“المُهمشونَ” في اليمن.. جماعة عرقيّة منسيّة في قاع المجتمع
ألقى موقع “يو إس أي توداي” الإخباري الأمريكي، الضوء على قطاع كبير في اليمن، سقط من دائرة الاهتمام منذ قرون، ومازال أعضاؤه يعانون الإهمال من قبل العناصر الدولية والمحلية، والذين يطلق عليهم اسم “المهمشون”، وهو الاسم الذي يطلقه أعضاء تلك المجتمعات على أنفسهم.
وهؤلاء المهمشون هم جماعة عرقية، بشرتهم داكنة اللون، يعيشون في قاع المجتمع اليمني منذ قرون، وتمارس ضدهم مختلف أشكال التمييز والعنصرية من قبل الآخرين.
ويعيش المهمشون في عشش وأكواخ بضواحي المدن، وغالبًا ما يرفضون الذهاب للمدارس، ويعملون في الأعمال الصغيرة مثل تلميع الأحذية أو النظافة أو حتى التسول، وكان يطلق عليهم بقية اليمنيين اسم “الأخدام”.
ويعد النظام القبلي هو السائد في اليمن، وهو ضروري لإعطاء الأفراد الحماية والمكانة وسبل العيش، لكن الإحصاءات تقدر بأن نحو 3 ملايين شخص في اليمن يعيشون دون انتماء لقبيلة، وبعيدًا عن أنظار الحكومة، ونتيجة لذلك، فقد تضرر هؤلاء المهمشون بشكل خاص في الحرب اليمينة.
وتعرضت أحياء هؤلاء المهمشين وتحطمت منازلهم الهشة المصنوعة من صفائح معدنية وورق مقوى وبطانيات، كما اضطر العديد منهم للنزوح المستمر.
ويقول بعض الفارين من نيران الحرب، إنهم لم يكادوا يفرون من جانب، ليتم قصفهم من جانب آخر، للعديد من الفصائل والمقاتلين في الصراع، ويؤكدون تجاهل المساعدات الإنسانية اليمنية لهم.
ومن جانبها، قالت حسنة محمد، والتي تعيش في منطقة عشوائية بمدينة تعز، وهي تبكي: “نحن عرايا ولا نملك شيئًا”.
وأشارت، إلى منزلها الذي اشتعلت به النيران في مارس الماضي، جراء قذيفة هاون ضربت الحي الذي تسكن به، كذلك وليد عبدالله (20 عاماً) أحد المهمشين الذي أشار إلى قصف منزله في الجحملية بتعز في وقت سابق من الحرب.
وهناك 200 أسرة فرت إلى منطقة الراهدة، التي تم قصفها فيما بعد، ما أدى إلى نزوحهم مرة أخرى.
ويعيش وليد الآن في العاصمة اليمينة، صنعاء، وتفرقت عائلته حول المناطق العشوائية بالمدينة، بعد أن فقد مصدر دخله الوحيد، أي دراجته البخارية التي كان يعيش من عرضها للإيجار، ويقول: “الآن.. لم يعد لدي شيء”.
وأصل المهمشين غير معروف، وهناك أقوايل تفيد بأنهم من نسل الجنود الإثيوبيين الذين جاءوا لغزو اليمن في القرن السادس الميلادي، وتشير روايات أخرى إلى أنهم جماعات أفريقية وكانوا أول من سكن المدن الساحلية في اليمن.
وقد قدرت الإحصاءات الحكومية الرسمية عددهم بنحو 500 ألف شخص، لكن نشطاء المهمشين يؤكدون أن عددهم يصل إلى 3 ملايين شخص تقريبًا، وقدرت اليونيسيف بأنهم يشكلون نحو 10% من السكان، أي نحو 2.6 مليون شخص.
وعلى مدار السنين ومختلف الأجيال، كانت تتم معاملتهم كطبقة اجتماعية دنيا، حتى أن اليمنيين يصفونهم بالقذرين، ويطالبون أطفالهم بعدم الاختلاط بهم، وهناك مثل شعبي منتشر بين اليمنيين يقول: “اغسل طبقك إذا لمسه كلب، لكن اكسره إذا مسه خادم”.
ويقول النشطاء، إن المدارس والمستشفيات غالبًا ما تطردهم، كما أن نساءهم عرضة للاعتداء الجنسي من قبل اليمنيين الآخرين، والذين يثقون أنه لن تتم محاكمتهم، أو أن حتى قبائلهم سترهب المهمشين في صمت.
على الجانب الآخر، إذا اشتبه في أن رجلًا من المهمشين يختلط بامرأة من خارج جماعته، فإن جماعته بأسرها ستطرده من المنازل كنوع من العقاب.
وغالبًا ما يواجه الأطفال المهمشون الذين يتحدون الوصمة الاجتماعية ويلتحقون بالمدارس، مضايقات من قبل المعلمين والزملاء.
وأشار سعيد، إلى كيفية اتهام معلمه، عندما كان في الصف الأول، للسود من اليمن، قائلًا إنهم من نسل أولئك الذين حاولوا تدمير الكعبة، أقدس موقع في الإسلام بمكة المكرمة، في إشارة تاريخية إلى ارسال ملك إثيوبيا المسيحي لجيش من الفيلة لهدم الكعبة، وقال: “تخيل أن 70 طالبًا ينظرون إلي باشمئزاز”.
ورغم وجود نماذج قليلة درست في الخارج من المهمشين، إلا أن صالح الباير الذي درس العلوم السياسية في جامعات الاتحاد السوفيتي وكوبا في تسعينيات القرن الماضي، يعمل حاليًا ماسح أحذية في صنعاء، وقال إنه حتى قبل الحرب، لم يكن لمجتمعه أي حقوق.
وأضاف: “إذا ذهبت إلى المحكمة، فإن القاضي لا يستدعيني باسمي، لكنه يقول (يا خادم) فأي عدالة تتوقعها بعد ذلك”.
وفي العام 2014، أجرت اليونيسيف مسحًا لأكثر من 9 آلاف أسرة مهمشة في مدينة تعز، أحد أكبر المناطق لمجتمعاتهم، ووجدت اليونيسيف بينهم مستويات عالية من الفقر وتدني مستويات التعليم أسوأ بكثير من اليمنيين الآخرين.
ولم يكن هناك سوى نصف الأطفال في المدارس، ووصلت نسبة الأمية إلى 80 % من البالغين ونحو 52 % من الأطفال في سن 10-14، كما لم يتم تطعيم أكثر من نصف الأطفال دون سن سنة.
وقالت بثينة الإيراني، أخصائية الحماية الاجتماعية باليونيسيف، إن الوكالة تقوم بتوزيع المال على أسر المهمشين في مدينتي صنعاء وتعز، لحاجتهما الشديدة، لكنها تعترف قائلة: “يعد هذا الأمر نقطة في بحر”.
والآن بعد سنة من الحرب، نجد أنهم سقطوا تمامًا من التسلسل الهرمي الاجتماعي، وأكثر من أي وقت مضى، أصبح التسول هو مصدر دخلهم الوحيد، فيمكنك رؤية الأطفال الحفاة ووجوههم مغطاة بالتراب، ينامون في الشوارع برفقة أمهاتهم اللاتي يمددن أياديهن للمارة من أجل بعض المال.
وأكد نعمان الحذيفي، رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين، أن “الوضع الإنساني بائس للغاية”، حيث إنهم لا يمتلكون شيئًا عند تركهم منازلهم، بينما البعض الآخر من اليمنيين لديه من يساعده من القبائل والأقارب الأغنياء.
ويقول هو وغيره من نشطاء المهمشين، إن النشطاء المحليين يتخطونهم عند توزيع المساعدات الإنسانية.
وقالت مسك المقمري (25 عاما)، وهي ناشطة من المهمشين وتدير مجموعة محلية تسمى “كفاية”: “حتى البطانيات التي قامت جماعات المعونة والإغاثة بتوزيعها على اليمنيين لا تصل للمهمشين”.
وأضافت: “حتى جرحى المهمشين الذين أصيبوا في القتال، لا يجدون في كثير من الأحيان أسرة أو حتى علاج في المستشفيات، ويتم تركهم ليموتوا كما لو كانوا حيوانات، بل إنه حتى الحيوانات لها حقوق”.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها