التغيير والتعليم: لا جديد فـي الطريق إلى منزل الرئيس!
تتحرك سيارة الأجرة في أحد أكبر شوارع العاصمة اليمنية «شارع الستين» فيما نحن نُحاول أن تكون نظراتنا فاحصةً لمحاولة استقراء ملمح واحد للتغيير، وكأن قدر اليمنيين في التغيير مختزل بتنظيف الشوارع الرئيسية والفرعية المؤدية إلى منزل الرئيس، وإعادة ترميمها لتبدو أكثر لياقةً بالضيوف الوافدين.
الستين يبدو رزيناً أكثر من اللازم. وسط الشارع ترتفع لوحةً كبيرة وضعتها أمانة العاصمة وبداخلها هذه المقولة «من كان يظن أن عجلة التغيير إلى الوراء فهو واهم -رئيس الجمهورية المشير عبدربه منصور هادي».
قد تكون الجملة الآنفة واضحةً وجيدةً ولها مغزى يحطُ في جوف رجل السبعين السالف في منصب الرئيس، ومع ذلك لا يمكن استبعادها من احتمالية أنها من جمل التملق والتزلف الكثيرة!
الموضوع ليس سياسياً وإن حوى في بعض تفاصيله إشارات سياسية فهي ليست سوى هوامش لإثراء موضوع اجتماعي يحاول المقارنة بين ما قبل ثورة 2011م وما بعدها.
وفقاً للافتة التي تؤكد أن عجلة التغيير لا يمكن أن تعود إلى الخلف يمكن فهمها في سياقين بالنسبة للواقع الاجتماعي، الأول: أن تغييراً جذرياً قد حصل للمجتمع، والثاني: أنها مجرد لافتة.
أمام أحد المطاعم الفخمة في شارع القاهرة بصنعاء، يختزل طفل يمني حال التغيير، ما يزال بالقرب من بوابة المطعم بميزانٍ بنفسجي يحمل حلمه، كما أنه يرتدي البدلة التي تحتم عليه أن يكون داخل فصل دراسي في أدنى مدرسة حكومية من ذوات المستوى المنخفض، لكنه كغيره من أطفال الميازين، لا يعي التغيير قبل عام أو بعده، فالميزان هو الميزان، ومقولة: وزن ياعم، هي المقولة الثابتة في زمن المتغيرات بالنسبة لأحمد ورفاقه.
أثناء انشغالنا بأحمد وميزانه حضرت فتاتان «جوهرة 10 سنوات، نجمة 9 سنوات» كانتا تروجان لبضاعتهما المزجاة «مناديل الفاين» ولم تكن مفاجأة على الإطلاق عندما اكتشفنا أنهن شقيقتا طفل الميزان أحمد.
يذهبون إلى المدرسة أحياناً لكن الواقع التعليمي المُزري يجعلهم يُفضلون الشارع لتعلم أبجديات الحياة ومكابدتها بدلاً من محو أُمية التعليم.
ثورة وطُلاب
مثلت الثورة اليمنية بالنسبة للمجتمع ثغرة أمل للنفاذ إلى قلب التغيير ومازالت، تقاطيع الوجوه تفصح عن الكثير من الخبايا الكامنة في أعماق الأمنيات: نملك الكثير من التفاؤل والكثير من الأمل؛ ولكن نمط الحياة المعيشية قاسٍ في الوقت الراهن.
لم يطرأ أي تغيير على مستوى الحالة الاجتماعية، الكثير ممن واجهوا استفساراً بسيطاً عن التغيير في اللحظة الراهنة تفاوتت إجاباتهم بين «لا النافية» والتغيير على المستوى السيكولوجي فقط، ونقصد به التخلي عن الإحباط والتشبث بقشة أمل.
إن أهم واجب مهمل في اليمن هو الجانب التعليمي الذي يمكن اعتباره مقياساً للتغيير، في هذا الحقل الملغوم لم يطرأ أي تغيير على الأقل في مدراء المراكز التعليمية في المحافظات أو حتى على مستوى مدراء المدارس.
في محافظة يمنية كـمحافظة ريمة يتزاحم الطلاب على المقاعد المكسورة بعد أن قس�'متهم إدارة المدرسة إلى أكثر من شُعبة نتيجة الكثافة الطلابية التي تفتقد إلى مدرسين يوازون هذه النسبة، ثلاث شُعب في الصف الثاني الثانوي لا يجدون مدرس فيزياء، وأحياناً يتطوع مدرس اللغة العربية لتغطية العجز الناجم عن افتقار المدرسة لأستاذ التفاضل والتكامل.
في ريمة أيضاً يوجد أكثر من عشر مدارس مغلقة حتى الآن بسبب العبثية في قيادة المحافظة وسوء إدارة من مكتب التربية. قبل شهر من الآن «كانت العديد من المدارس في محافظة ريمة مغلقة، وقد كشف تقرير لإحدى القنوات اليمنية بالصوت والصورة وجود (11) مدرسة مغلقة في مديرية مزهر لوحدها وبحسب تقارير موثقة فإن عدد المدارس المغلقة في مديرية كسمة تزيد عن (6) مدارس».
هذا ليس إلا مثالاً عارضاً عن وضع جزء من كل العملية التعليمية في اليمن.
في بداية 2011م كان طلاب المدارس يرسمون لوحةً فنية في ساحات الحرية والتغيير، انقلب مؤشر الأولويات رأساً على عقب، فبدلاً من أن تكون الحصة الأولى هي الأهم في المدرسة استبدلوها بالحصة الأخيرة في الساحات وهم ينظمون المسيرة تلو المسيرة من الصف إلى الساحة بعد الانتهاء من الدوام المدرسي. كان ذلك طمعاً في مستقبل يزيل الغموض من الزي الداكن الذي يرتدونه كل صباح.
ولعل أبرز القصص التعليمة التي حدثت عقب الثورة قصة الـ 22 طالبة في تعز اللائي كُن قريبات من القصل النهائي من مدرستي نعمة وأسماء في محافطة تعز، على خلفية مناهضتهن لمديرات المدارس المُتهمات بإيواء بلاطجة لقمع الطالبات المناهضات للرئيس اليمني السابق علي صالح.
تم اتخاذ القرار من إدارة مكتب التربية بإطلاع المحافظ ووزارة التربية والتعليم، ولولا الاحتجاجات ومطالب المنظمات الحقوقية معهن لكان القرار سارياً، مع أنه لا يوجد أي نص جزائي في أي دولة في العالم يقضي بفصل طالب من التعليم في المدرسة.
طلاب المدارس دفعوا فاتورة البحث عن واقع جديد للحياة ومنهج جديد بتفاصيل الحرية والتغيير، ولكن..!!
السقف فوق رؤوس الطلاب
البنية التحتية للتعليم -خصوصا في الأرياف- تدعو للتشاؤم رغم نسبة الذكاء التي يكتنزها الطالب اليمني وأن هناك اختراعات تكنولوجية تم الكشف عنها لطلاب مدارس. في الملتقى الأول للابتكارات العلمية لطلاب مدارس العاصمة صنعاء إحدى الكفيفات قدمت اختراعاً في مجال الاحتباس الحراري.
ومع ذلك يعاني الطلاب من الإهمال شبه التام لبعض المدارس. في أكتوبر الماضي أصيب خمسة طلاب بجروح بعد سقوط أجزاء من مدرسة الشهيد الحمدي في محافظة إب.
في سياق آخر قال مركز بحوث التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشهر المنصرم إن العوامل الاقتصادية هي الدافع الرئيس لتسرب الطلاب من التعليم وأن الأسر اليمنية تحتاج إلى 24 مليار ريال لتجهيز 6 ملايين طالب وطالبة دراسياً.
تلك الشواهد تستدعي التغيير الجوهري في العملية التعليمية، علاوةً على انعكاس التغيير في المستوى المعيشي ليظهر على التعليم؛ ما لم فإن القرار الصادر الشهر الماضي من قبل وزير التربية والتعليم لن يكون له أي تأثير في إقبال اليمنيين على المدارس، ونص القرار المقصود هو: «منع استخدام العقوبات الجسدية والنفسية بحق التلاميذ الطلاب في كافة مدارس الجمهورية ورياض الأطفال الحكومية والأهلية» وطالب القرار «بإحالة كل من ثبت مخالفته لنص المادة من هذا القرار».<
«النهضة» فـي سطور
في نوفمبر 2011م كانت شريحة اجتماعية من التواقين إلى التغيير يقلبون صفحات كتاب شروط النهضة للمفكر العربي مالك بن نبي الذي جاء هدية مجانيةً مع إحدى المجلات الخليجية.
مصادفةً يُقلب أحد الشباب صفحات شروط النهضة ويأبى إلا أن تكون هذه إجاباته «لم يحدث تغيير وما وقع هو أن أحداثاً صدمت الجماهير صدمةً عنيفةً أيقظتها من نومها، ثم ما لبثت حتى غالبها النعاس..». بشكلِ ما اقتبس هذه الجملة وحورها بما يلزم مع الواقع اليمني.
يعيب ابن نبي على من يريد النهضة ويغرق في وحل السياسية، بتعبير المفكر الجزائري «حديث الغشيم الذي يدور في فلك الشؤون الاجتماعية كالتعليم والتربية ومستقبل المرأة واستخدام رؤوس الأموال هذه الأحاديث ذات قيمة لأنها بعيد عن منطق الغوغاء والنزعات الانتخابية، إذ هو يساهم في بناء التقدم والنهضة، تماما كما تساهم القشة الصغير في بناء عش الطير إبان الربيع».
كما يرى أن الحكومة ما هي إلا اجتماعية تتغير تبعاً للوسط الذي تعيش فيه، وهي ما معناه ضرورة إحداث تغيير داخل الوسط الاجتماعي، وما لم تكن هناك رغبة في التغيير الاجتماعي فإن الحكومات لا يمكن أن تتغير.