الملف اليمني.. بين الحل السياسي والحسم العسكري
أكد مجلس الأمن الدولي، في قراره الصادر أمس الأربعاء، على الحاجة إلى تنفيذ عملية الانتقال السياسي في اليمن بشكل كامل وفي الوقت المناسب في أعقاب الحوار الوطني الشامل، وتماشياً مع مبادرة مجلس التعاون وآلية تنفيذها ووفقاً للقرارات السابقة بهذا الشأن، مناشداً جميع الأطراف في اليمن أن تلتزم بحل خلافاتها عن طريق الحوار والتشاور ونبذ أعمال العنف، باعتبارها وسيلة لتحقيق الأهداف السياسية، ودعاها للامتناع عن اللجوء للأعمال الاستفزازية.
وبالرغم من إعلان الأمم المتحدة في ديسمبر من العام الماضي تأجيل مشاورات السلام بين الأطراف اليمنية إلى منتصف يناير، إلا أن جولة المباحثات الجديدة لم تر النور حتى هذه اللحظة بالرغم من مرور ما يقارب شهر ونصف عن الموعد المتفق عليه، نتيجة لتعنت مليشيات الحوثي والمخلوع صالح ورفضها عقد جولة مشاورات جديدة والالتزام بما تم الاتفاق عليه في الجولة السابقة من إجراءات بناء الثقة، بحسب التصريحات الحكومية ورئيس الوفد الحكومي.
من جهته، أرجع المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ تأخر عقد جولة جديدة من مشاورات السلام إلى الانقسامات العميقة بين أطراف النزاع في اليمن التي تحول دون ذلك، مشيراً إلى أنه إنه لم يتلق ضمانات كافية، بأن أطراف النزاع سيلتزمون بوقف جديد لإطلاق النار، إلا أنه أكد في ذات الوقت أنه لا يمكن تأجيل المفاوضات إلى ما بعد شهر مارس.
وبالتزامن مع عقد المبعوث الأممي اللقاءات والمباحثات في محاولة من الأمم المتحدة لاستئناف مشاورات السلام بين وفدي الحكومة الشرعية وطرفي الانقلاب، حققت قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية تقدماً ملموساً وسيطرت على منطقة فرضة نهم التي تمثل البوابة الشرقية للعاصمة صنعاء وفتحت جبهات جديدة ضد المليشيات الحوثية في جبهتي حرض وميدي بمحافظة حجة، كما كثفت قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية من هجماتها على ما تبقى من مواقع تابعة لمليشيات الحوثي وصالح في مديرية صرواح بمحافظة مأرب، مع استمرار جبهات القتال في مختلف المحافظات لاستنزاف مليشيات الحوثي والمخلوع صالح وتشتيتها في مناطق متفرقة.
وشهدت الساحة السياسية والعسكري تطوراً عسكرياً ملفتاً، تمثل بإصدار رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي قراراً جمهورياً بتعيين الفريق الركن علي محسن الأحمر نائباً للقائد الأعلى للقوات المسلحة، ما اعتبره كثير من المتابعين والمحللين أنه إشارة للبدء في عملية الحسم العسكري وارتباط صدور القرار بمسار المعارك الجارية على تخوم العاصمة صنعاء نظراً لخبرته العسكرية وقيادته للعمليات العسكرية ضد مليشيات الحوثي خلال الحروب الست الماضية إبان حكم المخلوع علي صالح بالإضافة إلى معرفته وارتباطاته العميقة بالطوق القبلي للعاصمة صنعاء.
الحل السياسي وتضليل الرأي العام
اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء الدكتور عبدالباقي شمسان أن الحديث عن حل سياسي يوحي أن المسألة أزمة سياسية بين مكونات سياسية، تباينت وجهات نظرها ووصلت الى طريق مسدود، مما يتوجب التدخل لإيجاد نقاط جامعة مشتركة، بحيث يلتقي الجميع حول الصالح العام، موضحاً أن المشكلة الحاصلة غير ذلك وتتمثل في وجود انقلاب على مسار الانتقال السياسي للسلطة، حيث توافقت المكونات السياسية والمجتمعية، على مخرجات الحوار الوطني وقبلها وقعت على المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية.
وأكد الدكتور شمسان، خلال حديثه لـ"يمن 24"، أن توصيف ممثل الأمين العام للأمم المتحدة للحالة اليمنية بأنها أزمة سياسية وحلها سياسي تضليل للرأي العام ومؤامرة دولية على اليمن، مشيراً إلى أن المسألة بكل وضوح انقلاب على سلطة شرعية منتخبة جماهيريا ووفقا للمواثيق الإقليمية والدولية.
وأوضح أن المعالجة للأزمة اليمنية تقتضي اعادة السلطة الشرعية، بالقوة الوطنية أو الإقليمية الراعية والدولية، معتبراً أن وصف الانقلابين بالطرف أو الشريك يُعد تضليلاً، هدفه اعتماد حلول خارج الإجراءات الوطنية والدولية، يعتمد على إيقاف المعارك في لحظة تكون السلطة الشرعية متساوية مع الانقلابين وغير قادرة على السيطرة على مجال اشتغالها، مضيفاً إنها تسوية في جغرافيا مقسمة وطنيا ومذهبيا ومثخنة بالجروح والثارات، بحيث لا يمكن ان يستقر الحقل السياسي والمجتمعي وسيكون استقراره رهين الدول الراعية الدولية.
ولفت أستاذ العلوم السياسية إلى وجود مخطط دولي للمنطقة العربية ومنها اليمن يقوم على فدرلة الدولة واستدعاء ثنائية السنة والشيعة، وفي فضاء غير متصالح مع ذاكرته الوطنية، مما سيجعله يمر بدورات دم دورية، مؤكداً أن الاستقرار بعد الاحتراب يتطلب وفقا لأدبيات الأمم المتحدة تطبيق آلية العدالة الانتقالية، التي تتمثل بإعادة الاعتبار للضحايا ومحاكمة مرتكبي جرائم الحرب واقصاء العناصر التي ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في تلك الأحداث المؤلمة.
وجدد الدكتور شمسان، خلال حديثه لـ"يمن 24"، تأكيده أن توصيف تسوية لا ينطبق على الحالة اليمنية، لأنها ليست أزمة سياسية، ويجب خضوع الانقلابين لسلطة الدولة، وهذا يتطلب استعادة الدولة واحتكار العنف الشرعي بقوة السلاح وبسط سيادتها على كامل التراب او إعلان الانقلابين الاستسلام، دون شروط وعليه يتم تسليم السلاح وإجراء محاكمات وطنية ودولية لكل القيادات التي ساهمت في اخراج اليمن من المسار الانتقالي الى الاحتراب.
الحسم العسكري
بدوره، يرى الباحث الأكاديمي في العلوم الأمنية وليد الأثوري أن إمكانية الحسم العسكري باتت أكثر جدية بعد صدور قرار تعيين اللواء علي محسن الأحمر نائباً للقائد الأعلى للقوات المسلحة، مشيراً إلى أن هذا القرار يعيد للذاكرة قرار تعيين عبدربه منصور هادي وزيرا للدفاع في 29 مايو 1994 حيث أستطاع هادي حسم المعركة بوقت قياسي في عدن بعد اتخاذ بعض الفصائل الجنوبية قرار الانفصال.
وتعقيباً على القرار الجمهوري، قال الأثوري لـ"يمن 24" إن القدرة على التعاطي مع الجغرافيا والانسان للقائد العسكري من أسرار تحقيق الانتصار على الارض في مثل هكذا ظروف، ومقومات النجاح العسكري ترتبط بالعلاقات ذات البعد المتعلق بالمنطقة على العسكري والقبلي بحكم تكوينات الجيش اليمني وطبيعة نظام الحكم المرتكز على النظام القبلي.
ووفقاً للمتغيرات الحاصلة، أشار إلى ضرورة أن يخرج نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة من عقلية قيادة فرقة إلى قيادة جيش والتعاطي مع المرحلة وفقاً لطموحات الشعب اليمني واثبات ذلك من خلال الأدوات والطريقة في إدارة المرحلة القادمة للمهمة الوطنية التي كُلف بها من قبل الرئيس هادي.
ولفت الباحث الأكاديمي في العلوم الأمنية وليد الأثوري، في ختام حديثه لـ"يمن 24"، إلى أنه وبين الانتصار للذات ورد الاعتبار والانتصار للوطن تقف المعركة في الأيام القادمة بغطاء شرعي ودعم اقليمي ودولي منقطع النظير، ويبقى تأمين المستقبل هو الشعور الأكثر حضورا لما تبقى من ضباط الجيش وشيوخ القبائل فيما سوف يهوي الساسة إلى الشرعية تحت أي مبرر، في إشارة إلى أن الأيام القادمة ستشهد التفافاً حول السلطة الشرعية وانضمام كثير من القيادات الموالية للانقلابيين الى صفوف الشرعية وتأييد سلطة الرئيس هادي.