اليمن بعد عام على توقيع المبادرة الخليجية.. القضية الجنوبية أبرز التحديات
احتفلت اليمن بمرور عام على توقيع المبادرة الخليجية من قبل الأطراف السياسية الرئيسية، و بحضور الأمين العام للأمم المتحدة و أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج و سفراء و مسئولون و دبلوماسيون أمريكان و أوروبيون و ممثلين عن الدول الداعمة للمبادرة الخليجية، و خلال زيارته لليمن أكد أمين عام الأمم المتحدة دعم المجتمع الدولي لمسار الانتقال السياسي في البلد، مشيدا بما تحقق خلال عام على يد الرئيس هادي و حكومة الوفاق،
و تجلى حرص الرعاة و الداعمين و كافة منظومة المجتمع الدولي على إنجاح هذا الانتقال الاستثنائي للسلطة و إنجاز مؤتمر الحوار الوطني الشامل، سواء على مستوى الإقليم من خلال مجلس التعاون لدول الخليج أو على المستوى الدولي عبر الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن و الاتحاد الأوروبي و كافة أصدقاء اليمن و الدول و المنظمات و الصناديق المانحة، و في حضور الأمم المتحدة و مجلس التعاون الخليجي على أعلى مستويات تمثيلهما عبر الأمين العام لكل منهما ما يؤكد ذلك،
كما حرص ضيوف اليمن رغم أن الزيارة لم تتجاوز ساعات قليلة على الالتقاء بأبرز أطر العملية السياسية و المرحلة الانتقالية و قواها الفاعلة، من خلال لقاءات الرئيس مع الأمين العام للأمم المتحدة مع حكومة الوفاق و لجنة التحضير للحوار الوطني و اللجنة العسكرية، بالإضافة لعقد مؤتمر صحفي مشترك أكد دعم الأمم المتحدة لجهود الرئيس هادي و الحكومة و لجنة الحوار و اللجنة العسكرية الرامية لحفظ الأمن و الاستقرار و إنجاز مؤتمر الحوار و صولا لإقرار صيغة مستقبلية لليمن المأمول و بتوافق الجميع و بدون استثناء.
الجدير ذكره أنه بالتوقيع على المبادرة الخليجية في مثل هذه الأيام من العام الماضي، دخلت البلد المرحلة الانتقالية بفترتيها الأولى التي تمتد لثلاثة أشهر، و الثانية و مدتها سنتان تبدأ بانتخاب الرئيس التوافقي / عبد ربه منصور هادي و تنتهي بالانتخابات البرلمانية والرئاسية التي تعقب مؤتمر الحوار الوطني الشامل،
و قد ضعت المبادرة الخليجية حدا لحكم الرئيس المخلوع/ علي عبدالله صالح و إن بشكل تدريجي و مرحلي، بعد ما يزيد عن عشرة أشهر من فعاليات الثورة الشعبية السلمية التي اندلعت في كل أرجاء البلاد، و قضت المبادرة بانتقال سلمي و آمن للسلطة بعد ما ظلت حكرا لصالح و أفراد عائلته و دائرة مساعديه و أقاربه و أصهاره.
و فيما يلي عرض موجز لأبرز معالم و تحولات عام كامل من عمر المبادرة الخليجية،
حكومة الوفاق.. إنجاز التوافق
وفقا للمبادرة الخليجية تم تشكيل حكومة وفاق الوطني برئاسة المناضل/ محمد سالم باسندوة رئيس المجلس الوطني لقوى الثورة الشعبية السلمية، و مشاركة قطبي العملية السياسية الموقعين على المبادرة (المشترك و شركائه نصف الحقائب الوزارية، و المؤتمر و حلفائه النصف الآخر)، و بدأت تمارس مهامها بعد أيام من إزاحة الرئيس المخلوع و توقيعه على المبادرة، و على الرغم من محدودية الإمكانات المتاحة للحكومة و ما خلفته سلطة النظام السابق فقد تمكنت من تحقيق قدر من الإنجاز بفضل الالتفاف الشعبي حولها و الدعم الداخلي و الرعاية الخارجية، و من أهمها توفير الخدمات الأساسية و الضرورية التي كانت أجهزة النظام السابق سعت جاهدة لتعطيلها في إجراءات عقابية للشعب بسبب انحيازه لخيار الثورة.
اللجنة عسكرية.. نزع فتيل التوتر
و بحسب بنود المبادرة و آليتها التنفيذية شكل الرئيس لجنة الشئون العسكرية و الأمنية يرأسها وزير الدفاع و الداخلية، و تختص بإزالة التوترات الأمنية و العمل على إعادة الأمن و الاستقرار في العاصمة صنعاء و المحافظات، و استطاعت في مجمل جهودها الميدانية أن تحد من تغول عصابات النظام السابق التي حاولت إعاقة الانتقال السلمي للسلطة، و عبر أداؤها العام و جهودها المتواصلة عن حرص على تنفيذ ما أوكل إليها من مهام و ما أنيط بها من تحديات،
الانتخابات الرئاسية.. تفويض شعبي للرئيس هادي
في الحادي و العشرين من فبراير مطلع هذا العام و بعد مرور تسعين يوما على توقيع المبادرة الخليجية توجه الملايين في مختلف المحافظات و المديريات و الدوائر الانتخابية للتصويت للرئيس/ عبدربه منصور رئيسا توافقيا لليمن، و على الرغم من مقاطعة فصائل في الحراك الجنوبي و جماعة الحوثيين في الشمال للانتخابات إلا أنها حظيت بمشاركة واسعة و دعم عربي و إقليمي و دولي، و بعدها أدى الرئيس الجديد اليمين الدستورية أمام البرلمان ليستهل بذلك مرحلة جديدة و تمهيدا للإعداد للحوار الوطني المرتقب.
إقالة أقارب المخلوع و هيكلة الجيش و الأمن
برزت إشكالية أقارب الرئيس المخلوع و خطورة الإبقاء عليهم في الأجهزة الأمنية و الوحدات العسكرية فور البدء بوضع بنود المبادرة بعد الموافقة على منح صالح حصانة برلمانية من المساءلة، و بالنظر لسيطرة نجله الأكبر على قوات الحرس الجمهوري و القوات الخاصة، و أخيه على القوى الجوية و أبناء أخيه على الأمن القومي و الأمن المركزي و الحرس الخاص، و بالتالي أوكلت للجنة العسكرية مهمة العمل على توحيد الجيش تحت قيادة وزارة الدفاع و الأمن تحت قيادة وزارة الداخلية، و شرعت في ذلك استنادا لقرارات الرئيس هادي التي كان أهمها إقالة بعض القيادات العسكرية و الأمنية القريبة من المخلوع أو المحسوبة عليه، و منهم قائد القوى الجوية محمد صالح و قائد المنطقة الجنوبية مهدي مقولة و تغيير قيادات الحرس الخاص و الأمن القومي و الأمن المركزي إضافة لعدد من المحافظين و الوكلاء، كما صدرت قرارات بإنشاء ألوية الحماية الرئاسية التي تتألف من عدد من الألوية التي كانت تتبع قوات الحرس الجمهوري و القوات الخاصة و بعضها كانت تابعة للفرقة الأولى مدرع، كما قضت التغييرات إلزام كل قوة عسكرية تتبع الحرس الجمهوري بتبعية قيادة المنطقة العسكرية التي تتواجد فيها، و ينتظر اليمنيون من الرئيس هادي استكمال المهمة من خلال إقالة نجل المخلوع من قيادة الحرس و نجل شقيقه أركان قوات الأمن المركزي.
لجنة تحضير الحوار الوطني
في يوليو الماضي صدر قرار جمهوري قضى بتشكيل اللجنة الفنية للتحضير للحوار الوطني، و مهمتها الإعداد لمؤتمر الحوار المزمع في البدء به في الأيام القليلة القادمة، و تتألف من شخصيات يمثلون مختلف الأطراف السياسية الفاعلة و منظمات المجتمع المدني و شباب الثورة و الحوثيين، و مطلع هذا الأسبوع أعلنت اللجنة في مؤتمر صحفي عن ما أنجزته من مهامها المتعلقة بالإعداد و التحضير لمؤتمر الحوار،
نظام القاعدة.. و قاعدة النظام
على الرغم من تطهير المناطق التي كانت تسيطر عليها القاعدة إلا أن عناصرها لا تزال بين فترة و أخرى تبرز من خلال عمليات انتحارية و عبوات ناسفة لتهدد بذلك الأمن و الاستقرار و بما يجعل الأجهزة الأمنية و الحكومة أمام مهمة مواجهة هذه العناصر و ما تشكله من خطر على الأوضاع الحالية و تهديد للعملية السياسية، سيما بعد تنفيذها عدة عمليات غالبيتها في صنعاء و عدن و حضرموت و أبين، و أبرزها اغتيال قائد المنطقة الجنوبية الشهيد/ سالم قطن، و عدد من المسئولين الأمنيين و العسكريين و أعضاء و قيادات اللجان شعبية، و لعل حادثة ميدان السبعين التي أودت بحياة مائة جندي و جرحت مئات آخرين أثناء التحضير للاحتفال بذكرى الوحدة أكبر تلك العمليات التي يتهم نظام المخلوع بالتواطؤ مع القاعدة في تنفيذها – إن لم يكن بدعمه المباشر و غير المباشر لها، كما استهدفت القاعدة عدد من المتدربين في كلية الشرطة بصنعاء، و كما حاولت عناصر النظام السابق خلط الأوراق و تعطيل الحياة السياسية و الإجهاز على تجربة الوفاق الوطني من خلال إحداث الفوضى و محاولة اقتحام المكاتب و المقرات الحكومية كما حصل في وزارتي الداخلية و الدفاع، و على إثرها أوقف العشرات من تلك العناصر و شرعت الأجهزة المختصة بالتحقيق معهم، و مع أن التحقيقات لم يكشف عن نتائجها إلا أن الدعم الذي حظيت به من بقايا نظام العائلة يعد دليلا على تورط المخلوع في التحريض على الفوضى و محاولة جر البلاد للعنف و الحروب بعد فشله الذريع في قمع الثورة.
التحديات.. قضية الجنوب و مشكلة الحوثي
على امتداد عام كامل برزت تحديات عديدة تظل بحاجة للكثير من الجهد و العمل للحد منها تمهيدا للوصول لمؤتمر الحوار الوطني، و أبرزها مشكلة جماعة الحوثيين الذين لم يحسموا أمرهم فيما يتعلق بالتحول لحزب سياسي و الكف عن العمل المسلح بغية السيطرة على المناطق و توسيع نفوذهم خارج سلطة الدولة، ناهيك عن التحديات الاقتصادية و المعيشية، و فيما يتعلق بمشاركة الأطراف في الحوار المرتقب تبقى القضية الجنوبية بحاجة لجهد إضافي من اجل إقناع بعض الجنوبيين الذين لم يحسموا موضوع المشاركة من عدمه، و في طليعة تلك الجهود المأمولة إعادة الحقوق العامة و الخاصة و الممتلكات التي جرى نهبها و السطو عليها خلال سنوات ما بعد حرب 94، إضافة لإعادة المنقطعين من مدنيين و عسكريين إلى أعمالهم و تعويض من لحقتهم أضرار الحرب و النهب في عدن و غيرها من مناطق الجنوب، حتى لا تظل قضية الجنوب عالقة بين إجراءات مؤجلة و مكونات غير حاسمة في التعاطي معها رغم زعمها أنها تمثلها.