الشيعة ومأساة كربلاء..اليمن تدفع ضريبة مقتل الحسين!! (2)
خلافا للشيعة الاثني عشرية الذين أغلقوا باب الإمامة وأخرجوها عن دائرة الممكن، ذهب إخوانهم من الزيدية الهادوية إلى حصر الإمامة في البطنين «ذرية الحسن والحسين» في من تتوفر فيه عدد من الشروط والتي على رأسها أن يخرج على الناس شاهرا سيفه!!
وهي الفكرة التي ابتدعها أبو الجارود زياد بن المنذر الكوفي الهمداني «توفي سنة 150هـ» قبل ظهور الإمام الهادي بأكثر من مائة عام! والذي كان من أتباع جعفر الصادق ثم تركه وتولى عمه زيد بن علي، وجاء بهذه الفرية التي لم يقل بها زيد بن علي ولا آباؤه من قبله!! ولهذا فإن كل من قال بالبطنين والنص والوصية لعلي فهو جارودي وليس زيديا، «وقد اعترف عبدالله بن حمزة (توفي سنة 614 هـ 1217م) بأن «كل الأئمة بعد زيد بن علي هم جارودية وأتباعهم كذلك، لكن متأخري الجارودية وعلى رأسهم الحوثيون لا يحبون هذه التسمية لأنهم يرون أنها تنتقص من القداسة والاصطفاء الذي يضفونه على أنفسهم وأئمتهم، إذ كيف ينسب أئمة الهدى ومصابيح الدجى إلى رجل قبيلي من همدان! العكس هو الصحيح في نظرهم وهو جدل طويل ليس هذا مجال مناقشته، وما نود مناقشته هنا هو كيف نظر أئمة الهادوية إلى مأساة كربلاء وكيف استغلوها وما الفارق بينهم وبين الاثنى عشرية في هذه القضية..
اليمن ومأساة كربلاء
عندما كان الحسين بن علي رضي الله عنهما يعد نفسه للخروج إلى الكوفة نصحه عبدالله بن عمر وابن عباس وغيرهما بألا يفعل، وعندما رأوا إصراره على الخروج لأن بني أمية لن تتركه حتى لو ظل في المدينة أو مكة قال له عبدالله بن عمر إن كنت ولا بد خارجا فعليك باليمن فإنها أرض جبلية وبها شيعة أبيك، هذه الرؤية الثاقبة لليمن وعاها جيدا الهادي يحيى بن الحسين الرسي عندما قدم اليمن لتأسيس دولته سنة 284هـ ثم بقية الأئمة الذين توافدوا إلى اليمن طلبا للسلطة، المؤسف أن هذه الميزة حبهم لآل البيت لم تشفع لهم عند أئمة الهادوية الذين استباحوا دماءهم وسبوا نساءهم وقتلوهم لا لشيء إلا لأنهم لم يوهبوا أنفسهم لتأسيس ملك العلويين بل وتجرأ بعضهم واعترف بالدولة العباسية وهذا في حد ذاته يكفي لتكفيرهم وقتلم، ولأن معظم الأمة مثلهم فحكمها حكمهما وهنا ولتبرير هذا الإجرام ذهب عبدالله بن حمزة يستحضر مأساة الحسين بل وما قبله وما بعده وكل مصارع آل البيت لماذا؟ لكي يبرر تكفير الأمة واستباحة دمها، وكان عبدالله بن حمزة قد قتل أهل صنعاء وسبى ستمائة من نسائهم وهم من أهل السنة وعندما احتج عليه البعض بأنه لا يجوز سبي نسائهم وهم مسلمون أخذته العزة بالإثم وألف كتابا لتبرير هذه الجريمة البشعة أسماه «الدرة اليتيمة في أحكام السبا والغنيمة» وقد طبعه مركز أهل البيت في صعدة وقدم له العلامة مجد الدين المؤيدي معقبا على كل ما ورد فيه باعتباره الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟ وقد حاول عبدالله بن حمزة إقناع الناس بتكفير هؤلاء لأنهم مجبرة ومشبهة كما يزعم أي أنهم يقولون أنهم يرون ربهم يوم القيامة، لكنه ما لبث أن أفصح عن المبرر الحقيقي لاستباحة دمهم ونساءهم وهو أنهم يوالون بني أمية وبني العباس ولم يراعوا تضحيات الحسين والأئمة بعده فيسلموا الحكم راضين لأولادهم!!
بكائية بن حمزة على آل البيت
لم يبدأ عبدالله بن حمزة بذكر مأساة الحسين في كربلاء ولم يقف عندها طويلا إذ هي في نظره امتداد لسلسلة من المحن على آل البيت بدأت يوم السقيفة ولم تنته حتى عهد ابن حمزة، والأئمة كلهم سواء والمفرق بينهم كالمفرق بين الأنبياء كما يقول، لهذا يبدأ عبدالله بن حمزة مذكرا أتباع آل البيت أن يصبروا ما داموا نذروا أنفسهم لاتباع آل البيت «فمقالتهم -أي آل البيت- أسست على المحن ونشأت في أيام الهزاهز والقتل والفتن، تحاملت عليهم الأيام، وتظاهر أرباب الإجرام، فأول عادية عليهم بيعة السقيفة، ثم تبعها ظلم فاطمة الزهراء الشريفة، وسم سبطها الأكبر سرا، وقتل سبطها الأصغر جهرا، وصلب زيد بن علي عليه السلام بالكناسة، ومثل بولده يحيى في المعركة، وأتلف عبدالله بن الحسن وإخوته وبنو إخوته الطاهرين في المجالس المظلمة والمطامير الضيقة، وقتل ابناه -النفس الزكية والنفس الرضية- محمد وإبراهيم واحدا بعد واحد، على الأمر بالقسط والنهي عن الفجور، ومات موسى بن جعفر شهيدا وسم علي بن موسى الرضا بيد المأمون وهزم إدريس بن عبدالله إلى بلد الأندلس غريبا ومات عيسى بن زيد في بلاد الهند طريدا...(1)» ثم أخذ يعدد جرائم آل حرب وآل مروان وجرائم بني العباس تجاه العلويين.
هدف البكائية: تكفير أمة الإسلام
لو أن ما طرحه عبدالله ابن حمزة من مآسي هؤلاء كان مجرد استثارة التعاطف لتعاطفنا معه، فمن ذكر ماتوا شهداء وتعاطفت معهم الأمة لأنهم كانوا يسعون لاستعادة حقها وليس حقهم المزعوم -كما يزعم- ابن حمزة لكن عبدالله بن حمزة يذكر من سبق ليصل منه إلى فتوى لم يسبقه إليها أحد وهو تكفير أمة محمد ليس في عهد أولئك فحسب وإنما في عهده أيضا واليمنيون من ضمن هذه الأمة وهذا التكفير يقوله بيمين مغلظة فبعد أن عدد جرائم بني أمية وبني العباس أردف قائلا: «فوالله يمينا يعلم الحكيم العليم صدقها ونرجو عند الله تعالى أجرها وبرها لو لم يكن لهذه الأمة جرم في دين الله إلا موالاة بني أمية وبني العباس واعتقاد إمامتهم وتقليدهم أمورهم، وذلك كفر، لكان كافيا في الكفر، بنص القرآن الكريم، يعرفه كل ذي قلب سليم، وهو مع ذلك خلاف المعلوم من دين الرسول، لأن الولاء والبراء معلومان من دينه ضرورة فكيف والحكيم سبحانه يقول «لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم» (المجادلة:22) ومن نفى الباري تعالى إيمانه بالله ورسوله وباليوم الآخر فهل بقي له من الإيمان مسلك وعن الكفر مترك»(2).
الاقتداء بسنة المهدي المنتظر!!
كان عبدالله بن حمزة وغيره من أئمة الهادوية يحذون حذو الاثني عشرية -الذين كفروهم أو بالأصح كفر بعضهم بعضا- من حيث تكفير الأمة وإباحة دمائها وتوعدها بالقتل والسفك لأنها تركت آل البيت ولم تقف معهم وأن المهدي المنتظر سيلحق بهذه الأمة ما تستحقه من القتل والإبادة ولكن مع اختلافات جوهرية، فالاثنا عشرية اقتصروا في تكفير الأمة لأنها تركت الأئمة المعصومين وعددهم 12 إماما فقط ولأنها سكتت عن مقتل الحسين فقط، في حين أن الهادوية يحملون الأمة -بما فيهم الاثنى عشرية- ترك الأئمة المستمرين إلى يوم الدين وهم بالعشرات والمئات، وتركهم قبل الحسين ومن قتل من أئمة آل البيت وبالتالي فإن حقدهم كان أشد وأنكى، ثم إن الإثنى عشرية تركت -نظريا- الانتقام لصاحب الحق المعصوم، في حين أن أئمة الهادوية رأوا أن ذلك من حقهم بل وواجبهم وهو ما قام به عبدالله بن حمزة في أهل السنة في صنعاء ولأن أفعال الأئمة كأفعال النبي في نظرائه الهادوية والمهدي من آل البيت أفعاله سنة فإن من حق الأئمة أن يفعلوا مثله بالانتقام وأن يدعو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في العفو جانبا إن رأوا ذلك ولا ينبغي لمؤمن أن يلومهم أو يشك بشرعية ما يقومون به، يقول عبدالله بن حمزة بعد أن أصدر حكمه السابق في تكفير الأمة عن مبررات مقتل أهل السنة في صنعاء «فالواجب على المؤمنين التسلك عن التشكك فيهم واعتقاد إمضاء أحكام الله عليهم وقع ذلك أم لم يقع فبذلك فرض المؤمنين معاداة الكافرين باليد واللسان، والسيف والسنان، وإضمار عداوة الجنان فكيف وقد أضافوا إلى ذلك من الاعتقادات الكفرية والمقالات الفرية ما كفَ�'رتهم به الذرية الهادية المهدية ولا بد مما قاله الرسول يكون لأنه لا يقول إلا عن علاَ�'م الغيوب إن لم يكن في زماننا ما رويناه بالإسناد الموثوق إلى النبي ([) في قائم العترة المنتظر أنه قال «يشبهني في الخلق ولا يشبهني في الخلق» فسره أهل العلم أنه خلق رسول الله العفو وخلق القائم الانتقام بالقتل والسبي والسفك وفي الحديث «لا يزال في أيامه الهرج الهرج» معناه القتل عموما، والقتل حتى يقول القائل ليس لله في آل محمد حاجة، ولم أعلم أحدا من آبائنا عليهم السلام وسع في المكاتبة والمراسلة إلا وصرح في ذلك أو عرض بكفر مناوئيه وشرك معادية ومن تأمل ذلك عرفه يعرف ذلك العارفون»(3).
تكفير من لم يؤمن بإمامة البطنين
لم يكن إذن مقتل أهل السنة إلا لأنهم مع وحدة الجماعة والأمة التي لا يقودها عبدالله بن حمزة أو إمام من البطنين، وهو ما قاله عبدالله بن حمزة صراحة وكرره أكثر من مرة فإضافة إلى ما ذكرناه آنفا ختم عبدالله بن حمزة ذلك بالقول «فلو لم يكن لهذه الأمة جرم إلا موالاة من قدمنا ذكره من بني أمية وبني العباس، واعتقاد إمامهم لكفروا بذلك واقتحموا بحار المهالك وحل قتلهم وسباهم ولعدت في الانفال ذراريهم ونسائهم» (3) وبعد أن أصدر هذا الحكم القاطع ذهب يبحث عن أدلة مزعومة فاتكأ على أحاديث موضوعة وضعيفة ثم حملها ما لا تحتمل لتتيح له تكفير وقتل خصومه قال «وقد روينا بالإسناد الموثوق إلى النبي ([) أنه قال في أهل بيته «قدموهم ولا تتقدموهم، وتعلموا منهم ولا تعلموهم، ولا تخالفوهم فتضلوا ولا تشتموهم فتكفروا» والمعلوم أن من لا يعتقد إمامه قائم العترة يشتمه لأن عنده أنه أدعى ما لا صحة له ولا حقيقة»(4) إذن من قال إن عبدالله بن حمزة ليس إماما فقد شتمه، وشتمه أو شتم أحد من سلالته كفر كما زعم»، ثم ذهب يوسع هذا الدليل المتهافت فعاد إلى التاريخ ليرى أن بني أمية والعباسيين كانوا يشتمون العترة فكفروا طبعا لكن الأمة لم تكن توافقهم ومع ذلك يرى عبدالله بن حمزة أن حكمها حكمهم لأنهم لم ينكروا عليهم وبالتالي «فالكل يكون شاتما حكما قال الله تعالى في ثمود «فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم» (الأعراف:77) فعمهم الله بالفعل والعاقر قدار بن سالف ومصدع بن سليم في نفر يسير معينين لم يتجاوز أحد من أهل العلم فيهم التسعة، فعم الله سبحانه باسم الفعل وحكمة أمة من الأمم» وهنا يصل عبدالله بن حمزة إلى ذروة المقارنة التي يراها لصالحه فيقول «والله لإمام من أئمة الهدى أكرم على الله تعالى من تلك البهمة فقد قتلوا ورضيت الأمة -إلا القليل- بقتلهم فهذا نوع لو لم يكن إلا هو لكفرت به الأمة»(5) ثم يضيف عبدالله بن حمزة أدلة أخرى وهي أحاديث ضعيفة ولا تؤكد التكفير، يقول «وروينا عن النبي ([) أنه قال في أهل بيته أنا سلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم، والمعلوم أن من حارب رسول الله ([) كافر لا محالة، ومثلهم بباب السلم، والسلم هو الإسلام، فمن لم يتمسك بهم كفر حكما، وإلا بطل التمسك، وهو نبوي لا يجوز ذلك فيه، ومثلهم بسفينة نوح وما تخلت عنها إلا الكافرون بالإجماع والنص، وكذلك المتأخر عنهم من هذه الأمة يكون كافرا وإلا بطل التمثيل ولا يجوز بطلانه لأنه في الحكم كأنه من الله تعالى، قال تعالى «وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى» (النجم: 3-4)» ثم يسعى للتهوين من شأن التكفير الذي أطلقه على الأمة مقابل بشاعة ما جرى لآل البيت فيربط هذه بتلك فمن استنكر التكفير فقد هون من مصيبة آل البيت، وبحسب قوله «وإنما يستعظم -رحمك الله- التكفير من يجهل أحكام الحرمات ويستصغر جرائم المجرمين والمجرمات، وإلا فأي كفر أعظم من قتل ذرية الأنبياء، وسلالة الأوصياء»(6) هكذا استغل أئمة الهادوية مأساة كربلاء فهم لم يقصروها على الحسين ولم يلجأوا إلى ضرب أنفسهم كما فعل إخوانهم الاثنى عشرية، وإنما عملوا على ضرب مخالفيهم انتقاما للحسين وغير الحسين!! بل إنهم قد جعلوا من مأساة كربلاء مدخلا لتكفير الشيعة الزيدية بل والهادوية الذين فقط قالوا بالمساواة وإن الأفضل إلا بالعمل وهو ما عرف تاريخيا بمأساة المطرفية، فكيف كانت مأساة كربلاء ومصارع آل البيت مدخلا لتكفير المطرفية واستباحة دماءهم ونساءهم، هذا ما سنتناوله في العدد القادم إن شاء الله.الاهالي نت
الهوامش:
(1) المجموع المنصوري الجزء الثاني، القسم الأول، صـ122.
(2) المرجع السابق، صـ128، (2) نفسه صـ129.
(3) المرجع نفسه، صـ130.
(4) نفسه، صـ133.
(5) نفسه، صـ133.
(6) نفسه، صـ140.