مقارنة ظالمة
أية مقارنة ظالمة هذه التي تضع الرئيس المخلوع ونظامه العائلي القبلي العسكري المتخلف؛ بموازاة مع الرئيس المخلوع مبارك ونظامه المستبد الفاسد, الحزب الوطني المنحل مقابل المؤتمر الشعبي القائم، الحرس الجمهوري المصري؛ بالحرس الجمهوري اليمني، جيش مصر وقيادته وضباطه وجنوده؛ بجيش اليمن وجنوده وقادته، جمال وعلاء مقابل أحمد ويحيى؟ !.
أكتب هذه السطور على وقع تلكم اللحظات المهيبة لأول عملية انتقال للسلطة ديمقراطياً وبرتوكولياً وحضاريا، فأمس الأول الأحد كان المجلس العسكري في مصر قد أقام مراسيم نقل السلطة للرئيس المنتخب د/ محمد مرسي وفي التاريخ المحدد 30يونيو وتحت يافطة الشعار العريض (صدقنا الوعد وأوفينا العهد) ..
نعم.. إنها المرة الأولى في تاريخ مصر خاصة والمنطقة العربية عامة, إذ تم تنصيب رئيس مدني منتخب من الشعب وفي ثلاثة مواضع مبتدعة, مبتكرة استهلت بحلف اليمين أمام جماهير ميدان التحرير ومن ثم أمام قضاة المحكمة الدستورية العلياء, مروراً بأدائه اليمين في قاعة جامعة القاهرة وأمام أعضاء البرلمان والشورى ومختلف الفئات والشرائح المكونة للشعب المصري، وانتهاءً بحفل التتويج العسكري المنظم من المجلس العسكري الذي تسنَّم إدارة البلاد قبل 17شهراً وتحديداً مذ تلاوة بيان خلع مبارك مساء 11فبراير .
إذن.. مرسي من معتقله في سجن وادي النطرون إلى كرسي الرئاسة، فيما الرئيس مبارك ونجلاه وحزبه ورموز نظامه جميعهم الآن في السجن، وبرغم ما حققته الثورة المصرية مازال الشعب في انتفاضة لا تتوقف إلا بعودة المشير طنطاوي وجنرالات مجلسه إلى ثكناتهم وبكتابة دستور جديد للدولة المصرية الديمقراطية، وبالعزل والمحاسبة لفلول النظام السابق الذي ارتكب الجرائم والانتهاكات الفادحة بحق الشباب والشعب وبحق ثورته واقتصاده وتاريخه وكرامته ووووالخ من القضايا الوطنية والقومية والشخصية والسياسية والجنائية التي مازالت قيد النظر والمحاكمة .
في هذه البلاد الثورة أتت بنائب الرئيس المخلوع إلى الرئاسة، بمعنى آخر خلع ولكن بطريقة خارقة للعادة، إذ أنه ولأول مرة يتم التوافق على الخلع ومن الطرفين، جديد وقديم، سابق ولاحق، عسكري مدني، محلي دولي، سلطة ومعارضة، شباب وكهول وهذه باعتقادي واحدة من معجزات الثورة اليمنية، فالجميع مازال يهيمن ويحكم وأيضاً يعارض، يخرب، يقاوم، ينهب، يثور .
أتطلع اليوم بعد أن صار مرسي رئيساً لجمهورية مصر؛ أن لا أجد ثمة وجه شبه واحد بما نشاهده هنا من تراجيديا إغريقية.. يا إلهي لقد نسيت أن أقول لكم كيف أن المشير طنطاوي وجنرالاته نظموا عرضاً عسكريا وخطابياً للرئيس المنتخب القادم من بين صفوف ميدان التحرير؟.
أحمد ويحيى وطارق وعوبلي ومقولة ووووالخ من الأبناء والأقارب والأصهار لا أحد منهم لديه ذرة شعور واحترام للمسئولية والواجب، ما من قرار رئاسي إلا ويواجه بصلف وغطرسة واحتقار، كأن هذه البلاد مجرد إقطاعية يمتلكونها ويتصرفون بها كيفما يحلو لهم .
تنتابني حسرة ومرارة وغصة إزاء هذه المقارنة الظالمة! فجمال وعلاء لم يكونا حتى موظفين في سلطنة أبيهم مبارك، فيكفي أنهما الآن يقبعان في الحبس على ذمة تلقيهما رشاً وأموالاً من رجل الأعمال/ حسين سالم المتهم الفار من العدالة .
لدينا قيادات عسكرية وأمنية ومدنية أفسدت حياتنا ومزقت وشائج وعرى نسيجنا المجتمعي ونهبت خيراتنا ومقدراتنا ودمرت بنيان دولتنا الموحدة جيشاً وأمناً وإدارة وقضاءً وشعباً وسلطات ومؤسسات ووظيفة وحلماً وفكراً ووجداناً ، ومع هذه الفظائع المقترفة لم نر شخصاً وراء قبضان العدالة أو يقبع في سجونها الكثيرة .