مأساة المعامل في جامعة صنعاء ... كلية العلوم نموذجاً
لكي تتعرف على مستوى نهضة بلد ما ليس عليك الا ان تنظر واقعها التعليمي فقط ... نعم ان تقدم الامم والشعوب وتشييد الحضارات لا يقوم بغير التعليم و ستبقى الخطط الخمسية والاستراتيجية والبرامج السياسية من اجل احداث نهضة او طفرة تنموية كلها عبثية مالم تنطلق من ارضية التعليم التي يمكن تصنع اجيالا متعلمة تقلب المعادلة الحالية منطلقا من رؤى يتبعها بالضرورة تنفيذ حازم واعتقد ان العالم اليوم هو خير مثال على ذلك فالدول الاكثر تقدما في العالم ليست تلك التي تمتلك من السلاح ما يساوي ضعف عدد سكانها وليست الاكثر تطور اكبر من تمنح مليارات الدولار للمشائخ وتترك الطلاب المبتعثين في الخارج يقاسون المر ولا يمكن التقدم بالصخب الاعلامي والوعود العرقوبية قبيل الانتخابات.
كلا ارفعوا نظركم للأعلى قليلا فقط!
ولان الحديث هذه الايام كثر حول موضوع التغيير والنهضة والتقدم واللحاق بركب الحضارة وروح العصر فأننا قبل معالجة اي ظاهرة يجب تشخيصها اولا ولان التشخيص في مجتمعنا يعتمد على التنجيم اكثر منه على التقصي الدقيق للحقائق من دون تضخيم ولا تأجيل فان افضل طريقة للانطلاق من النقطة الصحيحة هو النظر الى الواقع التعليمي في البلد والبدء به وفي خضم هذا سنتحدث عن التعليم الجامعي ولا اعتقد ان الاسهاب في موضوع المستوى المتدني الذي وصلت اليه جامعة صنعاء والاضطرابات التي تعصف بها سوف يأتي بجديد وانما سوف نقتصر على الكليات العلمية والمعامل التطبيقية فيها لأنها تمثل خير المخرجات الجامعية الوطنية التي تعتمد على الجزء التطبيقي وكنموذج لهذا سوف نتكلم عن كلية العلوم في جامعة صنعاء ليس للتندر وانما لكي يلتفت و ستجيب كل من يهمه الامر, وليس لنا الا ان نقول انقذوا وطنكم و ابنائكم من هذه الكارثة الفظيعة.
عند الحديث عن كلية العلوم التي تسمى العلوم التطبيقية اي ان جل ما يدرس فيها يجب ان يكون له جزء تطبيقي ومأساة هذه المعامل ومعاناة الطالب تتلخص في ثلاثة انواع من المعامل كالتالي:
(1)
اول انواع معامل كلية العلوم هي المعامل التي صدر بحقها حكم غير قابل للنقض " بالإغلاق المؤبد " اي انها لا تفتح مطلقا وحتى لا يظن البعض ان الكلام فيه مزايدة يمكن اي شخص السؤال عن معمل التحليل الالي – كنموذج - المغلق منذ سنوات وهذا المعمل اصبح في ذهن الطلاب خصوصا مستوى رابع انه معمل ملغي او بالأصح محذوف فالطالب يتخرج وهو لم يدرسه اطلاقا والحديث لبعض طلاب مستوى رابع في ان هذا المعمل يعتبر من اهم المعامل التي يجب ان يلم بها الطالب قبل التخرج والا لما وجد اصلا اذا كان لا داعي له ! وطبعا لم تتوقف الطلاب في المناشدات والمظاهرات والاحتجاجات من اجل فتح المعامل المغلقة وعندما تحدث استجابة يتحرك المعنيون بالأمر سواء من مسؤولي العمادة او من غيرها لينتقل الموضوع الى مسؤول اخر وهكذا الى ان تصل الى رئاسة الجامعة – وقد وصلت فعلا- ويتم التوجيه بفتحها لنعود الى حلزونة المسؤولين بحثا عمن يملك العصا السحرية لتحقيق هذه المعجزة ويستمر التنصل والمماطلة الى ان تتماهى القضية ويثمر اليأس مخضرا وفي خضم كل هذا نرى من يقدم مبادرات طوعية للطلاب بأن يتوجهوا الى معهد معين او الى جامعة خاصة لدراسة هذا المعمل او ذاك !... نعم طلاب الجامعة الحكومية الام يبحثون عن جامعة خاصة للتطبيق العملي وكل ما يسمعون دائما هو ملايين الدولارات التي تتحفنا بها الوسائل الاعلامية او مصادر في الجامعة يقال انها خصصت لتطوير وتجهيز وتزويد وتجديد المعامل ولكن اين كل هذا ...؟
(2)
اما النوع الثاني من هذه المعامل هي التي ليست مغلقة كلا بل انها مقررة و ستنزل في جدول الدراسة وتقسيم المجموعات ويمكن تسميتها معامل "عرجاء " لان فتح المعمل ليس النهاية بل البداية فكثير من هذه المعامل المقررة تذهب ادراج الرياح ولا يتم دراستها ليعود الطالب كما اتى وابسط مثال على ذلك عندما يصل و لا يجد ماء مقطر في المعمل من اجل اجراء التجارب ويلغى المعمل كاملا لغياب الماء المقطر الغير متوفر وللمفارقة فان الماء المقطر هذا سعر الجالون الصغير منه لا يتعدى بضع مائة ريال فقط! فضلا عن وجود قطارات داخل غرف التحضير تحضر هذا الماء من الماء العادي و لا نعلم ماذا جراء لها!
بالإضافة الى انه لا يجب ان يتملكك الاندهاش اذا رأيت طالبا في المعمل يحمل انبوبة زجاجية فيها مواد كيميائية ويسخنها على لهب شمعة!
نعم لا تستغرب والله انه لهب شمعه - وقد حدثت - يشتروها الطلاب او الفني طبعا دون ان ينسوا " الولاعة " او الكبريت لان المعمل بدون غاز خصوصا في ايام الامتحانات لان بعض التجارب بحاجة الى تسخين لتعطي النواتج واحيانا لا يتوفر الماء فيضطر الطلاب لإحضار ماء " كوثر " للعمل وفي حال ما تنطفئ الكهرباء فذلك قطعا يعني انتهاء المعمل حتى وقد احضر مولد للكلية العام الفائت الا انه للتشغيل نحتاج الى الف توجيه وتوجيه طبعا اذا توفر الديزل.
وفي المعامل التحليلية الهامة بالنسبة لطلاب الكيمياء مثلا يمكن ان يدرس الطالب ويتخرج وهو لم يمسك سحاحة واحدة -على سبيل المثال لا الحصر- لان السحاحات المتوفر لا تتجاوز عدد اصابع اليد والطلاب كثر فيتم تقسيمهم الى مجموعات وكل مجموعه تعمل على سحاحة واحدة وبالطبع شخص واحد سيعمل والبقية متفرجون والحديث ليس حكرا على السحاحات!
وفي حال توفرت الامور السابقة لا يمكن اغفال تغيب المعيد و الفني سواء بإضراب او بغيره خصوصا واغلبهم يعمل بنظام التعاقد فكيف يمكن ان يتولد لديه الحماس اذا كان لا يستلم راتبه الا في اخر كل عام دراسي بمستواه الضئيل.
واعتقد ان حجم الاحباط الذي اصابني سيصيبكم عندما تعلمون ان كلية العلوم بجامعة صنعاء كانت سابقا – ايام التعليم الحقيقي - تمتلك ورشة خاصة بها لتصنيع الادوات الزجاجية البسيطة المستخدمة في المعامل خصوصا تلك المعرضة للكسر باستمرار بدلا من استيرادها كانت هذه الورشة تعيد تصنيع وتصنع الادوات الزجاجية لكي تكون الكلية مكتفية ذاتيا وكذلك لو استمرت تلك الورشة الى اليوم لكانت ستحجب الاعلان المعلق على باب المعمل بالخط العريض " على كل طلاب معمل (...) احضار عدد(... ) انابيب زجاجية نظرا لكثرة الكسر مالم فسوف .... " ! شيء محزن اليس كذلك ؟
(3)
اما النوع الاخير من المعامل فهو ابتكار جديد وبراءة اختراع التعليم الجامعي اليمني فالمعروف في الكليات العلمية التطبيقية ان هناك شقين للدراسة نظري وعملي يعملان بتوازي مع بعضهما فما يدرسه الطلاب في الجزء النظري يمارسه ايضا في المعمل مع بعض من اجل الخروج بفائدة حقيقة لكن في الكلية هناك نظام يقوم فيه تدريس المنهج النظري دون العملي مطلقا وبعد ان يتم الترم وينتهي الطالب من اختبارات النهائي عندها يقوم بدراسة المعمل كاملا دفعة واحد فاذا كان مقررا مثلا على الطالب في الترم 10 معامل في عشرة اسابيع تزامنا مع النظري فانه يتخلص منها الى بعد الامتحانات النهائية ويدرسها في عشرة ايام فقط .... ابداع!
وكأن الغرض من المعمل ليس تثبيت المعلومة وتطبيقها والاعداد الجيد للتخرج وانما اسقاط واجب يثقل على كاهل الطلاب ... بالإضافة ان هذا التأخير بعد الاختبارات النهائية قد لا يؤثر على البعض ولكنه مؤلم لأخرين خصوصا من ليس مقيم في صنعاء ولا يجد سكن اما اذا كانت طالبة فالموضوع اكبر من ذلك.