أضرحة ومزارات اليمن التاريخية.. تهدم وتباد
مشهد جديد يطفو على السطح، ويهدد كل ما بقي من المعالم التاريخية في المدن اليمنية أمام أنظار الجميع والعالم، ولكن هذه المرة على يد تنظيم "القاعدة"، أو كما يحلو لأنفسهم أن يسموا "أنصار الشريعة".
تحت مبرر وحجة أنها موروثات تقود إلى الشرك وتتعارض مع فكر التوحيد، عمد التنظيم إلى استهداف عدد من الأضرحة والقباب والمشاهد الدينية القديمة، في عدد من مدن حضرموت جنوب اليمن، التي يسيطر عليها، ولا سيما في مدينتي المكلا والشحر.
ومن بين أبرز المعالم التي استهدفت حتى الآن، قبة ولي الله الصالح يعقوب، في المكلا عاصمة حضرموت، وضريح المحجوب في المدينة نفسها، وأضرحة عدة مشهورة، يرتادها المتصوفون بشكل دائم، ويعود تاريخها إلى مئات السنين.
وخلال الأسبوع الأول تحديداً، قام مسلحو التنظيم بهدم ونسف قبة بن إسماعيل في منطقة مسي السمعون، وهي التي تقع على موقع مرتفع، وتعتبر من أكبر وأقدم المزارات الدينية الصوفية في مناطق ساحل حضرموت.
القبور الخاصة ببعض العمال الصينيين أيضاً من غير المسلمين، الذين ماتوا أثناء بناء أحد الجسور الرئيسية في اليمن، بمساعدة من الحكومة الصينية، خلال سبعينيات القرن الماضي، لم تسلم هي الأخرى من العبث والتدمير والجرف مؤخراً.
"هذه أسوأ حقبة تتعرض فيها الحضارة اليمنية الضاربة في جذور التاريخ إلى هكذا تدمير متعمد" يقول أستاذ جامعي متخصص في التراث، لـ"العربي الجديد". ويتابع بوجع عميق: "المعالم التي سلمت من طائرات التحالف وحرب الحوثيين في المدن الشمالية من البلاد، لم تسلم من أنصار الهدم في الجنوب، أما الله فلن يرضى عن ما يفعلونه ببلادهم، من يسمون أنفسهم بأنصاره".
هذه التصرفات العبثية أثارت استياء واسعا لدى أبناء حضرموت، الذين بدأوا يتخوفون كثيرا من أن تتعرض متاحف أخرى للنسف، كما يهدد المسلحون في منشوراتهم الإلكترونية والورقية، وفي مقدمتها "متحف مدينة المكلا"، الواقع حالياً في نطاق سيطرة الجماعة، رغم خلو المتحف بالكامل من أي تماثيل وثنية قديمة، ما يعني غياب حجة التنظيم للتدمير.
وإضافة إلى معقل أضرحة الصوفية في ساحل حضرموت اليمنية، يوجد عدد من المزارات الأخرى في بعض المدن الأخرى، والتي أيضا تم استهدافها، وكان آخرها أضرحتهم في منطقة الوهط بمحافظة لحج، والتي زحف إليها الصوفيون من حضرموت، وبُني لهم فيها العديد من القبور.
ربما اكتفى الصوفيون، في المقابل، بالصمت أمام هذا التصعيد، تجاه مزاراتهم التي يتوافد إليها الطلاب من كل جنسيات العالم، فهم بطبيعتهم بعيدون عن كل صراعات وتفاصيل الأحداث التي يمر بها اليمن.
وبهذا قد يكون كل ما في اليمن اليوم من تراث نادر وحضارات عابقة، أصبح مهدداً بالاندثار والتدمير، ولا يختلف الحال فيها عن ما فعلت تيارات التشدد في سورية والعراق، بأماكن التاريخ ومتاحف التراث.