الكشف عن مواقع عمليات الإعدام الأخيرة لتنظيم الدولة في الجنوب
يومٌ بعد آخر، يكشف تنظيم “الدولة الإسلامية” المعروف إعلاميا باسم “داعش” عن مدى ظهوره في المناطق المحررة من قبضة المليشيات الحوثية والجيش العسكري الموالي للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، هذا التوقيت بالذات وبهذه الصورة البشعة للغاية التي لا تعطي مبرراً لارتكابها مهما كان جُرم من نُفذت بحقهم.
الإصدار المرئي الأخير لتنظيم “الدولة الإسلامية” الذي بثته على الانترنت، ويظهر فيه إعدام قرابة 21 شخص، يقول التنظيم أنهم “حوثة مشركون”، لم يُفسر داعش ولا إصداره أين وكيف اعتقلهم وما يثبت للمتلقي أنهم من الحوثيين، على الرغم من العملية الإجرامية التي أعدموا فيها وإن كانوا كذلك. الإصدار حمل اسم “ثأر الكماة” والاسم بحدّ ذاته تعبير واضح وصريح من ثأر صالح من المناطق المحررة ونكايته بالحكومة والتحالف قبل الحوثيين أنفسهم.
من ضيقة إلى التواهي
المؤسف في الأمر، أن عمليتي ذبح الأشخاص التسعة كما يظهر في الفيديو وعملية رصف ستة أشخاص آخرين ورميهم بصاروخ من مسافة قريبة، هاتين العمليتين تمتا في وادي ضيقة بمديرية المحفد، شرقي أبين، بحسب مصادر من ذات المنطقة أكدت لـ”صدى عدن” تعرّفها على تضاريس الوادي، وهو نفس الواد الذي خاض فيه الجيش واللجان الشعبية مواجهات مع القاعدة وأعلنوا تحريره منتصف العام الماضي، قبل أن يستغل هؤلاء انشغال الجميع بمعركتهم ضد الحوثيين وقوات صالح لإعداد معسكراتهم في هذه الأماكن.
العملية الأخرى التي تم فيها تفجر قارب وعلى متنه ستة آخرون، يقول متابعون أنها كانت على سواحل مدينة التواهي بعدن، بعد عملية تحرير المدينة، أي ما بين منتصف يوليو وأغسطس الماضيين، في حين لم يتم التعرف على المنطقة التي يتم فيها تعليق مقذوفات لسلاح متوسط على أعناق ستة أشخاص آخرين ويتم تفجيرها.
ويدعو داعش في التسجيل المرئي إلى توحيد صفوف اليمنيين وترك الفرقة ومبايعة أمير التنظيم أبوبكر البغدادي، متعمدين إظهار أشخاص من عدن ومناطق جنوبية مختلفة لترسيخ مفهومهم الوجودي أن عناصر التنظيم ينتمون إلى المحافظات الجنوبية، محاولين إبراز شخص آخر من صنعاء، كنوع من التورية وراء هدفهم الرئيس.
يحاول “داعش” بإصداراته المتكررة، الإعلان عن تواجده في بيئة غير حاضنة للإرهاب، ويحاول إثبات نظرية قد تبدو أبعد من عملية دفاعه عن المناطق الجنوبية من خلال معارك متعددة مع الحوثيين وقوات صالح، إلى جانب تنظيم “القاعدة”. التنظيمان حاولا الانصهار في المقاومة المناهضة للمليشيات لإثبات جديتهما وصدقهما، فالقاعدة كشفت عن نواياها بشكل مباشر من خلال إعادة سيطرتها على أجزاء واسعة من محافظة أبين الملاصقة لعدن شرقا، لتعيد إحياء ذكرى “الإمارة الإسلامية” التي أعلنوها في مايو من العام 2011، قبل تنتهي مسيرتها في أقل من عام بفضل “اللجان الشعبية” المشكلة قبليا وأهليا من أبناء المنطقة لرفض القاعدة، وعادت الأخيرة لتجدد النزاع محاولة الانتقام اللجان الشعبية التي كشفت خيوط اللعبة في أبين المرهونة بتطورات العملية السياسية وإزاحة نظام الرئيس حينها علي صالح.
“داعش” في أحضان صالح من جديد
غالبا، لا يمكن تفسير تنامي بروز التنظيمات الإرهابية في اليمن بمعزل عن ربطها بالتطورات السياسية، فاستيلاء القاعدة على أبين بين 2011 – 2012م مرتبط ارتباطا وثيقا بإسقاط نظام صالح، والقرارات التي أصدرها الرئيس عبدربه منصور هادي عقب توليه سدّة الحكم بإبعاد منظومة صالح العائلة في مفاصل جيش الدولة، وكذلك الأمر بالنسبة للظهور المفاجئ لداعش في مناطق الجنوب المحررة من المليشيات بعد أن بات الأمر قاب قوسين أو أدنى من خسارة مريرة يتعرض لها صالح والحوثيون، بعد تحالفهم المشؤوم.
ثمة دلائل دامغة على التعاون اللا محدود بين القاعدة والمخلوع صالح، لكن ذلك لا يعني سيطرته الكاملة على هذا التنظيم. استطاع صالح اختراق القاعدة، لكنه من صنع “تنظيم الدولة الإسلامية” في اليمن، وهو أكثر المستفيدين منه، صحيح التنظيم بدأ بالنمو في بيئة غير يمنية لكن هناك جملة من الشبهات حولة.
تمكن صالح من توفير الأجواء الملائمة لداعش للظهور بهذا الشكل المخيف ليستفيد من إدانة الحكومة الشرعية ومن خلفها دول التحالف العربي المشترك بقيادة المملكة العربية السعودية، في عملية تسليم المناطق الخاضعة لسيطرتها للتنظيمات الإرهابية.
للرجل – أي صالح – علاقة وطيدة بالتنظيمات الإرهابية، فالقاعدة وارتباط ظهورها وممارستها لأنشطتها منذ سنوات له علاقة وطيدة بأهداف تحققها الحكومة اليمنية في عهد المخلوع، كتلقي بلاده الدعم الدولي الهائل بحجة مكافحة الإرهاب والقضاء عليه، بينما من تحت طاولات صنع المتفجرات يتلقى تنظيم القاعدة في اليمن تعليماته من أجهزة المخابرات والأمن العليا طوال السنوات الماضية، ولم تكن العلاقة في بداياتها من جانب واحد فقط، حيث استفاد تنظيم القاعدة في اليمن من التسهيلات التي كانت يقدمها نظام الحكم في اليمن للمجاهدين العرب المهاجرين إلى افغانستان لمحاربة الشيوعية الروسية التي بطشت بالمسلمين آنذالك.
عمّق صالح علاقاته بكبار المجاهدين العرب دون الإضرار بهم ويقدم لهم المساعدات في الوصول إلى أفغانستان لمجاهدة المدة الشيوعي الروسي، وكما يروي مفتي الجهاديين العرب السيد إمام الشريف الشهير باسم السيد فضل، أن رئيس جهاز المخابرات اليمنية اللواء غالب القمش قد قال له شخصياً أنا من كنت استأجر للمجاهدين شققهم أثناء هجرتهم إلى أفغانستان. وبعد عودة المجاهدين العرب من أفغانستان وشمال شرق آسيا ومن ميادين التدريب بالسودان، احتضنهم نظام علي عبدالله صالح، قبل أن يهاجر الكثير منهم إلى بلدان أخرى.
يقول الشيخ القبلي طارق الفضلي، العائد من جبهات القتال ضد السوفييت، إن علي عبدالله صالح وإلى جواره الجنرال العسكري علي محسن الأحمر والشيخ الديني عبدالمجيد الزنداني هم أول من احتضن المجاهدين ويدفعون أموالا طائلة لعدد من عناصر القاعدة في اليمن.
وبالعودة إلى مفتى المجاهدين العرب السيد إمام الشريف الذي كشف في مقابلة تلفزيونية مع قناة العربية قبل سنوات، عن استخدام الدولة اليمنية خلال نظام حكم الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح لتنظيم القاعدة في بلادة. وقال السيد إمام الشريف، وهو المرجعية لتنظيم القاعدة في أفغانستان ومؤلف كتابي الهادي والجامع التي استقت منهما كل الحركات الجهادية والإسلامية أفكارها، أن الحكومة اليمنية كانت تلعب بتنظيم القاعدة في اليمن، وأن الرئيس علي عبدالله صالح بنفسه كان قائما على رعاية التنظيم.
وأثناء فترة سجن مفتي الجهاديين العرب في اليمن التقى في السجون اليمنية بشباب القاعدة اليمنيين وكان يقدم لهم العلاجات الطبية لعدم وفرة الطبيب، وكان يخبره الشباب بأنهم يمارسون أنشطتهم الجهادية بعلم النظام اليمني. وكما ذكر السيد إمام الشريف، أن علي عبدالله صالح بنفسه كان يلقّن شباب القاعدة المرميين في السجون اليمنية الأقوال المزورة التي يجب أن يقولوها للمحققين السعوديين والأمريكيين الذين كانوا يتناوبون في التحقيق معهم في السجون اليمنية.
المُخبِر يفضح المخلوع
لاشك أن صالح يعلم بمدى إدراك الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي بمدى علاقته بالقاعدة، ومدى تشابك المصالح كما أظهرتها قناة الجزيرة الإخبارية في فيلم وثائقي في منتصف العام الجاري، لأحد المجاهدين اليمنيين العائدين من أفغانستان المنخرط في صفوف القاعدة، وكيف تحول بعد اعتقاله إلى مخبر لصالح جهاز الأمن القومي، وكان يؤكد مرارا أنه التقى بعمار محمد عبدالله صالح ليطلعه على المستجدات ويُفاجئ بوجود قادة تنظيم القاعدة عنده. إدراك صالح جعله يتجه مباشرة إلى تبنى تنظيم جديد يسيطر عليه بالكامل دون الحاجة إلى اختراقه، ويتماشى مع نشاط داعش في المحيط الإقليمي.
يستفيد صالح من الظهور القوي لداعش في المناطق الجنوبية المحررة لتكوين رأي عام محلي يعتقد بفكر التنظيم لإيجاد مبرر لقدوم المليشيات الحوثية وقواته للتوجه نحو الجنوب، هذا من ناحية المبدأ، ويؤكد ثانية – وهذا الأهم – أن التحالف والحكومة الشرعية سلموا المناطق المحررة للتنظيمات الإرهابية لتشكيل رأي عام دولي، وقد نجح في ذلك من خلال مواقف الدول العظمى ومجلس الأمن الدولي، ناهيك عن مهاجمته لدول التحالف العربي المساهمة بشكل أساسي في تحرير المناطق اليمنية من المليشيات بدعوى “تحالفهم مع أعداء الله ضد المسلمين. أصبحوا معاول هدم هم والروافض” والتهديد والوعيد لهم، إضافة إلى إرباك المشهد اليمني عموما حتى وإن خسر الحرب، فبات الآن يراهن على الورقة الأخرى بعد الحوثيين لإغراق البلد في مستنقع دامي انتقاما من الجميع، كما هدد من قبل خلعه من سدّة الحكم.
عقب عرض الفيلم الأخير لداعش البالغة مدته حوالي 15 دقيقة، قال الحوثي علي البخيتي في صفحته بموقع فيس بوك، معلقا على الحادث أنه وقع “عقب اخراج الحوثيين وقوات الجيش منها قبل اشهر وتأخر نشرها لأسباب مجهولة. اغلب مناطق محافظة ابين في يد القاعدة وداعش، واحياء في عدن ولحج ومناطق اخرى، وسعي التحالف وحلفائه المحليين لإسقاط سلطة الحوثيين في محافظات أخرى قبل ترتيب الأوضاع في المحافظات السابقة جريمة في حق اليمن، ونشر متعمد للفوضى والدمار وللمجموعات المتطرفة”.
الحكومة تخلق بيئة الإرهاب
تتحمّل الحكومة الشرعية مسؤولية كبيرة جدا في تراخيها اللا معقول مع الملفات الأمنية في المناطق المحررة، فلم تمارس واجباتها كحومة فعلية لها صلاحيات، فتركت عدن تواجه مصيرها على الرغم من مكانتها السياسية كـ”عاصمة مؤقتة” للبلد، وظلت تتجاهل عملية تنامي وتوسع الجماعات المسلحة دون أي إجراءات احترازية.
وتركت الحكومة أفراد المقاومة الجنوبية دون ضمّهم إلى السلكين العسكري والأمني، مشكلا حالة من القلق لدى أهالي مدينة عدن، خصوصا مع تزايد الانفلات الأمني والاغتيالات وغيرهما من مظاهر العنف الناتج عن غياب الأجهزة الأمنية التي لا يجد لها أبناء عدن وجودا ملموسا منذ خروج الحوثيين، ويخشون من أن يؤدي مزيد من التأخير إلى تعقيد الوضع الأمني بشكل أكبر.
وتحدثت مصادر في السلطات المحلية بعدن، إن الحكومة تعتزم استيعاب المقاومة عبر مدراء المديريات وبحسب التعداد السكاني لكل مديرية، في طريقة وصفها المتحدث باسم المقاومة الجنوبية في عدن، علي الأحمدي، بـ”المتحاذقة من أقطاب المنظومة السابقة لإفراغ المقاومة من محتواها لتتحول استحقاقات المقاومة إلى قضية بطالة وشباب عاطل عن العمل، يتم توظيفهم عبر مديرياتهم حسب تعدادها السكاني”.
وقال الأحمدي، إن مدراء المديريات ليس من اختصاصهم هذا الأمر، والمفترض أن يتم الالتزام بما وعد به من قبل بتشكيل لجنة مكونة من وزارة الدفاع والداخلية والمحافظ وممثلين للمقاومة تكون مهمتها حصر المقاومة بحسب الكشوف المعدة أيام الحرب وحسب الجبهات ومن كان حاضرا فعلا وفتح معسكرات التدريب فورا ..”
نقلاً عن صدى عدن:
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها