السيد البيض صانع الأزمات اما آن له أن يستريح فيريح
السيد علي سالم البيض أو كما ينعته محبوه وأنصاره الرئيس علي سالم البيض شخصية حضرمية سياسية قيادية معروفة طال حولها الجدل والخلاف والاختلاف لما يقرب من نصف قرن من الزمن , أي منذ بداية الكارثة الوطنية والحضارية التي لحقت بحضرموت في عام 1967م , وهناك من يحمله كل الخطايا والرزايا والمصائب والمآسي والنكبات التي لحقت وعصفت بحضرموت ارضاً وانساناً , وهؤلاء يدعون عليه ليل نهار . ومنهم من يحمله بعضاً وليس كل هذه الخطايا والرزايا . ومنهم من يغالي في ذلك فيبرئه تماماً من أي خطيئة أو خطا ويدعون له لأنه الزعيم المحبوب الذي لايخطئ . وأن اخطـأ أو ارتكب جرماً فهو في نظر هؤلاء من أجل الشعب ولخدمة الشعب . وعلى الشعب أن يحمد الله ويشكـره لأنه أتى له بقائد مثله .وعلى شعب حضرموت بالذات شاء أم أبى أن يقبل بالسيد البيض الحضرمي زعيماً له وقائداً فذاً ومغواراً وسيأتي له بالنصر الأكيد والمؤزر , حتى ولو كان يحارب كدون كيشوت طواحين الهواء . ويبدو عند هؤلاء النفر من الحضارمة أن حضرموت عقيمة لم تعد تنجب رجالاً بعد أن أنجبت السيد البيض , وعلى شعب حضرموت أن يلغي عقله وسمعه وبصره وحواسه كلها انتظاراً لما يأمره به السيد البيض , وهو عند هؤلاء الحضارمة السيد المطاع بلا نقاش أو تفكير , وهم يربطون مصيرهم بمصيره , ولن يسمعوا أي قول من أحد بالحديث على أنه زائل كغيره من البشر, فهو في نظـرهم خالد مخلد إلى الأبد . ولذلك فهم لم يعملوا حساباً وتحسباً لذهابه عن الدنيا, وهو أمـر لا مفر منه ولازمة حتمية لنا جميعاً كبشر , بل هم لا يرون قيمة لا نفسهم إلا في وجوده وتحت مظلته ورعايته , فسبحان الله في هذه العقول والنفوس الضال والمضلة , ونسأل المولى القدير لهؤلاء الحضارمة الهداية والرشد واستقامة العقل والفؤاد .
وإذا ما عدنا إلى عنوان المقال وتحديداً من آخـره فنقول أن قادة الشعوب الذين أدركوا التوقيت المناسب في الاعتزال والتخلي عن الحكم والمسؤولية اختياراً أو كـرهاً هم قلة , وهم الذين ذكـرهم التاريخ ذكـراً حسناً , ومن هؤلاء الرئيس الفرنسي الراحـل شارل ديغول في عـام 1968 , وكذلك الرئيس السوداني السابق عبدالرحمن سوار الذهب عـام 1985, ورئيس جنوب إفريقيا وزعيمها نيلسون منديلا عـام 1998, ورغم أن كل من هؤلاء يحظى بشعبية واسعة ومكانة مرموقة في أوساط قوية ,وهي مكانة أن لم تتفوق فلا تقل عن مكانة السيد البيض بين أوساط محبيه ومناصريه . ولم يقلل اعتزال هؤلاء الثلاثة الزعماء عن السلطة من مكانتهم بين شعوبهم بل ازدادوا تألقاً بين دفتي سجل التاريخ الإنساني المعاصـر .
ورغم أن السيد البيض ليس في مقام رئيس دولة حتى يطالب بالاعتزال عن سلطاته وإنما هو كما يصف نفسه ويصفه محبوه وأنصاره رمزاً لنضال ( الجنوبيين ) لاسترداد دولتهم التي يسمونها (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ) , وذلك مع ملاحظة أن السيد البيض قد أعتزل فعلياً العمل السياسي طيلة 15 سنة قضاها في منفاه بسلطة عمان . وكان خلالها صامتاً وجامداً لايحرك ساكناً في ظاهـر الأمر على الأقل . ثم عاد مـره أخرى إلى الأضواء وللعمل السياسي , وكأنه حنّ إليه أو دفع لمباشرته وليمارس هذا العمل الذي يعتقد انه واجب (مقدس) عليه تجاه شعبه الذي ورطه بأزمات متلاحقة وأخطرها عـام 1990م بإدخاله في وحدة غير متكافئة مع الجمهورية العربية اليمنية , ثم في المقاومة المسلحة لغزو قوات صنعاء في عـام 1994م ودون أن يستعد بما يكفي لحشد طاقات المجتمع في مواجهـة هذا الغزو , وخاصة من حيث إجـراء مصالحة تاريخية مع أبناء حضـرموت لجعلهـم يطمئنون على مستقبلهم إذا ما شاركوا في مقاومة هذا الغزو , خصوصاً مع انعـدام الثقة في قيادات الاشتراكي لما فعلوه بحضرموت أرضاً وشعباً . وكذلك في الخروج السريع للسيد البيض وقواته وأنصاره والذي يصفه العض بالهـروب المشابه لهـروب زين العابدين بن علي من تونس بعد قيام الثورة عليه .
ولاشك أن هذه الأزمات المتلاحقة وما شعـر به السيد البيض من حالات الإحباط من عـدم قدرته على تحقيق ما يصبو إليه لشعبه ووطنه كانت شديدة الوطأة عليه , مما جعله يصمت 15 عاماً ليرتب أفكاره ومشاعره واتجاهات عمله , ولينطلق مـرة أخـرى للمقاومة والنضـال بحسب ما يرى أنه الصواب .
وباجتهاد شخصي قابل للإثراء أو التعديل مع بروز معطيات وحقائق جديدة نقول أن السيد البيض كان على حق عندما غـادر سلطنة عمـان وأعـلن في مؤتمره الصحفي في مدينة ميونيخ الالمانية في 21 مايـو 2009م ( إنه لا حل لقضية (الجنوب) إلا بفك الارتباط ) وانه لابـد -وكما قال ـ من عودة دولتي اليمن السابقتين إلى ما كانتا عليه قبل 22 مايو 1990م ويقصد بهما جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية . وهذا يعني فك الارتباط بين دولتي اليمن . وعلى قاري هذا المقال أن يضع خطاً غليظاً تحت كلمة ( اليمن ) لأنها أهم المفاتيح عند غير اليمنيين من عرب وأجانب في المعالجة لهذه القضية , ولان انعكاس كلمة (اليمن) عند غير اليمنيين تعني أن شعباً واحداً تحكمه دولتان وليس شعبين مختلفين . وبذلك فهؤلاء من غير اليمنيين من عرب وأجانب يرون أن معالجة المشكلة تكون في أطار حقوق مواطنة لدى شعب واحـد يسمى ( الشعب اليمني ) والدليل أن دوليته لهما مسمى واحد هو ( اليمن ) .
وهذا ما يجعل غالية الحضارمة إن لم نقل كل الحضارمة ترفضه جملة وتفصيلاً , لأنهم ليسوا يمنيين لا في إطار الجمهورية اليمنية ولا في إطار سابقتها جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وإنما هم حضارمة اجبروا بالحديد والنار والقوة الغاشمة على أن يكونوا مواطنين في هاتين الدولتين اليمنيتين وهما لا تعبران عن هويتهم وشخصيتهم الحضارية والتاريخية والاجتماعية , تماما كما أجبر الأكراد على أن يكونوا مواطنين بجمهورية العراق أو بجمهورية إيران أو بجمهورية تركيا أو غيرها , ومع بعض الفوارق المحدودة هنا وهناك , فشعب كردستان له مقومات الحياة والبقاء كشعب حضرموت , وهو يناضل من أجل الحصول على حقوقه التي يراها مشروعة . وقد سار على هذا الدرب وحتماً سيصل لان حقوق الشعوب لا تضيع مع تقادم الزمن .
ولعله من المفيد الإشارة هنا إلى أنني عندما كنت مقيماً في تونس للدراسة خلال ثمانينات القرن الماضي وفي حواري مع بعض الأصدقاء ( التوانسه ) كنت أقول لهم بأن مشكلة تونس الحقيقة وما يسودها آنذاك من مخاوف مستقبلية بشأن مستقبلها السياسي تكمن في ( شيخوخة القيادة ) والمترافقة مع سلبيات الزعامة الكارزمية الحادة للحبيب بو رقيبة والتي لاتسمح لرأي أخـر أن يطرح إمامه , ولا من حيث عمره المسن وفقدانه المتكرر للذاكرة والوعي , ولا من حيث شخصيته التي ترفض الحوار بندية مع الآخرين والاستفادة مما عندهم . وقد استغل وضع بورقيبة هذا من قبل البطانة ( الفاسدة ) التي حوله لترتيب الوضع الذي يمكنهم من استمرار مصالحهم المادية الضيقة وان ضحوا ببعضهم , فانقضوا على بورقيبة فيما يعرف بحركة التغيير في 7 نوفمبر 1987م واذاقوا الشعب التونسي صنوفاً من العذاب والويلات حتى قامت ثورة البوعزيزي في سيدي بوزيد وأزاحت عن الشعب التونسي هذا الكابوس المرعب .
والقصد مما سبق أنه من الواجب على السيد البيض وهو في شيخوخته أن يفطن إلى مصير كهذا أن كان جاداً في خدمة وطنه وشعبه وأن يتحرر من زمرة المنافقين وطغمه المنتفعين وبطانة السوء ممن حوله,وهم كالذباب الذي يسقط بلا روية على العسل وعلى أي شئ يستهويه حتى ولو كان قذراً وخاصة السلطة والمال .
ونعود مرة ثانية ونقول أن على السيد البيض أن الزمن ليس في صالحه , وأن دورة الحياة ماضية في طريقها , وأن عليه أن يتخفف من خطاياه أو أخطائه بأن يوكل مهام المسيرة لغيره من القادرين من شباب حضرموت أو شباب الجنوب إن شاء , وأن يحدد بدقة الحقوق المشروعة لحضرموت , وخاصة حق الحضارمة في تقرير مصيرهم السياسي في اختيار نظام الحكم الذي يرتضونه ويقبلون به على أراضيهم وفق آلية الاستفتاء الحر والنزيه والذي يشارك فيه كل أبناء حضرموت في الوطن والمهجر ممن لهم حق الاستفتاء , وكذلك عليه أن يحدد حقوق ما يسمى بالجنوب أن كانت له حقوق , وإلا يخلط بينهما , ولان في هذا الخلط والاختلاط جريمة كبرى بحق حضرموت ستضاف إلى الإعمال غير الصائبة , للسيد البيض بوعي منه أو بدون وعي , وسيحاسب عليها في الدنيا والآخرة .
ونسأله عز من يسأل أن يوفق السيد البيض في صائب الأعمال , وأن ينعم عليه بالهدوء والاستقرار النفسي والصحي حتى يريح ويستريح مما عاني وتكبد , وجرى منه عن طيش أو سوء تقدير , أو عـن اندفاع أعمى , أو عن أكراه لا يد له فيه , أو كما يقال (مكره أخاك لا بطل ) . وهو الرجل الذي قد بلغ من العمر ما بلغ , ولم يعد يبق له غير صالح الأعمال تشفع له يوم لاشفيع للمرء غير ما قدمت يداه .
ونسأله تبارك وتعالى أن يهدينا جميعاً لما فيه الخير لحضرموت العزيزة وما حولهـا .
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها