على الرئيس السوري بشار الأسد أن يرحل أو أن يواجه "خياراً عسكرياً" هذا ما قاله وزير الخارجية السعودي متحدثاً إلى الصحافيين أمس على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، رافضاً المبادرات الدبلوماسية لروسيا الداعمة للنظام السوري، والتي دعت إلى قيام تحالف دولي ضد تنظيم "داعش".
نوايا بوتين
الموقف السعودي المفاجئ جاء نتيجة التردد الأمريكي واصطفاف روسيا بجانب "الأسد".
وعلى الرغم من إرسال روسيا مئات الجنود والعتاد والطائرات وبناء قاعدة عسكرية في اللاذقية، إلا أن روسيا نفت بشكل قاطع أنها تنوي دعم بشار الأسد، لكنها تفكر في دعم الحكومة السورية والحفاظ على المؤسسات الحكومية، وكشف "بوتين" عن نواياه في لقاء مع شبكة "سي بي إس" التلفزيونية الأمريكية بالقول: "روسيا لن تشارك في أي عملية عسكرية في الأراضي السورية أو في دول أخرى. على الأقل نحن حتى اليوم لا نخطط لذلك. لكننا نفكر كيف سنكثف عملنا مع الرئيس الأسد، ومع شركائنا في الدول الأخرى".
سخرية فرنسية
هذا التردد الروسي سخر منه وزير الخارجية الفرنسي الذي ربما أدرك الورطة الروسية بالقول "بأن روسيا تتحدث كثيراً بشأن الأزمة السورية، لكنها لم تدعم أقوالها بأفعال ضد داعش".
ويرى مراقبون أن هناك عوامل كبيرة بدت تؤثر على روسيا من الداخل؛ فتورطها في أوكرانيا، واحتلال القرم كلفها كثيراً جداً، ولم يعد اقتصادها يحتمل العقوبات، وهو الأمر الذي زاد من نقمة داخلية تجاه الرئيس "بوتين"؛ بسبب توريط الروس في حروب ليست مستحقة وغير مجدية.
شبح أفغانستان
وعلقت آنا بورشفسكايا وهي خبيرة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى على التورط الروسي الجديد في الأزمة السورية بالقول: "على الرغم من الحملة الدعائية الضخمة والمتواصلة التي يقوم بها الكرملين، لا تزال الأصوات المناهضة للنظام تجد طريقها في روسيا. فهي تُعبّر عن رفضها لتدخل البلاد في سوريا؛ بسبب القلق من إمكان أن تصبح هذه الأخيرة أفغانستان جديدة لروسيا تلك الحرب التي ساهمت بشكل كبير في سقوط الاتحاد السوفيتي، وفقاً لعدة تقارير".
رفض داخلي
وكشفت الخبيرة الروسية العديد من الحقائق عن حالة القلق الكبيرة التي تجتاح الروس وخشيتهم من جحيم سوريا، مضيفة بالقول: "في 7 سبتمبر، أرسل عضو المعارضة الوحيد في البرلمان الروسي الدوما غينادي غودكوف المناهض لفلاديمير بوتين، طلباً رسمياً إلى وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو. قائلاً: هناك "شيئان يهماني" كتب غودكوف على صفحته على "الفيسبوك": "أولاً: هل يقاتل جنودنا حقاً لصالح الأسد وثانياً إذا كان الجواب نعم، لماذا يتم ذلك سراً ودون موافقة البرلمان؟ نحن ننتقد أمريكا بشدة حول العراق، كما ننتقد حلف شمال الأطلسي حول يوغوسلافيا، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، يبدو أننا نرسل قوات لدعم نظام لا يمكن أن يُعتبر مقبولاً".
وزادت بالقول: "وفي محاولته شرح دوافع "بوتين" لزيادة الانخراط في سوريا، كتب الصحافي إيفجيني كيسيليف في إيكو موسكفيذات التوجهات الليبرالية: "نظام بوتين السلطوي، الذي يواجه مشاكل داخلية، يسعى للتعويض عنها من خلال اتخاذ خطوات في اتجاه السياسة الخارجية". وأضاف، أنه طوال تاريخ روسيا، تحولت حروب مماثلة إلى كوارث في السياسة الخارجية، بدءاً من الحرب الروسية- اليابانية في 1904- 1905، وإلى حرب القرم في الفترة 1853- 1856.
مغامرة مميتة
بالإضافة إلى ذلك، كتب كيسيليف: "تورطنا في مستنقع أفغانستان قبل 36 عاماً. وتورطنا في دونباس في العام الماضي هل سنتورط الآن في سوريا؟ شخصياً ليس لديّ أدنى شك في أن التدخل العسكري في سوريا هو مغامرة مميتة بالنسبة لروسيا".
وأضافت نقلاً عن المحلل أوليغ بونومار: "هل لا يذكّرنا هذا الوضع بالتاريخ الأفغاني؟ فكما كان الأمر في ذلك الحين، اتخذت القيادة العليا في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، دون أي مناقشة عامة، قرار بإدخال فرقة محدودة من القوات السوفييتية في أفغانستان". وأضاف: "خلال ذلك الوقت، انهار الاقتصاد السوفييتي العاجز بالفعل تحت وطأة الإنفاق العسكري والسخط الاجتماعي، وسَحبَ النظام السوفييتي كله إلى الجحيم".
اقتصاد يحتضر
وأضافت الخبيرة بالقول: وحتى بعض المؤيدين لسياسة الكرملين الموالية للأسد يعتقدون بأنه لا ينبغي على روسيا التدخل عسكرياً في سوريا. وقد كتب ميخائيل روتوفسكيي، الذي قضى بعض الوقت في سوريا قبل 15 عاماً كضيف على السفارة الروسية: "ليس لدى روسيا الحق في الدخول في مغامرة سيكون من المستحيل الخروج منها. نحن لا نحتاج إلى أفغانستان ثانية، وخاصة على خلفية الأزمة الأوكرانية التي تمتص الحياة من بلادنا بالفعل".
وختمت بالقول: "قد يختلف التدخل العسكري الروسي في سوريا في بعض النواحي عن تورط الاتحاد السوفييتي في أفغانستان. لكن بالنسبة لبعض الروس، هناك بعض من أوجه الشبه اللافتة للنظر. فروسيا تواجه أزمة اقتصادية عميقة، ونفقاتها العسكرية الحالية غير قابلة للاستمرار، كما تواجه البلاد انخفاضاً ديموغرافيا حاداً. ولا يمكن لروسيا أن تخوض حرباً في كل من أوكرانيا وسوريا، في الوقت الذي تحتفظ فيه أيضاً بقوات في أماكن عديدة من أراضي الاتحاد السوفياتي سابقاً كما هو الحال حالياً. ولكن يبدو أن بوتين يحاول القيام بذلك".
الرفض السعودي
والآن بعد رفض السعودية المشاركة مع روسيا في تدخلها بجانب "الأسد" بحجة مكافحة الإرهاب، وهو الموقف الذي سعت من أجله روسيا كثيراً، انتفت عوامل نجاح التورط الروسي في سوريا، فروسيا لطالما نادت بتأسيس جبهة مكونة من السعودية وتركيا والأردن وقطر لمحاربة داعش في مسعى خطير ظاهره محاربة الإرهاب وداعش، وباطنه محاولة إنقاذ "الأسد"، فهي تدرك وضعها الاقتصادي الصعب، وترغب في إيجاد شرعية لها لإقناع الداخل الروسي الناقم من مغامرات "بوتين" التي قد تقضي على روسيا، ولإدراك "بوتين" أنه لن تستطيع تحقيق أي نجاح حقيقي من غير دعم الدول الداعمة للمعارضة في سوريا.
جبهة بائسة
وبالتالي اتجهت روسيا لتأسيس جبهة أخرى بزعم مكافحة الإرهاب هذه الجبهة المكونة من روسيا وإيران وسوريا والعراق لديها غرفة عمليات مشتركة هي في الواقع موجودة منذ سنوات ولم تحقق أي نجاح حقيقي على الأرض بل العكس فلم يعد هناك وجود لحدود سوريا والعراق وباتت هذه الجبهة مفلسة مالياً وعسكرياً وأخلاقياً، فدول سوريا والعراق تعانيان من انهيار وإفلاس مالي حقيقي، وأما إيران فهي أقل بؤساً من سوريا والعراق، وتحتاج سنوات بعد رفع العقوبات لإنعاش اقتصادها الضعيف والمنهك، وروسيا التي تعيش تحت وطأة عقوبات غربية قاسية جداً سيتم تجديدها وتشديدها قريباً باتت واحدة من أكثر الدول الطاردة للاستثمار والمال والعقول؛ بسبب عنجهية "بوتين" الحالم بعودة الأمبراطورية السوفييتية.
أما من الناحية الأخلاقية فقد تسببت هذه الجبهة بأسوأ كارثة إنسانية عرفها التاريخ الحديث بقتلها عشرات الألوف وتشريدها لملايين الناس يهيمون على وجوههم بحجة مكافحة الإرهاب والتطرف، بخلاف مساهمتها في تأجيج الطائفية، ونشر الفوضى في المنطقة.
التدخل السعودي
ويرى مراقبون أن مصير هذه الغرفة المشتركة هو الفشل، ولا مفرّ من رحيل الأسد أو مجابهة عمل عسكري بقيادة سعودية التي ترى أنه لم يعد هناك أسوأ من الفوضى التي خلّفها "الأسد" والجبهة الفاشلة لمحاربة الإرهاب.
فالسعودية تدرك أن هناك معارضة قوية متوثبة على أسوار دمشق، وهي بحاجة فقط لتحييد المجال الجوي السوري لحماية المدنيين وتشكيل ضغط حقيقي على الأسد يجبره على الرحيل وتسليم السلطة، ليتم بعدها التفرغ لمحاربة تنظيم "داعش"، وهي الرؤية التي باركتها أمريكا عبر تصريحات رئيسها باراك أوباما يوم أمس، في افتتاح القمة الدولية لمكافحة الإرهاب، والتي ربط فيها هزيمة "داعش" بتشكيل قيادة جديدة في سوريا قائلاً: "إن هزيمة تنظيم داعش تتطلب قائداً جديداً في سوريا وحكومة شاملة توحد السوريين في مواجهة الإرهاب". هذه القمة انتقدتها موسكو مجدداً، وأكدت عدم مشاركتها فيها بشكل جدي، معتبرة أن القمة تشكل قلة احترام للأمم المتحدة وأمينها العام بان كي مون.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها