الحوثية كنقيض للمواطنة والوطنية
كل ماليس من البطنين لا يعول عليه : منطق جماعة الحوثي في النظر للقضايا الوطنية، بحيث تأتي تطلعاتهم خارج نطاق تطلعات غالبية اليمنيين بالمعنيين الاجتماعي والسياسي .
فالمواطنة ليست محدداً لتفكيرهم أساساً ، بقدر ما يفكرون بطريقة عصبية لا وطنية : يفكرون كحركة أصولية قادمة من الزيدية التقليدية وفي الوقت نفسه صارت تتجاوز هذه الزيدية التقليدية بمراحل إذ تتمحور حول الانغماس التام في الاصطفائية السلالية معبرين باستفزاز عن الأفضلية مثلاً حتى في مسالة احتكار الرئاسة والمناصب العليا غير منعتقين بالتالي من أزمات عقدتهم التاريخية بكل ماتحمله هذه العقدة المتأصلة من أمراض وأوهام وعنصريات وموبقات مشينة .
لذلك فإنهم يخاصمون الاصطفاف الوطني الذي يقف ضد فكرة السلطة بيد الفرد الواحد أو العائلة الواحدة آو الحزب الواحد أو المنطقة الواحدة، كما يستنكرون مبدأ المواطنة المتساوية لأنه لا يميزهم عن غيرهم كما يشاؤون ، بينما يخرجهم أصلاً من مربع التميز والتفضيل الذي منحوه لأنفسهم خلافا لبقية الشعب . وهم في هذا السياق للأسف: أكثر من ينعشون أحقاد الصراعات السياسية والاجتماعية الماضية بحيث يفتقدون للسوية الإنسانية والوطنية تماماً، مستغلين الفقر والجهل لتمرير مشروعهم .على أنهم إلى جانب مشائخ الوهابية وشيوخ القبيلة وعساكرها التقليديين من ابرز الفاعلين لإعاقة عملية التحديث والتمدين في اليمن منذ سنوات .
وإذ يشعرون بالغبن الذي حدث لهم فقط، إلا أنهم لا يشعرون أبداً بالغبن الذي أحدثوه للآخرين أيضاً . كذلك فإن التاريخ الشوفيني يشهد بمعاناة المواطنين الاحرار في العالم وبالذات في المجتمعات العربية الأكثر تخلفاً . ثم ان الوثيقة الثقافية للزيدية التي رعاها الحوثي قبل أشهر تكشف بوضوح وعيهم الادعائي التضليلي حول الجمهورية والديمقراطية والمدنية والشراكة والحقوق والواجبات في ظل دولة القانون التي ناضل الشعب من اجل تحقيقها طويلاً، مفضلين العيش نفسياً وعقلياً في مرحلة ماقبل ثورة سبتمبر 62م .
ويبقى على الحوثي أن ينضج إلى المستوى الوطني اللائق ، كما ينقصه اليوم الترشيد الفعال والاعتدال والعقلانية لخطاباته وممارساته تعبيراً عن النمط الوطني المأمول الذي لا يمكن التنازل عنه لبلوغ الخلاص الوطني مهما كانت التضحيات، ولعل كل يمني بعد 50 سنة على الثورة الأولى وسنتين على الثورة الجديدة سوف لن يذعن بالتأكيد لغير احلام الدولة المدنية، دولة القانون والمواطنة المتساوية والكرامة والتداول السلمي للسلطة ، فيما هذا المسعى القدير وحده هو الفاعل الحقيقي لنجاة المجتمع من آفات التسلط والهمجية والاستئثار . كما أن كل قوة دينية أو اجتماعية هي أضعف من أن تهيمن على الدولة القادمة؛ بل أن الشعب هو من يصد فكرة الاحتكار السلطوي المرفوض إضافة إلى كل تسييس استغلالي غير مستساغ للدين .