السعودية تُصعّد لبنانياً ضد حزب الله وتستعد "عسكرياً" بتركيا
صعّدت السعودية من لهجتها ضد حزب الله، بشكل لافت، خلال الأيام القليلة الماضية، وبطريقة أوحت بألّا تراجع لسياستها الجديدة في لبنان، التي أُعلن عنها بوقف دعمها للجيش اللبناني وقوى الأمن، الذي يبلغ أربعة مليارات دولار، فيما اعتبر خطاً سياسياً جديداً في مقاربة العلاقة مع لبنان، للتحوّل من التهدئة إلى الهجوم المباشر على ما تعتبره الرياض هيمنة لحزب الله على قرار الدولة في بيروت.
السعودية، التي بدأت ترى بأن "الدولة اللبنانية لا تنحاز لعدوّها في المنطقة، المتمثل بإيران وحسب، ولكن، تمت الهيمنة عليها من جهة تتخذ خطوات عدائية ضدها بشكل مباشر، ألا وهي حزب الله اللبناني، الموالي لإيران". هذا ما تريد السعودية للعالم العربي أن يراه، من خلال تكثيف الحديث عن استهداف حزب الله للمملكة بشكل متزامن، يوم الأربعاء.
تتزامن المناورات السعودية ــ التركية، مع مناورات ضخمة أخرى تشهدها السعودية منذ أيام
" فقد أكد العميد أحمد عسيري، المستشار في وزارة الدفاع السعودية، المتحدث الرسمي باسم التحالف العربي في اليمن، استهداف حزب الله للسعودية، في هذا السياق. وكان عسيري قد شدد على التزام بلاده بـ "ملاحقة وقتل عناصر حزب الله المخربين في اليمن والسعودية"، مشيراً إلى أن الحزب يقوم بـ "تصدير المرتزقة إلى العالم العربي ضمن نشاط ممنهج".
جاءت هذه التصريحات على خلفية نشر قناة "الإخبارية" السعودية تقريراً يُظهر فيديوهات حصلت عليها السعودية من اليمن، وتظهر عناصر من حزب الله يدرّبون أفرادا من مليشيات الحوثي. ويتحدث أحد عناصر حزب الله في الفيديو عن تنفيذ عمليات في العمق السعودي، وهجمات انتحارية في الرياض، خلال تدريبات لعناصر يمنية.
وكانت الحكومة اليمنية قد أعلنت عن حيازتها أدلّة تثبت تورط حزب الله في اليمن، بتدريب عناصر من مليشيات الحوثي، ومخططات باستهداف الأراضي السعودية، وأنها في صدد رفع هذه الأدلة إلى الأمم المتحدة، لاتخاذ إجراءات رادعة ضد حزب الله.
بالتالي، تتطور الأوضاع في الساحة اللبنانية، في ظل استمرار السفير السعودي في بيروت، علي عواض عسيري، تأكيده على أن ردود فعل الحكومة اللبنانية، حتى اللحظة، على إلغاء السعودية دعمها للجيش اللبناني، وقوى الأمن: "غير كافية". وكانت شخصيات سياسية لبنانية، على رأسها رئيس الوزراء، تمام سلام، قامت بزيارة السفارة السعودية، وأكدت على وقوفها إلى الجانب السعودي في هذه الأزمة. في وقت يبدو فيه أن السعودية لم تهدف من خطواتها ضد حزب الله، والدولة اللبنانية، إلى جني "بيانات تضامن"، بل ترغب بتحركات أوسع، لمواجهة هيمنة الحزب على الدولة.
تطورات تركيا
في سياق آخر، لا يمكن فصله عما يحدث في لبنان أيضاً، أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أمس الخميس، عن وصول معدات وتجهيزات سعودية إلى قاعدة إنجرليك التركية. وذلك في ظل توقّعات بوصول مقاتلات سعودية إلى القاعدة اليوم الجمعة، أو غداً السبت، لتنضم إلى مقاتلات سعودية هناك، تشارك في التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي تقوده الولايات المتحدة. بالإضافة إلى وجود مقاتلات سعودية أخرى، قامت بمناورات مع القوات التركية منتصف فبراير/شباط الحالي، في منطقة قونيا التركية.
تتزامن المناورات السعودية ــ التركية، مع مناورات ضخمة أخرى تشهدها السعودية منذ أيام، تحت مسمى "رعد الشمال" وتشارك فيها 20 دولة، ويُتوقع أن تنتهي خلال الأيام القليلة المقبلة. وشملت المناورات وجود قرابة 150 ألف عسكري، بالإضافة إلى مئات الطائرات وتجهيزات عسكرية أخرى.
تأتي هذه الاستعدادات العسكرية، في ظل سيناريوهات أخرى مطروحة، لتدخّل بري ضد "داعش"، ضمن التحالف الدولي ضد الإرهاب في سورية، كانت الرياض قد اقترحته الشهر الماضي، وتم التباحث فيه بين السعوديين والأتراك، وسط رسائل متضاربة، أوحى بعضها بقرب العمليات البرية، وتصريحات أخرى، باستبعادها من دون إرادة دولية.
أحمد عسيري: حزب الله يقوم بتصدير المرتزقة إلى العالم العربي ضمن نشاط ممنهج
" وعلى الرغم من التأكيدات على أن أي تدخل بري، سعودي ــ تركي محتمل، لن يكون إلا تحت مظلة التحالف الدولي ضد الإرهاب، إلا أن تهيئة السعودية وتركيا نفسيهما للتدخل، قد ينبئ بحدوث مفاجأة، لا سيما في ظل تلويح وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، بما سماها "الخطة ب" في سورية، في حال فشل الهدنة التي توافقت عليها جميع الأطراف في سورية، التي تستثني "داعش" و"جبهة النصرة".
وجاءت "الخطة ب" الأميركية من دون تفاصيل، وسط تلميحات من كيري، بأنها "ستتضمن تقديم دعم عسكري أكبر للفصائل المعارضة لنظام بشار الأسد في سورية"، في ظل تصريحات أخرى للوزير ذاته، حول "صعوبة الحفاظ على سورية موحّدة، إذا لم يُحلّ الملف خلال الأشهر القليلة المقبلة"، مما قد يشير إلى أن "الخطة ب" الأميركية، تشمل نوايا لتقسيم سورية، الأمر الذي ترفضه المعارضة السورية.
وكانت تركيا قد أعلنت أمس، على لسان رئيس وزرائها، أحمد داود أوغلو، بأنها "ليست ملزمة" باتفاق إطلاق النار في سورية، وأنها "لن تطلب أي إذن إذا تعلق الأمر بأمنها، وستقوم باللازم"، في تهديد مباشر للمقاتلين الأكراد المناوئين لأنقرة، كقوات "وحدات حماية الشعب"، و"قوات سورية الديمقراطية".
هذه التهديدات التركية، ووضع الباب موارباً أمام أي ردّ عسكري منها في سورية، في ظل الاستعدادات العسكرية السعودية على الجانب الآخر، قد تدفع أكثر باتجاه التدخل البري "المستبعد أميركياً الآن" في سورية. وكانت تركيا قد واصلت خلال الأسبوع الماضي، استهداف المقاتلين الأكراد، وبالتالي دعم فصائل المعارضة العسكرية السورية، على الرغم من طلبات واشنطن من أنقرة، بإيقاف العمليات قرب الحدود السورية.
تشابك للأوراق
يستبعد مراقبون أن يمرّ أي تدخل سعودي ــ تركي محتمل في سورية، من دون تداعيات سلبية على الأوضاع اللبنانية، المتوتّرة أصلاً. ومن هنا، يربط البعض ما بين التصعيد السعودي في لبنان، وبين احتمال التدخل في سورية، باعتبار حزب الله طرفاً أساسياً في الصراع السوري، من خلال دعمه لنظام الأسد، وخسارته حتى الآن حوالي 1200 إلى 1300 مقاتل على الجبهات السورية، في أمر اُعتبر مستفزّاً للرياض، التي رأت فيه دوراً إقليمياً متنامياً كأداة عسكرية إيرانية، بدأت تؤدي دوراً أكبر من هيمنتها على الدولة في لبنان، لتصبح خطراً إقليمياً بالنسبة للرياض.
من هنا تأتي خطوات الرياض في بيروت، كخطوات استباقية، لأي نوايا لانخراطها بصورة أكبر في سورية، خصوصاً أن هذه الخطوات قد شملت تحذيرات للسعوديين من السفر أو البقاء في لبنان، تبعته خطوات إماراتية وبحرينية وكويتية وقطرية مشابهة، في ظل تلويح الرياض بمحاصرة حزب الله اقتصادياً، وربما سحب أموالها واستثماراتها من لبنان، مما يُمهّد لانهيارات في الدولة اللبنانية، التي لم تعد الرياض معنية باستقرارها، في ظل هيمنة حزب الله على القرار السياسي في بيروت.