الشيعة ومأساة كربلاء: دموعهم على الحسين وسيوفهم مع يزيد!! (1)
يحيي الآلاف إن لم يكن الملايين من الشيعة في اليوم العاشر من محرم من كل عام ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما بالبكاء والعويل ولطم الخدود وشق الجيوب، وإثارة الأحقاد التاريخية والتحريض الطائفي والعنصري ليس ضد قتلة الحسين الذين أفضوا إلى ما قدموا، وإنما ضد إخوانهم من أهل السنة الذين لا يشاركونهم هذه البكائية وما يصاحبها من طقوس، وتحديدا ضد أهل السنة الذين يمثلون غالبية الأمة الإسلامية؟
وهو ما أفقد هذه المناسبة أهميتها، وحال دون إحيائها بطريقة عقلانية موضوعية تتيح للأجيال المسلمة الاستفادة من دروس هذه المأساة -وما أكثرها- فكيف تم استغلال هذه المأساة لتحقيق أهداف عنصرية وطائفية عكس ما ثار لأجله الحسين؟ وهل الاحتفال بذكرى عاشوراء بدعة اثنى عشرية لا علاقة للهادوية بها؟ وما دلالة إحياء الحوثيين لهذه المناسبة وقبلها ذكرى الغدير؟ هل هو مجرد تقليد للاثني عشرية؟ أم أن له أهدافاً أخرى، هذا ما سنحاول إيضاحه فيما يلي..
الحسين والثورة من أجل الحرية
لم يخرج الحسين بن علي رضي الله عنها أشرا ولا بطرا وإنما خرج يريد الإصلاح في أمة محمد كما قال عن نفسه، ذلك أن أخاه الحسن الذي تنازل لمعاوية بالخلافة بعد استشهاد الخليفة الرابع علي بن أبي طالب على يد الخوارج عام 40هـ كان قد اشترط في كتاب الصلح أن تعود الخلافة للأمة بعد معاوية ليختار المسلمون من يرونه خليفة لهم، وهو ما لم يلتزم به وسعى لأخذ البيعة ليزيد الأمر الذي أنكره عليه معظم صحابة رسول الله في المدينة، وإذا كان بعضهم قد بايع مكرها كأمر واقع فإن آخرين ظلوا على هذا الرفض ومنهم الحسين بن علي وعبدالله بن الزبير، كانت المعارضة كبيرة ليزيد لكنها لم تكن منظمة وليس لها قيادة واحدة، وهو ما جعلها تتشتت وتمكن يزيد من القضاء عليها، لم يكن استشهاد الحسين بن علي في كربلاء في العاشر من محرم لعام 61هـ وبتلك الصورة المروعة بالأمر اليسير، لقد كان -بحق- من أهم وأخطر الأحداث المفصلية في تاريخ الأمة الإسلامية، وقد وهم قتلة الحسين عندما ظنوا أنهم بقتله قد أمنوا دولتهم التي جاءت على أنقاض الخلافة الراشدة، ذلك أن دم الحسين وغيره من دماء الشهداء ظلت تلاحق الدولة الأموية حتى أسقطتها.
الثأر من قتلة الحسين
لقد شعر أهل الكوفة بإثم التقصير تجاه الحسين إذ كانوا قد غرروا به عندما بعثوا له كتبهم بالبيعة وطلبوه أن يقدم إليهم ثم خذلوه وقاتلوا مع يزيد، وبعد مقتله بدأت تتكون حركة شيعية رفعت شعار «يا لثارات الحسين» وكان يقودها المختار بن عبيدة الثقفي الذي كتب للإمام علي زين العابدين بن الحسين وطلبوا منه أن يبايعوه إماما وأن يقودهم لأخذ الثأر لأبيه، لكنه رفض ذلك بشدة وكان يرد على الشيعة الذين كانوا يأتونه يبكون ويبدون استعدادهم للقتال معه «تبكون علينا ومن قتلنا سواكم»!؟ وعندما يأسوا منه التفوا حول عمه محمد بن علي أبي طالب المعروف بابن الحنفية، والذي استلم قيادة الشيعة فعلا ورعى قيام دولة المختار بن عبيدة الثقفي في الكوفة، والتي تمكنت من الأخذ بثأر الحسين من جميع قاتليه بعد خمس سنوات من استشهاده، قال ابن الأثير: «وكان المختار قد خرج يطلب بثأر الحسين بن علي رضي الله عنهما، واجتمع عليه كثير من الشيعة بالكوفة فغلب عليه وطلب قتلة الحسين فقتلهم، قتل شمر بن ذي الجوشن وخولى بن زيد الأصبحي، وهو الذي أخذ رأس الحسين ثم حمله إلى الكوفة، وقتل عمر بن سعد بن أبي وقاص، وهو كان أمير الجيش الذين قتلوا الحسين، وقتل ابنه حفصا، وقتل عبدالله بن زياد، وكان ابن زياد بالشام فأقبل في جيش إلى العراق، فسير إليه المختار إبراهيم بن الأشتر في جيش فلقيه في أعمال الموصل، فقتل ابن زياد وغيره، فلذلك أحبه كثير من المسلمين، وأبلى في ذلك بلاء حسنا،» وكان بني هاشم أكثر الناس فرحا بما فعله المختار بن عبيده، قال ابن سعد في طبقاته: «لم يبق من بني هاشم أحدا إلا قام بخطبة في الثناء على المختار والدعاء له وجميل القول فيه، وكان ابن عباس يقول أصاب بثأرنا وأدرك وغمنا وأثرنا ووصلنا».
الثأر لمنهج الحسين لا لشخصه!!
يمكن القول إن ثأر المختار بن عبيدة الثقفي كان ثارا لشخص الحسين أكثر منه ثأرا للمنهج الذي ثار من أجله الحسين، وهو حق الأمة في اختيار حكامها، ولهذا لم يكن له ثمرة كبيرة في تحقيق هذا الهدف، بل إن المختار بالغ في القتل وجاء مصعب بن الزبير ليقاتله بنفس الطريقة والآلية، وهكذا استمر القتل والقتل الآخر وكل قائد من هؤلاء كان يلاقي نفس مصير من تغلب عليه، فعند ابن حجر في الإصابة عن عبدالملك بن عمر بأنه رأى عبيد الله بن زياد قد أتى برأس الحسين ثم رأى المختار وقد أتى برأس عبيدالله بن زياد ثم رأى مصعب بن الزبير، وقد أتى برأس المختار، ثم رأى عبدالملك وقد أتى برأس مصعب».
وهذه سنة الله في من أولغ في الدماء، ولكن هذا لا يعني أنه لا أحد كان مهتما بالقضية الأساسية التي خرج الحسين واستشهد من أجلها، وهي الشورى وإنهاء الحكم الملكي الوراثي فعلى درب الحسين خرج أهل المدينة ونقضوا بيعتهم ليزيد وفيهم صحابة وتابعون من أبناء الأنصار وحدثت لهم مأساة لا تقل عن مأساة الحسين فيما عرف بموقعة الحرة، ولم ييأس العلماء من التابعين في استعادة الحكم الراشد فخرجوا مرة أخرى بقيادة ابن الأشعث عام 67هـ، وحققوا انتصارات كبيرة وكادوا أن ينجحوا لكنهم هزموا فيما عرف بموقعة دير الجماجم أو موقعة القراء لكثرة من قتل فيها من الفقهاء والعلماء، هذا بالإضافة إلى عشرات الثورات التي قادها الخوارج والمعتزلة وكلها كانت ثورات من أجل الحرية والشورى وكذلك ثورة زيد بن علي بن الحسين وابنه يحيى بن زيد وغيرهما من آل البيت، لقد فشلت جميع هذه الثورات وبدلا من أن يبحث الناس عن الأسباب الموضوعية للفشل ذهب البعض لتفسيره تفسيرا غيبيا فالله هو من يريد أن يستمر حكم بني أميه ولهذا لا يجوز الخروج ومن هنا ظهر تيار الانسحاب من الصراع بين الحق والباطل إلى جانب تيار آخر بدأ يتقمص أفكارا وأهدافا خصومه من بني أمية، حيث اتفق عدد من بني هاشم على الاستمرار في القتال ضد بني أمية، لا لتعدد شورى بين الأمة، وإنما لتعود الخلافة لبني هاشم باعتبارهم الأحق بها، وقد بدأت المفاخرات الجاهلية بين بني أمية وبني هاشم وظهر المتعصبون للطرفين والذين حاولوا إضفاء الصبغة الشرعية على هذه النعرة القبلية الجاهلية التي جاء الإسلام ليهدمها من أساسها، وقد كان أئمة العلويين يرفضون هذه الدعاوى ومنهم الإمام الكبير محمد بن علي بن أبي طالب والمعروف بابن الحنفية، الذي تحسر على الناس أن يجهلوا دينهم إلى هذا الحد، قال ابن الحنفية كما روى عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: نحن أهل بيتين من قريش اتخذنا الناس أربابا من دون الله نحن وبني عمنا هؤلاء يعني بني أمية!
لقد استثمر الهاشميون الثورات المتعددة ضد بني أمية وسعوا لقطف ثمارها، وما إن سقطت بالفعل حتى تفجر الصراع هذه المرة بين الهاشميين أنفسهم أيهم أحق بهذه الثمرة؟ قال العلويون نحن أبناء علي ومنا الحسين الشهيد والناس ثاروا من أجله، فقال العباسيون نحن أحق منكم بالرسول، فعلي ابن عم الرسول والعباس عمه وأنتم أبناء ابنته، والعم يحجب أبناء البنت في الميراث وقال شاعرهم:
أنى يكون وليس ذاك بكائن لبني البنات وراثة الأعمام!
لقد أخذ بني العباس السلطة، واختلف بنو عمهم على قيادة المعارضة أيضا ما بين الطالبيين والعلويين, والعلويين والفاطميين والحسنيين والحسينيين، وهكذا لقد بدءوا وكأنوهم يتصارعون على ميراث خلفة الجد!! وفي خضم هذا الصراع حاول الطامحون من العلويين أن يجعلوا من دم الحسين ومأساته وسيلة لكسب تعاطف المسلمين والاستقواء على بني العباس كما فعل معاوية بقميص عثمان وهو ما تنبه له العباسيون فكانوا يتعقبون من يحيى ذكرى الحسين ولو بالبكاء، بل قاموا بهدم قبره ونبشه وذر رفاته في الفرات والزراعة على موضعه حتى لا يبقى له أثر، وقد لحقوا من الأذى والتضييق والملاحقة ببني عمومتهم من العلويين ما لم يلحقه بهم الأمويين، حتى قال شاعر العلويين:
يا ليت ظلم بني مروان دام لنا
يا ليت عدل بني العباس ما كانا!!
إحياء عاشوراء عند الاثني عشرية
تطورت الأحداث وانقسمت الشيعة إلى عدة فرق أبرزها الاثنا عشرية والزيدية والإسماعيلية وذهبت الاثنا عشرية إلى إضفاء العصمة والقداسة على الأئمة وحصرتهم في أولاد الحسين فقط وتحديدا في الابن الأكبر من أولاد الحسين، ثم وصلت إلى طريق مسدود مع وفاة الإمام الحادي عشر أبو الحسن العسكري، في سامراء سنة 260هـ ولم يكن له ولد فقالت الشيعة بل ولد له ولد بصورة سرية وأسماه محمد، وقد غاب بعد وفاة أبيه العسكري غيبتين الغيبة الصغرى والتي امتدت حوالي سبعين عاما «من 260 إلى 329هـ»، كان يتصل خلالها ببعض النواب الخاصين وغيبة كبرى امتدت من ذلك الحين وإلى أن يظهر في المستقبل لكما يقولون ويبتهلون إلى الله كل يوم بأن يعجل الله فرجه!!
لقد ظل الشيعة يحيون ذكرى استشهاد الحسين بطريقة أو بأخرى لكنهم لم يعودوا يمثلون أي خطر على الدولة القائمة إذ لا يجوز الجهاد ولا الخروج على الحاكم ولا إقامة الدولة إلا إذا ظهر المعصوم «عجل الله فرجه»، ومع ذلك فقد ظهرت بعض الحركات الشيعية ولكنها لم تكن في البداية اثني عشرية، كما هو الشأن مع البويهيون الذين ظهروا في العصر العباسي الثالث الذي امتد من سنة 334هـ /946م. إلى سنة 656هـ/1258م. وكان عصر ضعف وتدهور الخلافة العباسية حيث فقد الخليفة العباسي صلاحياته ولم يعد يملك من الأمر شيئاً وسيطر البويهيون على الحكم وتملكوا بغداد وتزايد نفوذ الشيعة، حيث كان البويهيون يعتنقون التشيع وكانوا في بداية أمرهم زيدية ثم تحولوا إلى شيعة غلاة، وابتدعوا بدعا ليس لها إثارة من علم من كتاب أو سنة للاحتفال بعيد الغدير وعاشوراء وينافحون، وفي عهدهم كما جاء في كتب التاريخ أقامت الشيعة بدعتها المعروفة بـ»يوم عاشوراء» حيث كانوا يغلقون الدكاكين وتخرج النساء حاسرات على وجوههن وصدورهن وينثرون النتن والجيف في الأسواق بكاءا على الحسين بن علي رضي الله عنهما «انظر على سبيل المثال تاريخ الإسلام للذهبي 11/26، وتاريخ ابن خلدون، 3/522».
لقد ظلت طقوس إحياء عاشوراء تتكاثر وتتزايد عبر القرون ووصلت ذروتها مع الصفويين الذين أدخلوا الضرب بالسلاسل وغيرها، لقد كان يتم شحن الأتباع ضد كل من لم يؤمن بالأئمة وأنهم وراء قتل الحسين لكن ولأن الإمامة والجهاد وإقامة الحدود من حق الإمام المعصوم المختبي في سرداب سامراء، فقد جعلوا الانتقام من أهل السنة وأعداء آل البيت بل والخلفاء الراشدين من أولى مهام المهدي المنتظر الذي سيقر عينهم بأعداء آل البيت الأحياء منهم والأموات، ولأن تأجيل الانتقام لا يكفي لتفريغ الكبت فقد ظل الشيعة يفرغون جزء منه على أنفسهم ضربا وإسالة الدماء في يوم عاشوراء، وليتهم استمروا كذلك لكن الإمام الخميني أخرجهم من الانتظار وانتزع من الإمام المعصوم حق الجهاد وإقامة الدولة، وبالتالي بدأ يستثمر جزء من السخط والحقد الذي ورثه الشيعة عبر القرون ضد أعداء الحسين وآل البيت ويقصدون أهل السنة للأسف الشديد، وهذا ما رأيناه من كتائب الموت الشيعية في العراق وفي أكثر من مكان مع استمرارهم بضرب أنفسهم في يوم عاشوراء؟
هذا عن الشيعة الاثنى عشرية، فماذا عن الزيدية وتحديدا الهادوية في اليمن؟ كيف استغلوا مأساة كربلاء؟ وما الفرق بينهم وبين الاثنى عشرية في هذه القضية؟ وإحياء الحوثيين لهذه الذكرى هل هو تقليد للاثني عشرية أم لائمة الهادوية، هذا ما سنتناوله في العدد القادم إن شاء الله.المصدر الاهالي