حرب اليمن .. بين معطيات الشرعية والكفاءة والانتهاكات الحقوقية
كون شخص ما يعمل سفيرا لبلده فإن ذلك يمكن أن يعد بمثابة تكريم مدى الحياة. تمكنك هذه الفرصة من حضور حفلات العشاء الفاخرة مع الزعماء الأجانب، السفر في العالم على حساب دافعي الضرائب، وحتى صقل المهارات الدبلوماسية الخاصة بك لبلوغ منصب أعلى.
ولكن السفراء أيضا عليهم واجب صعب وهو أن يشرحوا للجمهور والحكومات الأجنبية لماذا قررت بلادهم أن تستخدم القوة العسكرية. وغالبا ما يكون السفراء هم أول من يعاني الحظر عندما تسير الأمور بشكل خاطئ أو حينما تبدأ العلاقات بين الدول في معاناة بعض المشكلات. (دان شابيرو هو الشخص الأول الذي يتبادر إلى الذهن في مثل هذه الحالات. وكان على سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل أن يأخذ على عاتقه مهمة إخماد العديد من الحرائق بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو).
لذلك فإنه حينما قام الأمير «عبد الله آل سعود»، سفير خادم الحرمين الشريفين لدى واشنطن، بصياغة افتتاحية في صحيفة وول ستريت جورنال يحاول خلالها شرح السبب في أن القوات الجوية الملكية السعودية تواصل قصف اليمن على مدار الأشهر الـ12الماضية، فإنه يمكن للمرء بسهولة أن يتعاطف مع موقفه.
أطلق السعوديون الحملة الجوية في مارس/أذار 2015 نيابة عن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، والذي تم طردها من البلاد من قبل ميليشيات الحوثي. وقد آل هذا التدخل على نحو متزايد إلى علاقة لا تحظى بشعبية كبيرة في أوروبا الغربية، وبين مجتمع حقوق الإنسان في الولايات المتحدة. الآلاف من الضحايا المدنيين والدمار الشديد الذي أصاب البنية التحتية العامة الباهتة بالفعل في اليمن قد أصبح كارثيا إلى درجة دفعت البرلمان الأوروبي إلى الموافقة على طلب فرض حظر على الأسلحة على نطاق الاتحاد الأوروبي ضد الرياض بحجة انتهاكها للقانون الدولي. وفي حين أن القرار ليس له أي تأثير ملزم على الدول الأعضاء، فإنه قد أحدث هزة كبيرة في صفوف المسؤولين السعوديين الذين يحاولون كسب دعم العواصم الأوروبية لإسقاط التدبير
.
وبوصفه سفيرا للمملكة لدى أقوى دولة في العالم، فقد عمل الأمير «عبد الله» على تخفيف الأضرار الناجمة عن اتخاذ مثل هذا القرار. السيناريو الكابوسي بالنسبة إلى المسؤولين السعوديين هو رؤية إدارة «أوباما» تتبني وجهة نظر الاتحاد الأوروبي من الصراع ما من شأنه أن يؤدي إلى تغيير في السياسة قد يمس طياري سلاح الجو الأمريكي الذين يقومون بتزويد الوقود للطائرات السعودية التي تحلق في الأجواء.
إذا كان الهدف من افتتاحية «وول ستريت جورنال» هو إقناع الأمريكيين أن المملكة العربية السعودية قد شرعت في عملية عسكرية لا تشوبها شائبة بناء على طلب الحكومة اليمنية المشروعة، فإنه يكون قد فشل في مهمته على الأرجح. قامت الافتتاحية بإعادة تدوير الحجج البالية التقليدية التي اعتاد المسؤولون في الرياض استخدامها منذ أن قام الحوثيون باقتحام العاصمة اليمنية صنعاء على شاكلة: الحوثيون متعطشون للدماء، وهم ميليشيا شيعية تعمل بناء على طلب من إيران وهي تهدف إلى إخضاع 26 مليون يمني إلى سيادتها. خلال مقال الأمير «عبد الله»، بدا ببساطة أن المملكة العربية السعودية تقف في موقع دفاعي بغية حماية عاصمة دول عربية جارة من التحول إلى بؤرة رابعة للنفوذ الإيراني (بعد دمشق وبيروت وبغداد). «لا يمكن لبلد أن يقبل بمثل هذا على حدوده. الأمر ليس مجرد زعزعة لاستقرار المملكة العربية السعودية، ولكن بالنسبة للمجتمع العالمي بأسره».
المشكلة مع حجة السفير السعودي ليس فقط أنه يصف الصراع على الشكل الذي يود أن يراه به (أي على أنه انقلاب مدبر من إيران وليس على أساس كونه حربا أهلية). بعد كل شيء، فقد ترددت أنباء أن الحوثيين قد تلقوا شحنات من الأسلحة الإيرانية وهم يمتلكون ترسانة من الصواريخ قادرة على بلوغ أهداف داخل المملكة العربية السعودية. وقد توفي ثمانين سعوديا على الأقل في هذه الهجمات الصاروخية. كانت استجابة الرياض أكثر من مبررة في هذا الصدد.
ولكن ما سقط من تصريحات السفير السعودي حقا هو آلاف من المدنيين من النساء والأطفال الذي يعانون للبقاء على قيد الحياة في ظل الحرب الأهلية من حولهم، بالإضافة إلى هؤلاء الذين قضوا نحبهم فعليا في الغارات الجوية السعودية. ادعاءات السفير السعودي أن المملكة العربية السعودية ظلت تعمل مع حلفائها لاتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة لحماية المدنيين والطواقم الطبية والمنظمات الإنسانية والصحفيين في اليمن هي أمور مثيرة للسخرية في ضوء إشارة مجموعة واسعة من المصادر المستقلة ذات المصداقية إلى الانتهاك العمدي لتلك القواعد. نحن لا نتحدث فقط عن تقارير من هيومن رايتس ووتش تشير إلى استخدام الذخائر العنقودية في المناطق المأهولة بالسكان أو حتى سلسلة من الغارات الجوية غير القانونية على المدارس أشارت إليها منظمة العفو الدولية ولكننا نتحدث عن وثائق صادرة عن مجلس خبراء الأمم المتحدة تفيد أن 119طلعة سعودية على الأقل قامت بخرق القانون الدولي الإنساني ومواثيق حقوق الإنسان.
وبالإضافة إلى ذلك، ففي حين أن السفير السعودي كان على حق بإشارته إلى أن المملكة العربية السعودية أنشأت الآن لجنة مستقلة مهمتها مراجعة الإجراءات وقواعد الاشتباك، فإنه لا يوجد أي تقارير موثوق بها تؤكد أن هذا الاستعراض قد أنجز أي شيء. تشكيل اللجنة هو أمر، ولكن السماح لهذه اللجنة بالعمل بشكل مستقل عن التحالف العسكري وكشف مراجعاتها للجمهور هو أمر مختلف تماما.
من الناحية القانونية، فإن التدخل العسكري السعودي في اليمن يأتي ضمن الحدود تماما. طالب الرئيس اليمني «عبد ربه منصور هادي» المساعدة العسكرية من المملكة العربية السعودية بشكل علني لذلك فإن الرياض لم تقم بشن تحرك استباقي أو حرب عدوانية دون إذن الحكومة. الطريق لمحاكمة (تقييم) الحملة السعودية في اليمن يتعلق إذا بشقين مختلفين، هما الكفاءة والانتهاكات التي تم ارتكابها.
إذا كانت إدارة «أوباما» ذكية بما فيه الكفاية فإنه ينبغي على وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» أن يطلب من السفير الأمريكي في الرياض «جوزيف وستفال» أن يتصل بالسفير السعودي ليخبره ببساطة أن تفسيراته في صحيفة وول ستريت جورنال لم تكن جيدة بما فيه الكفاية. الأفضل من ذلك أن يقوم الرئيس «أوباما» بنفسه برفع هاتفه والتحدث إلى الملك «سلمان» أو وزير الخارجية «عادل الجبير» ويخبره أن تفجير المدارس والمستشفيات والعيادات الطبية والمنازل السكنية، والتجارية، الأسواق والمصانع والموانئ وحفلات الزفاف هي أمور تهدد الدعم العسكري الأمريكي لهذا الصراع.
أحيانا تجبرك الصداقة الجيدة على أن تخبر صديقك بصدق ما لا يود سماعه. عبر تمكين التدخل الذي لم يسفر عن شيء سوى تشريد الأسر اليمنية وتجويع ملايين الأطفال وهدف آلاف المباني، فإن الولايات المتحدة لا تكون، بأي حال، تسدى معروفا إلى المملكة العربية السعودية.