تغيير قفل الكعبة المشرفة لأول مرة منذ 60 عاماً
أول مرة ومنذ قرابة 60 عاماً تم تغيير قفل الكعبة المشرفة، بعدما قام أمس الأمير خالد الفيصل، أمير مكة المكرمة، بتغيير القفل الداخلي على نفقة العاهل السعودي بقفل مصنوع من الذهب الخالص.
وتم ذلك أثناء مراسم غسل الكعبة المشرفة، التي تتم مرتين سنوياً، وقد شارك في هذه المراسم الأمير وعدد كبير من الأمراء والرئيس العام لشؤون المسجد الحرام الشيخ عبدالرحمن السديس وعدد من أعضاء السلك الدبلوماسي الإسلامي المعتمدين لدى المملكة.
وقال الدكتور يوسف الوابل، وكيل الرئيس العام المساعد لشؤون الخدمات, "الغسل يتم مرتين في العام، المرة الأولى في 15 محرم، والثانية في غرة شعبان، مضيفاً أنه تم تحديد غسل الكعبة في هذه الأوقات، نظرا لعدم وجود ازدحام في الحرم بحيث يكون الوقت مهيأ للغسل".
وكما هو معروف أن مفتاح القفل الجديد سلم لكبير عائلة السدنة وهم أسرة آل الشيبي من أسر مكة الشهيرة، والتي عرفت بأنها تحمل شرفاً عظيما اختصّها الله - عزّ وجلّ - به منذ أكثر من 1400 عام إلى أن تقوم الساعة، وتوعّد كل مَن حاول حرمانهم منه بأن يكون من الظالمين.
والقصة في التاريخ معروفة ومروية عندما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لجدهم عثمان بن طلحة: "خذوها يا بني طلحة بأمانة الله – سبحانه - واعملوا فيها بالمعروف خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم".
وأفاد عبدالقادر الشيبي عميد الأسرة حالياً: "أحتفظ بالمفتاح في كيس خاص تتم صناعته يدوياً في مصنع كسوة الكعبة المشرّفة، وهو في مكانٍ آمن ولم يسبق أن فقدناه, إلا أن كتب التاريخ تشير إلى أن أحد الأشخاص حاول سرقته في أحد العصور الإسلامية ولكن تم العثور عليه".
تاريخ القفل والمفتاح
وتبرز أهم المراجع التاريخية التي رجعت لها "العربية.نت" عن ذلك إلى أن خلفاء وسلاطين العصر العباسي والعصر المملوكي والعصر العثماني كانوا يرسلون هذه الأقفال والمفاتيح لاستخدامها في غلق وفتح باب الكعبة، وذلك أثناء ترميم الكعبة أو في بعض المناسبات الأخرى.
وأصبحت الأقفال تصنع من الحديد ويكتب عليها بالذهب والفضة بطريقة التكفيت ثم تفنن الصانعون باستخدام الزخارف الكتابية بخطوط عربية في غاية الجمال, خصوصا مع التزام السلاطين والحكام باستمرار الأقفال.
وآخر قفل ومفتاح في العصر العثماني لباب الكعبة المشرفة, هو قفل ومفتاح أمر بصنعهما السلطان عبدالحميد خان في سنة 1309هـ، وقد بقي هذا القفل والمفتاح على باب الكعبة إلى العهد السعودي، إلى أن تم استبدال الباب بأمر الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، وذلك في سنة 1398هـ.
وكذلك تم استبدال الفقل والمفتاح تبعاً للباب, وهو الذي كان موجودا قبل استبداله أمس.
ولقد تمت صناعة القفل الجديد بنفس مواصفات القفل القديم، والذي يعود إلى عهد السلطان عبدالحميد سنة 1309هـ، وذلك بما يناسب التصميم الخاص بالباب الجديد, ومع زيادة ضمانة الإغلاق دون الحاجة إلى صيانة.
يذكر أن الكثير من النماذج تباع في أماكن متفرقة من العالم، وسبق وبيع مفتاح للكعبة المشرفة يعود إلى القرن الثاني عشر بـ9.2 مليون جنيه إسترليني (18.1 مليون دولار) مسجلا بذلك رقما قياسيا جديدا لعمل فني إسلامي يباع في مزاد.
والمفتاح منقوش عليه عبارة تقول إن هذا ما تم عمله لبيت الله الحرام خلال حكم الإمام ابن الإمام المقتدي أبي جعفر المستنصر أبي العباس عام 573 هجرية.
وذكرت وكالة "رويترز" أن هناك 58 مفتاحا مسجلا للكعبة كلها معروضة في متاحف، منها 54 في متحف "توبكابي" في اسطنبول واثنان في مجموعة نهاد السعيد وواحد في متحف اللوفر بباريس وواحد في متحف الفن الإسلامي بالقاهرة.
آل الشيبي والتشريف السماوي
إن مهام السدانة هي مهام شريفة ولدى أسرة الشيبي حملة المفتاح تنظيمات وترتيبات بين أفراد هذه الأسرة، حيث تعطى السدانة للأكبر سناً وله حق التوكيل والتفويض عند الظروف المختلفة.
من جهته يقول عبدالقادر الشيبي كبير سدنة الكعبة المشرّفة، إن الإعداد لغسل الكعبة يتم قبل شهر على الأقل من الموعد المحدّد لهذا الإجراء المتعارف عليه، فيما تتم كسوة قبلة المسلمين بثوب جديد في التاسع من ذي الحجة سنوياً.
وعن بعض التفاصيل: "الكسوة الداخلية للكعبة تأخذ حالياً اللون الأخضر، وتسمى "الكسوة الخضراء"، بعد أن كان لونها أحمر حتى بداية عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز، يرحمه الله، الذي تغيّر في عهده لون الكسوة الداخلية إلى اللون الأخضر حتى الآن".
ويصف الشيبي الكعبة من الداخل: بأنها "عبارة عن أرض على شكل مربع من الرخام وكذلك جدارها، والنصف الأعلى من الجدار مُغطى بثوب حرير أخضر, وتحتوي على ثلاثة أعمدة حمراء بوسطها، ومعلق بها بعض الهدايا المقدمة من الخلفاء والسلاطين سابقاً، ثم بعد ذلك الكسوة الخضراء التي تغطي باقي الجدران والسقف كذلك, ويعلق على جدرانها الداخلية ما يقارب 15 فانوساً قديماً، وبداخل الكعبة يشعر الإنسان براحة كبيرة, ومعظم الذين يدخلونها يسجدون ويبكون فوراً من شدة الخشوع ونخرجهم منها بصعوبة شديدة".
وحول المواقف يؤكد أنهم يواجهون الكثير من الإحراجات، نظراً لكثرة الزوّار والراغبين في دخول الكعبة, والطريقة المعتادة هي أن تقوم إمارة مكة المكرّمة بالترتيب مع كبير السدنة لعمل تصاريح للدخول.