شباب محبط وكهلة خائفون !!
الكاتب المفكر محمد حسنين هيكل في لقاء مع قناة " سي بي سي " الفضائية واجرته الاعلامية لميس الحديدي ؛ قال : لأول مرة أخاف على فكرة الدولة في مصر . وحين سؤل عن ماهية العمل في ظل الاحباط السائد لدى الشعب المصري ؟ أجاب : الاحباط يأتي من رؤية الشباب لقيادة ؛ لكنه لا يرى فكرة ، ولا يرى مشروعا أو تصرفا ، واكثر اسباب الاستقرار هي ان نعرف ماذا يمكن ان يجري غدا ، وألا ننتظر المجهول .
حين قرأت هذه الكلمات في صحيفة " الشارع " اليومية نقلا عن صحيفة " الوطن " ؛ انتابني القلق والهلع من كونه لا يتحدث عن المحروسة مصر - بما تعني لنا كيمنيين وكعرب من قيمة ورمزية واهمية سياسية وحضارية وثقافية – فحسب ؛ وإنما يحدثنا عن واقع نعيشه هنا في اليمن ، إذ لم أقل ترزح لوطأته بلدان عربية اخرى مثل ليبيا وتونس وسوريا ولبنان والعراق وحتى الاردن والبحرين والمغرب والكويت وغيرها .
فسوى كان نظام الدولة ملكيا او جمهوريا ، كان شعبها غنيا أو فقيرا ؛ إلا أن جميعها تكاد سمتها واحدة من ناحية هشاشة وضعف الدولة وقابلية مجتمع هذه الدولة للتفكك والاختراق ، وكذا من جهة الاحباط القاتل لحيوية وتطلع ملايين الشباب المحبطة نفسيا وذهنيا ووجدانيا ، كيف لا وجميعها تخوض معركة شرسة ومكلفة لأجل التغيير ؛ فتكون ثمرة ثورتها ونضالها ياس وقنوط وخشية من القادم ؟ .
نعم ؛ الاحباط يأتي من كون الثورات هي في الاول والاخير ثورة شباب طامح متطلع لتغيير صورة وطنه تغييرا جذريا لا مجرد ازالة صورة نمطية لطاغية ، واحلال صورة جديدة لديكتاتور ، فحين اخفق هؤلاء الشباب الثائر في رسم الوجه الجديد المجسد لحلمهم وتطلعهم الذي يتعدى شكل الحاكم الى جوهر وروح الشعب الثائر ؛ كان ولابد من طريقة ما تبقي على جذوة ثورة الشباب مشتعلة بوهجها والقها دون انطفأ ، الى ان تحقق وجودها الغائب ردحا طويلا ، وآن له ان يكون حاضرا وفاعلا في كل الاوقات .
ليت المسألة اقتصرت على مصر وثورتها البديعة الملهمة ! ليت الحكاية يمكن وجزها بمخاوف القوى المعارضة من سلطان القوى التقليدية ممثلة بالرئيس محمد مرسي ومجلس الشعب ، والدستور الجديد ! أنها أكبر من ان تختزل بحكم الاخوان أو بمناهضة جبهة الانقاذ أو حتى بالشقيقة الكبرى مصر .
فالمتأمل في المشهد العربي عامة سيجده معتما وغامضا ومحبطا – ايضا – فما من نظام سياسي جديد أو قديم إلا ويعاني من مشكلات جمة ، دعكم من دول الخليج ، فهذه النظم بما لديها من ثروة نفط وغاز ومال ربما ستفلح مؤقتا بتأجيل ثورات كامنة في وعي واعماق شبابها ونخبها المثقفة ، ومن خلال زيادة انفاقها على الاجور والخدمات والترفيه على مجتمعاتها قليلة الكثافة ( الرشوة الاجتماعية في علم السياسة ) .
لكننا وحين ننظر الى واقع الدول العربية الاخرى سنراها تماثل الحالة المصرية او التونسية او اليمنية أو السورية أو الليبية أو السودانية أو العراقية أو الخ فما نشاهده في دول الربيع العربي ليس سوى واحدة من تجليات واقع عربي بائس ومتخلف ومستبد لا يبدو ان الاطاحة بحكامه سيكون منتهى ثورة الشباب ؛ بل هذه الثورات ستظل لسنوات وربما لعقود قادمة ، فلن تتوقف ثورات الشباب حتى تعثر على ذاتها وافكارها وقياداتها التي تتساوق مع تفكيرها وطموحها وكفاحها وحلمها الكبير في وطن حر وقوي ومزدهر .
الحقيقة أن ثورات الشباب لا يمكن اختزالها بإسقاط حكم استبدادي عائلي عسكري فاسد وتنصيب حكم رجعي ثيوقراطي كهنوتي شمولي طائفي عصبوي لا يختلف في ممارسته وتفكيره عن الانظمة المستبدة السالفة ؛ بل قد يكون أسوأ واقبح منها .
فالثورات قليل ما تنجح في بلورة انظمة شرعية مستمدة مشروعيتها من انتخابات حرة ونزيهة ، كذلك هو حال كثير من الديمقراطيات الناشئة أثر حروب او ثورات او انقلابات أو اتفاقات ، فغالب ما وقعت هذه الديمقراطية في مثالب حاكم مستبد وديكتاتوري تلبس لحظة صناديق انتخاب ، ولنا في ادولف هتلر وموسوليني وحتى لورانس بغاغبو حاكم ساحل العاج لخير دليل وبرهان على ان الصناديق ليست كافية لدمقرطة العقلية المستبدة .
خلاصة الكلام هي ان ما أفرزته ثورات الشباب كان مخيبا ومحبطا ، وعندما نصف ذلك بالمخيب والمحبط ؛ فلا يعني استهدافنا لجماعة والاخوان وحزبهم العدالة والحرية في مصر أو للنهضة وحكومتها في تونس أو للإصلاح وشراكته في حكومة الوفاق في اليمن ، أننا هنا كمن يقتفي أثر مشكلة قائمة ناتجة عن هوة شاسعة ما بين اجيال شابة ثائرة حرة متحفزة لبلوغ المستحيل وبين جيل عتيق هرم صنعه الاستبداد الطويل وصاغه ارث مثقل بالخوف والفزع والجمود والشك من ركوب قطار العصرنة والحداثة والتغيير .
الاحباط السائد يمكن توصيفه بانه نتاج تصادم بين فكرتين وطريقتين واسلوبين لإدارة الدولة ، الحصيلة بالطبع اننا إزاء رؤساء وحكومات وربما برلمانات جديدة - بمعيار كونها تمثل ربيع الشباب – لكننا وإذا ما نظرنا في فكرة وطريقة واسلوب هذه القوى الصاعدة ديمقراطيا وتوافقيا وعلى كاهل ثورات الشباب وتضحيتهم ؛ فإنها تمثل حالة ارتداد رجعية متخلفة تجعلها في مواجهة القوى الشبابية الحداثية ، فالشباب يأمل من الانظمة الثورية المتشكلة لتوها ؛ لأن تقود قاطرة الدولة الديمقراطية الى غايتها المرجوة .
اتصور الاحباط المستبد الآن على هذا النحو : شباب متوثب ثائر حالم متطلع الى التغيير الجذري الذي يمكنه من الانتقال بوطنه وشعبه الى المكانة اللائقة والمحترمة ، يقابل هذه الطاقة والحيوية توجد ثمة مثبطات وحواجز كامنة في تصرفات واساليب عقيمة تمارسها السلطات الجديدة ، تصرفات واساليب وعقلية لم تكن بحسبان الكثير من الشباب الثائرين ، لكنها تبقى واقعا موضوعيا وعلى الشباب ان لا يحبط او يقنط او يستسلم لهذه الوضعية الشديدة القتامة والحيرة والقلق .
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها