كيف أحكم الحوثيون قبضتهم على الدولة في اليمن ؟
يتساءل البعض عن القدرات "الخارقة!" للمتمردين الحوثيين وحليفهم المخلوع صالح في البقاء كسلطة أمر واقع طيلة 11 شهرا من الحرب التي تشنها قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن بالتوازي مع استمرار حروبهم الداخلية في اكثر من جبهة وممارساتهم القمعية لكتم اي أصوات سياسية أو إعلامية معارضة لهم في الداخل.
والواقع أن هناك جملة من العوامل والمعطيات التي من شأنها إطالة أمد الحرب في البلاد لا تقتصر على مسألة القدرات العسكرية للحوثيين وصالح فحسب ولكن ثمة حسابات أخرى يحرص التحالف العربي على مراعاتها، في مقدمتها التقليل من حجم الخسائر المادية والبشرية والحيلولة دون انهيار منظومة الدولة في البلد حيث يحاول الحوثيون وحلفاؤهم اتخاذ البلد برمته رهينة بأيديهم للمقايضة على بقائهم أو على الأقل تحسين شروطهم التفاوضية.
تقبض جماعة الحوثي الآن على كل مفاصل الدولة، خصوصا الأمن والجيش، وعمدت مليشيات الجماعة منذ اللحظة الأولى إلى وضع يدها على أهم المؤسسات الأمنية في البلد وهي اجهزة الاستخبارات، وتحديدا جهازي الأمن القومي والأمن السياسي، بالإضافة إلى جهاز الاستخبارات العسكرية التابع لوزارة الدفاع.
ويحظى جهاز الأمن القومي اليمني بصلاحيات واسعة ويعتبر معظم كوادره من أشد الموالين للمخلوع صالح، وخلال السنوات الأخيرة حظي كوادر الجهاز ببرامج تدريب مكثفة على ايدي خبراء امريكيين، كما نجح المتمردون الحوثيون بتحقيق اختراقات مهمة للجهاز بزرع عناصر موالية لهم في صفوف منتسبي الجهاز.
واكتسب المتمردون الحوثيون خبرات في أساليب الأمن والاستخبارات من خلال حروبهم التي خاضوها ضد الدولة.
وكان الدكتور احمد عوض بن مبارك سفير اليمن في واشنطن والمدير السابق لمكتب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي كشف عن تفاصيل عديدة حول اختطافه من قبل ميليشا الحوثي وكيفية إجراء التحقيقات معه، حيث كان يتعاقب عليه أكثر من فريق للتحقيق، كل منهم متخصص في ملف معين.
وبالتوازي مع ذلك، تتمتع جماعة الحوثيين بجهاز أمني خاص بها يتبع مباشرة مكتب زعيم المتمردين عبدالملك الحوثي، ويحظى هذا الجهاز بصلاحيات واسعة جدا، ويعهد إليه مراقبة وتقييم أداء كل قيادات الجماعة المليشاوية ورصد تحركاتهم، إلى جانب التنسيق مع الأجهزة الأمنية الموالية للمخلوع في ملاحقة وقمع الناشطين السياسيين والصحافيين وإدارة وتنفيذ المهام العسكرية، وهناك قوات أمنية خاصة بهذا الجهاز يطلق عليها كتيبة المهام الخاصة، ومهمتها تنفيذ الاغتيالات والتصفيات الجسدية.
وبرغم سيطرة المليشيات الحوثية على الاجهزة الاستخباراتبة في البلاد ووسائل الاتصالات والانترنت ومراقبتها كافة شبكات الهاتف المحمول يعزو خبراء في مجال الأمن إقدام مليشيلت الحوثيين للاختطافات إلى محاولة العثور وجمع المزيد من المعلومات حول تحركات المقاومة الشعبية والجيش الوطني والتي تمثل مصدر قلق واستنزاف لقدرات هذه المليشيات بالتنسيق مع طيران التحالف العربي.
وفي هذا السياق، تحاول الحكومة الشرعية فك ارتباط شبكات الهاتف المحمول وخدمة الانترنت الواقعة تحت سيطرة المليشيات من خلال البدء بإنشاء شركة اتصالات خاصة في عدن، وفقا لمصدر حكومي أشار إلى أن مجموعة من رجال الاعمال اليمنيين من ابناء الجنوب المقيمين في الخليج ، تقدموا بطلب ترخيص انشاء شركة اتصالات محلية في مدينة عدن كمشغل خامس للهاتف النقال في اليمن، وان الحكومة تدرس طلبهم في الوقت الراهن.
ويعمد الحوثيون في أحيان كثيرة إلى نصب نقاط تفتيش مهمتها الأساسية توقيف المارين والقيام بتفتيش جوالاتهم بحثا عن أي معلومات أو رسائل من شأنها الوصول إلى بعض المطلوبين أمنيا، سيما رجال المقاومة، وهو بقدر ما يكشف حالة الرعب والارتباك الأمني في صفوفهم، يؤكد في نفس الوقت مدى الاستنفار والتحري الذي تبذله هذه المليشيات في محاولة قمع واسكات المناهضين لها.
ويرى متخصصون في الشأن الامني بأن الحوثيين الذين يديرون الآن مؤسسات الدولة استفادوا من خبرات النظام السابق في عسكرة كل مظاهر الحياة في البلاد، في محاولة لتشديد قبضتهم.
يقول عبدالباري علي علاو، مهندس تقنية معلومات، إن "النظام البوليسي السابق في اليمن نجح في عسكرة أغلب المؤسسات المدنية ذات الطابع التطوعي الخدمي، مثل الأحزاب السياسية والإتحادات النقابية والنوادي الرياضية والغرف التجارية وحتى الجمعيات الخيرية والمنظمات والمؤسسات الإنسانية والحقوقية والإغاثية لم تسلم من عبث النظام البوليسي، لتحويلها من مؤسسات مدنية تسعى لخدمة الوطن والمواطن، إلى مؤسسات عسكرية وبوليسية تساند النظام الفاسد وتدعمه لتشديد قبضته البوليسية التسلطية الاستحواذية على الوطن ومقدراته".
مضيفا بأن "عملية تدجين بعض النخب السياسية والثقافية والكوادر المتميزة والمشهورة أو المطمورة في هذا البلد وتحويلهم الى مخبرين إلاَّ أحد تلك الوسائل في السيطرة والهيمنة على تلك المؤسسات المدنية".
وبالإضافة إلى ذلك، تعتمد مليشيات الحوثي على أنصارها كمصادر معلومات والقيام بمهام التجسس ومراقبة الناشطين السياسيين والصحافيين وخطباء المساجد المناهضين لهذه الميليشيات والإبلاغ عنهم.
ولكن على الرغم من ذلك، لا تزال هذه المليشيات الانقلابية تتلقى الضربات تلو الضربات على أيدي المقاومة الشعبية والجيش الوطني بمساندة قوات التحالف العربي، وهو الأمر الذي بدأت تؤتي ثماره في تهاوي القوة الخرافية لهذه المليشيات وقرب سقوطها.