحديدة وغيرها تشير إلى أن ثمة ما تريده "الحوثية الاقتصادية" تبعا لمؤشرات فشل المفاوضات في الكويت واقتراب الحسم، خاصة مع توارد الأخبار عن استحواذ الحوثيين على أراضي الدولة وأراضي تابعة لمواطنين داخل صنعاء، ومحاولات حثيثة لتمليك عبدالملك الحوثي و"آله" أراضي الفرقة الأولى مدرع.
وفي هذا الصدد صدرت قرارات رسمية بتعيين "أحمد مفتاح" مديرا لهيئة الأراضي والمساحة والتخطيط العمراني بعد اقتحام مقرها بصنعاء بالمدرعات إثر رفض المدير السابق مغادرة موقعه وكذا رفض الموظفين، ثم تعيين "محمد حمود شرف الدين" (أبو تسابيح) مديرا عاما للرقابة والتفتيش بالهيئة، وهو مدير إدارة سابق في فرعها بذمار وتمت إحالته للنيابة بقضايا فساد، ومثله المدير الجديد لفرع الهيئة بالحديدة وهو مدير سابق لفرعها بحجة ورفعت ضده قضايا فساد متعلقة بالأراضي تم إيقافه بسببها ثلاث سنوات.
وعن دلالات اقتحام اراضي وعقارات الدولة وفرض مفتاح بالقوة يقول الخبراء "إن عقارات الدولة عبارة عن وثائق فقط، وإذا ما حصل لهذه الوثائق أي تعديل فمن الصعوبة بمكان استرجاعها"، مؤكدين أن لهذا التحالف الانقلابي "نسبة كبيرة من الأمناء وأقلام التوثيق في صنعاء وغيرها، وسنجد غدا أن بعض تلك الأراضي ستظهر لها بصائر ملكية من قبل 60 عاما، كما كانوا يفعلون في الماضي، وستتحول أراضي أمانة العاصمة والمعسكرات وغيرها ملك لهم وخاصة الأراضي غير المشهورة..
ومؤخرا صدر قرار بتعيين "مُغني بمؤهل ثانوية عامة" نزار الأخفش "شقيق الفنان عبدالرحمن الأخفش) رئيسا للهيئة العامة للاستثمار (بدرجة وزير) وبحسب مصادر الزميل همدان العليي الذي يهتم بمتابعة قرارات التعيين الحوثية، فلم يسبق لنزار الأخفش أن شغل حتى مدير إدارة من قبل.
وسرد الزميل العليي تعيينات أخرى لمن وصفهم بالسلاليين الهاشميين في مناصب حساسة: كالجمارك، الضرائب، المالية، الشئون البحرية، المؤانئ، النقل، البنوك وغيرها.
مؤشرات الحوثية الاقتصادية
وبحسب خبير اقتصادي، فإن "الحوثية الاقتصادية" هي من تقوم "بتمويل وضخ الأموال لصالح المشروع الكهنوتي السياسي العنصري المقيت، وخطورتها أن أي عمل تقوم به جائز، بفتوي من مرجعياتهم السياسية والدينية، وهو ما يعني أنه لا سقف لهذه الاستباحة".
وقبل الشروع في تعديد ملامح الحوثية الاقتصادية فإنه لابد من التأكيد على أن موقعهم الداعم والممول للمليشيات، يجعلهم محل رعاية لا محدودة من قيادة الانقلاب بشقيها، ونفوذ لا يشق له غبار.
وفي هذا التقرير تحدث اقتصاديون ورجال أعمال ومختصون لـ"مُسند للأنباء" عن أبرز ملامح "الحوثية الاقتصادية" ومنها: توريث المناصب المالية فيما بينهم، ويبدو أن هذه السيطرة لها تاريخ ممتد منذ ما بعد ثورة سبتمبر حتى الآن.
أما المسيرة القرآنية فقد حرصت منذ التسعينات حتى الآن على تحصيل الزكوات من سكان المناطق التي يسيطرون عليها، وأخذ الخمس من محصول المزارعين، وتحويل جزء كبير من عائدات الزكاة إلى جمعياتهم الخاصة بآل البيت حسب الخبراء.
وبعد سيطرة جناحهم العسكري فإن خبراء أشاروا إلى قيامهم بتزوير الميزانيات السنوية للمؤسسات، وزيادة حجم أصول وهمية، ورفع نسبة الإهلاك، وعدم استبدال الأصول المهلكة بأصول جديدة.
كما تحدث آخرون عن الدعم الخارجي للمزارعين وتحويله إلى مزارعهم الخاصة، فضلا عن فضائح كبيرة في بيع المساعدات الإنسانية وبيعها بملايين الدولارات.
وأشار متحدثون لهذا التقرير إلى ملامح أخرى تتمثل في تحويل جزء من أعمال القضاء والضبط القضائي إلى أيدي لجانهم الثورية ومنازل القضاة وتفعيل تجارة الاختطافات وابتزاز القبائل والمواطنين من خلالها، وفي هذا الموضوع يمكن تسجيل حوادث اختطاف أفراد من البهرة في عدن قبل تحريرها، ثم إطلاق سراحهم مقابل 25 مليون لكل مفرج عنه، وكذا تفجير جامع البهرة في شارح الرماح بنقم أواخر يوليو الماضي وادعاء إحباط الأمن انفجار مفخخة أخرى أمام الجامع، وأشارت المصادر حينها إلى رفض البهرة "تجار ذهب" دفع أية مبالغ لصالح المجهود الحربي.
وأضاف مختصون لـ"مُسند للأنباء": إنهم يقومون بـ"تحويل مناقصات" الدولة على شركاتهم، و"تحويل التأمين الطبي" على مستشفياتهم، ومنح تجار منهم "تسهيلات من البنوك" الحكومية بفوائد مخفضة عبر منحهم قروضا بالدولار بنسبة ٧٪ فيما يحصل عليها غيرهم بنسبة ٢٠٪. وإعفاء تجارهم من رسوم كبيرة من الضرائب وتحويل الفارق إلى جمعياتهم.
ونشر موقع يمن مونيتور بداية العام الجاري تقريرا عن حصاد 2015 الاقتصادي بعنون "الصاعدون الجدد.. ثعابين الثروة والمال" وفيه كثير من التفاصيل التي استدل من خلالها قسم التحقيقات بالموقع عن استفادة هؤلاء الصاعدين من إطالة أمد الحرب.
السيطرة على المستقبل
حالياً يقوم فريق منهم بـ"إنهاك السوق وإغراقه" مثل "دعم الجبهات الداخلية العسكرية بالريال اليمني ويستلموها من التجار الإيرانيين في الإمارات بصرف 215 ريال سابقا، وشراء مواد ونفط وغيرها لإدخالها إلى اليمن بهذا الفارق ونسبة المخاطرة، ويتم بيعها بأقل من تكلفتها الحقيقية اذا تم شراؤها بشكل طبيعي مما يسبب بخروج الكثير من التجار من السوق" حسب رجل أعمال فضل عدم الإفصاح عن اسمه.
مؤكدا قيام فريق آخر بـ"نهب أموال الدولة والقطاع الخاص" تحت لافتة الفعاليات الكثيرة ودعم مقاتليهم ولجان جرحاهم وغيرها من المسميات، الأمر الذي يساهم في تركيز الأموال بأيديهم، حسب قوله.
وفي هذا يمكن إضافة تصريح محمد علي الحوثي رئيس اللجنة الثورية العليا للحوثيين في معرض رده على اتهامات وزير المالية منصر القعيطي للبنك المركزي بالتواطؤ مع الحوثيين وصرف 25 مليار ريال شهريا، واعتراف الحوثي حرفيا في أحد لقاءاته داخل القصر الجمهوري أمام مؤيدين "يتحدثون عن نهب 25 مليار ريال شهريا من البنك المركزي، وهم لا يعلمون أنها مرتبات للجيش واللجان الشعبية والمقاتلين ضد العدوان".
وفي ذات اللقاء دعا الحوثي - صراحة - عامة الشعب، إلى نهب من وصفهم بالتجار الذين يقفون مع العدوان حسب وصفه.
وفي دراسة سابقة تتبع المركز الإعلامي للثورة اليمنية 689 "سوق سوداء" للمشتقات النفطية بأمانة العاصمة وحدها، وتوصلت الدراسة إلى أن مخططا مرسوما من قبل الحوثيين هو من يقف خلف هذه الأسواق التي تجني منها "الحوثية الاقتصادية" شهريا مبلغا حددته الدراسة بـ 43 مليون دولار من صنعاء وحدها.
كما أكدت الدراسة أن مشرفي المديريات هم أنفسهم المشرفون على تنظيم هذه الأسواق السوداء بالاتفاق مع شركة النفط التي يسيطرون عليها، بالتعاون مع هوامير وبقايا نظام الرئيس المخلوع صالح. ثم إن فريقا آخر يقوم بـ"غسل الأموال" التي يجنيها الحوثيون نتيجة تحويل المساعدات الإنسانية أو التبرعات أو الاقساط التي يجمعونها من وراء رواتب موظفي الدولة في عموم محافظات الجمهورية، عن طريق شراء العقارات والوكالات الأجنبية وإغراء بعض التجار ورجال الأعمال من خارج منظومة "الحوثية الاقتصادية" لتشغيل تلك الأموال.
خط الهجوم الأول
كشف بحث أجراه أحد الخبراء –ينشره لاحقا- قيام فريق آخر من الحوثيين بـ"تأهيل تجار جدد" في السوق للمرور عبرهم ولتغطية المربعات السياسية كالمديريات بحيث يتم استخدامهم في المرحلة القادمة أثناء الانتخابات، فضلا عن تأهيل وبناء شبكات أمنية لهؤلاء التجار الناشئين للحماية بعد تفكك المليشيات.
ويزمع الباحث المذكور إلى تأكيد ما سبق ذكره لكشفه أمام الرأي العام لتدارك ما بقي من أرضية ملعب التوقعات المستقبلية وإيقاف عملية التجريف الاقتصادي لمقدرات البلاد من قبل هذه الفئة التي أطلق عليها تقريرنا اسم "الحوثية الاقتصادية".. "لأنهم اللاعبون الوحيدون على الساحة ولكونهم لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة"، فإن فريق البحث المشار إليه آنفا، يعتقدون أن هذا "التجريف" الذي يقومون به، "عمل منظم ومحكم ومدروس بطريقة مذهلة، وفقا لأعلى الممارسات المهنية، بهدف السيطرة الاقتصادية ومن ثم السياسية، ومالم يتمكنوا فسيؤثرون على القرار، انطلاقا من هوس الثلث المعطل".
وأكد الباحثون أن "الشبكة التي يعملون عليها تشبه تقريبا نفس الشبكة التي تعمل في العراق بإشراف إيراني، والتي اعتمدت على انهيار الدولة بعد انهيار العملة والاقتصاد"، مؤكدين أن من وصفوهم بمهندسي اللصوصية الهاشميين سابقا، هم نفس المهندسين الآن لاستكمال حلقات استرقاق المستقبل وانهيار نخبه المجتمع إلى أسفل ركبهم.. حسب تعبيرهم.
واستدل فريق البحث على تأكيداتهم بعدد من الإجراءات الحوثية التي تم رصدها، ومنها على سبيل المثال: الاستيلاء على الخدمة المدنية والعبث بمحتوياتها - آخر عملية قصف الأحوال المدنية بتعز وإصدار كميات مهولة من الهويات المزورة لقادم الأيام - بهدف الحصول على وكالات لأموال وممتلكات الأسماء والهويات المزورة التي سيدعون بأنها خارج البلد، وهي في الأصل أموال منهوبة.
تزوير وحرق الوثائق
ورصد الباحثون عدداً من المؤسسات الحكومية التي توغل الحوثيون فيها لدعم خطتهم المستقبلية، وهي وثائق الخدمة المدنية، وثائق التعليم العالي، وثائق الجيش، وثائق الداخلية، وثائق القضاء، وثائق الأوقاف، وثائق عقارات الدولة، وثائق الأمن السياسي والقومي، وثائق التجارة والصناعة، وثائق الشركات النفطية، وثائق المؤسسات والهيئات الاقتصادية والإيرادية.. وغيرها من المؤسسات التي توقع الباحثون أن الحوثيين سيقومون بتزويرها أو حرقها على أساس أنها جزء من ضحايا الحرب أو في حال تم اقتحام صنعاء، وحينها فقط يعود سيضطر الممسكون بالحكم للعودة إلى أركان النظام السابق "الدولة العميقة – الحوثيون"، أو سيضطر الأخيرون إلى حرق الأرض من تحت أقدام اللاعبين الجدد.
وأشار تقرير استخباراتي نشرته وسائل إعلام تركية في 2014 أن إيران تمول عملية تسمى "حرث الأرض" يهدف لتحويل صنعاء إلى مدينة شيعية بحلول عام 2017.
اتهامات متبادلة
لا ينفك هذا الإطار من الفساد داخل "هوامير الحوثي" من اتهامات متبادلة بالفساد وسرقة المال العام، داخل الجماعة في إطارها الخاص، أو في إطار تحالف مع المخلوع. ولهذا لا تتهم الحكومة وحدها الحوثيين بضياع 4 مليارات دولار - احتياطي البنك المركزي- وانهيار سوق الصرف في البلاد، بل إن "صالح" وحاشيته وجهوا ذات التهم على الحوثيين، وهو ما دفع الحوثيين أيضاً لتبادل الاتهامات من حلفائهم اليوم. من كل تلك الأرقام بالمليارات خلال عام ونصف من اجتياح الحوثيين العاصمة صنعاء وسيطرتهم على مقاليد الحكم في البلاد، والبلاد تغرق في بحر متلاطم من الديون الداخلية والخارجية؛ وانهيار اقتصاد من الصعب أن يعود من جديد كما كان ما لم تتضافر جيوب المانحين الدوليين من جديد لدعم اقتصاد منهار وهو ما يصعب مع انهيار أسعار النفط.
خاتمة
يرى خبراء استطلع "مسند للأنباء" آراءهم، أنه يجب لتجاوز هذه المخاطر من العمل بشكل متوازي وفعال بجانب الخطة العسكرية والأمنية لدول التحالف وقوات الشرعية والمقاومة، وذلك بتكوين جبهة متخصصة, ببناء تكتل اقتصادي قوي يستطيع استيعاب المرحلة القادمة، مع تشكيل جهازين متوازيين لإسناد هذا التكتل: أحدهما "إعلامي"، والثاني "شركات أمنية" متمكنة لحفظ الأمن وقطع الطريق على المخربين والعصابات التي ستكون عنوان المرحلة القادمة، حسب مقترحات المختصين الذين أكدوا على ضرورة ضخ الإمكانيات الاقتصادية التي تمكن هذا التكتل من قيادة المرحلة القادمة، ويفضل أن يكون من الشباب الطموح، ويحاط بسرية حتى يكتمل بنيانه ثم يخرج بواجهة اجتماعية مقبولة لدى الناس وليس كتكتل اقتصادي ضارب.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها