فوضى إعلامية في اليمن
اعترف وزير الإعلام اليمني علي العمراني بأن بلاده تعاني من الفوضى في مجال الإعلام، في وقت تشهد فيه الساحة الإعلامية اليمنية ولادة عشرات الصحف ومواقع الأخبار الإلكترونية التابعة للأفراد أو الجماعات أو الأحزاب، ويتهم عدد منها بالعمل على تسميم الأجواء السياسية بهدف إفشال المرحلة الانتقالية في البلاد.
وقال العمراني في حديث سابق للجزيرة نت الأسبوع الماضي إن بعض وسائل الإعلام في البلاد تجاوزت الثوابت المتفق عليها في اليمن، وعلى رأسها ضمان وحدة البلاد، "وبعضها تعدى على ثقافة وتقاليد المجتمع اليمني".
ويرجع مختصون في الصحافة اليمنية الأمر في نشوء هذه الفوضى الإعلامية إلى المتغيرات التي يعيشها اليمن والتي فرضت واقعا إعلاميا جديدا امتاز بسيولة على الصعيد الإعلامي وانفتاح غير مثالي في أفق التعبير دون ضوابط.
وتبرز أشكال الفوضى من خلال بث الأخبار السياسية المفبركة والكاذبة والشائعات بغية تأجيج الوضع المحتقن بين فرقاء السياسة وصدور عشرات الصحف غير المرخصة واستنساخ لمواقع أخبارية وقيام مطابع تابعة لمؤسسات إعلامية حكومية خلافاً للقانون بطباعة صحف غير مرخصة تنادي بانفصال جنوبي اليمن عن شماليه.
ويعتمد العديد من هذه الوسائل الإعلامية الوليدة في إدارته على هواة من خارج الوسط الصحفي أو كوادر صحفية يغلب عليها الطابع الحزبي والبعد السياسي.
ويرى رئيس تحرير أسبوعية صحيفة النداء المستقلة الصادرة في صنعاء سامي غالب في المشهد الإعلامي اليمني تجسيدا لحالة الانقسام السياسي الذي يعيشه اليمن منذ عامين تقريبا, وهو مخرج للتطلعات الحزبية والجهوية والمذهبية التي تتجاذب اليمنيين دون أي وازع من مهنية.
منابر دعائية
وقال في حديث للجزيرة نت إن اللافت هو الدخول المباشر لمراكز قوى وحركات سياسية في العملية الإعلامية خلال العامين الأخيرين, ومن ذلك إنشاء قنوات فضائية هي أقرب إلى منابر دعاية منها إلى وسائل إعلام.
ووصف تصريحات وزير الإعلام اليمني حيال الفوضى الإعلامية في وسائل الإعلام الخاصة والحزبية بأنها مبررة في ظل الظروف الراهنة, لكنه في المقابل انتقد غياب السياسة الإعلامية لوسائل الإعلام العامة التي تخضع مباشرة لإشراف وزارة الإعلام.
واعتبر أن بطء التحرك في هذا الاتجاه وغياب رؤية واقعية للتعامل مع الإعلام العام (الحكومي) في المرحلة الراهنة, وفر حوافز إضافية للفوضى التي يتبرم منها الوزير.
وكان الأمين العام المساعد للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون اليمن جمال بن عمر، كشف خلال اجتماع له مع أعضاء اللجنة العامة لحزب المؤتمر الشعبي العام -حزب الرئيس السابق علي عبد الله صالح والرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي- أواخر الشهر الماضي عن توجه لإعداد مبادرة خاصة لضبط الإعلام اليمني الذي اتهمه بأنه لا يشجع على التهدئة والحوار, وحمل أطرافا بالسلطة والمعارضة المسؤولية عن تسميم الأجواء السياسية.
ونقلت وسائل إعلام خليجية عن بن عمر قوله خلال الاجتماع إن "بعض وسائل الإعلام اليمني يفتقد إلى المصداقية والمهنية، وإن الحوار الوطني يحتاج إلى ضبط الإعلام خصوصا الإعلام المستقل والمحسوب على بعض الشخصيات والأحزاب، والحل هو إعداد مبادرة لضبط الانفلات الحاصل في هذا الإعلام".
"مراقبون يصفون الواقع الإعلامي الحالي بأنه يبدو أقرب إلى الفوضى لأن كثيرا من الوسائل فيه تنشأ دون تنظيم وضوابط خصوصاً في ظل المرحلة الانتقالية التي تمتاز بإشكالات كثيرة على صعيد تأثير الأداء الإعلامي قانونيا ومهنيا"
الأداء الإعلامي
ويصف مراقبون الواقع الإعلامي الحالي بأنه يبدو أقرب إلى الفوضى لأن كثيرا من الوسائل فيه تنشأ دون تنظيم وضوابط خصوصاً في ظل المرحلة الانتقالية التي تمتاز بإشكالات كثيرة على صعيد تأثير الأداء الإعلامي قانونيا ومهنيا.
ووفقاً لرئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين جمال أنعم, فإن هذا الواقع الشائك رغم إيجابيته في نواح معينة فإنه قد يضيف قدرا من الإرباك يؤدي إلى إشكالات عديدة على صعيد الممارسات المهنية بالالتزام بالضوابط والمعايير المنظمة للعمل الصحفي والإعلامي عموما.
وأكد في حديث مع الجزيرة نت أن نقابة الصحفيين تشجع الانفتاح الكبير على الإعلام وحرية التعبير لكنها في نفس الوقت تشدد على المسؤولية الكبيرة على مستوى الأداء والاعتبارات المهنية العالية والالتزام بأخلاقيات العمل المهني.
ودعا إلى ضرورة الإسراع في إصدار التشريعات والقوانين المنظمة والحامية لحرية التعبير غير المحدودة وفي ذات الوقت غير منفلتة وكفيلة بتعزيز إيجاد إعلام حر وجاد ومسؤول وملتزم.
من جانبه وصف رئيس تحرير موقع (المدنية أون لاين) بعدن باسم الشعبي حالة الفوضى الإعلامية بأنها نتاج طبيعي للمرحلة بسبب التعقيدات للعملية الانتقالية في البلد.
وأكد في حديث مع الجزيرة نت أن مراكز قوى ونفوذ تمتلك المال هي من تقوم بتمويل عدد من وسائل الإعلام المختلفة في البلاد، وأن بإمكان وزارة الإعلام وقف الصحف غير المرخصة وسحبها من الأسواق إذا أرادت ذلك.
وانتقد الشعبي ضعف الحكومة في ممارسة الرقابة على الأداء العام والقوى والشخصيات العامة في إطار تعزيز دعم عملية التحول السياسي خصوصاً في ظل هذه المرحلة الحرجة والمعقدة.
المصدر:الجزيرة