نهاية بعيدة للحرب في اليمن
نعيش في عصر التغطية الإخبارية المستمرة، وانتشار المعلومات ومقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن يبقى اليمن أحد البقاع الأقل تغطية في العالم، رغم الزيارات المحدودة للصحفيين وأطقم عمل الأفلام.
واليمن هو أحد البلاد البعيدة، والصعبة، والخطرة في تغطيتها، حتى في أوقات السلم.
والآن، بعد ستة أشهر من القصف الذي تقوده المملكة العربية السعودية لمواقع الحوثيين، الذي بدأ في 26 مارس/آذار الماضي، تسببت الحرب في اليمن في تبعات جسام على أفقر بلد عربي. واتهم طرفا النزاع بارتكاب جرائم حرب، وكانت أكثر الخسائر بفعل القصف الجوي.
حملة طويلة
وبعد ستة أشهر من الحرب، لم تصل الأوضاع إلى حل قاطع، لكن يبدو أن قوة الطرفان تزداد.
وما زالت قوات الحوثيين، الموالية لقوات مؤيدي الرئيس السابق على عبدالله صالح، تسيطر على العاصمة صنعاء، والكثير من المناطق في شمال وغرب البلاد.
سيطرت القوات الموالية لعبد ربه منصور هادي على مناطق في جنوب ووسط محافظة مأرب.
وفي مواجهة الحوثيين، تقاتل قوات موالية للرئيس المعترف به دوليا، عبد ربه منصور هادي، الذي عاد إلى مقر حكومته في عدن بعد ستة أشهر في السعودية.
وتدعم هذه القوات تحالفا من القوات العربية الخليجية، قوامه ما بين 5000 و7500 مقاتل، بقيادة قائد القوات الخاصة السعودية. ولهذه القوات سيطرة جوية، إذ دمروا القوات الجوية الخاصة بالحوثيين وهي على الأرض.
وثمة العديد من المحاولات غير الناجحة للتوصل لاتفاق سلام بوساطة عمانية، لكنها فشلت بسبب مطالب بانسحاب الحوثيين من معاقلهم في الشمال، في حين يطالب الحوثيون بالمشاركة في السلطة، والاندماج في القوات المستقبلية للجيش الوطني.
وقال مسؤولون سعوديون لـ بي بي سي إنه في حال عدم الوصول لاتفاق في أقرب وقت، ستحاصر القوات الخليجية-اليمنية صنعاء وتستولي عليها. وإذا اختار الحوثيون البقاء والقتال، ستكون حصيلة القتلى من المدنيين كارثية.
التكلفة
الإحصاءات الخاصة بتبعات الحرب كارثية. وبحسب الأمم المتحدة، قتل أكثر من 4800 شخص، بينهم أكثر من 450 طفل. كما جرح أكثر من 24 ألفا.
وكانت أغلب الخسائر بسبب القصف الجوي، واتهمت منظمة هيومان رايتس ووتش قوات التحالف السعودي باستخدام ذخيرة عنقودية "واستهداف المناطق المدنية بدون تمييز". كما اتهمت المنظمة الحوثيين بتفجير المناطق السكنية في عدن باستخدام المدفعية والهاون، وزرع الألغام بشكل عشوائي.
ونزح حوالي 1.4 مليون شخص من منازلهم، ويعتمد أكثر من 3.5 مليون على المساعدات الغذائية. وثمة إقفال جزئي لموانئ البلاد، تفرضه قوات التحالف لمنع وصول إمدادات الأسلحة للوحثيين.
ونصبت قوات الحوثيين مواقعها العسكرية في المناطق السكنية، مما تسبب في خسائر فادحة بعد غارات قوات التحالف.
حذرت الأمم المتحدة من أن اليمن يواجه كارثة إنسانية.
وعلى عكس السوريين، لا يمكن لليمنيين النزوح عبر الحدود، إذ أقامت المملكة العربية السعودية حاجزا حدوديا بطول 1500 كيلومتر. في حيت يتطلب عبور الحدود إلى عمان المرور بالأراضي التي يسيطر عليها تنظيم القاعدة.
كما يحاول الكثيرون عبور مضيق باب المندب في قوارب إلى الصومال وجيبوتي، مما يدل على مدى سوء الأوضاع في اليمن. وعاد بعضهم إلى ميناء عدن الذي أصبح حطاما، بعد أن كان أحد أكبر الموانيء في المحيط الهندي.
بداية الحرب
بدأت عملية "عاصفة الحزم" عندما قصفت الطائرات السعودية مواقع للحوثيين داخل اليمن، في تحرك فاجأ المنطقة بأكملها.
وتتمسك السعودية وحلفاؤها بموقفهم من أن الصراع كان قد بدأ بالفعل قبل تدخلهم عسكريا بستة أشهر، في سبتمبر/أيلول 2014.
وتحرك الحوثيون من مواقعهم في الجبال نحو الجنوب، وسيطروا على العاصمة صنعاء، بمساعدة قوات موالية للرئيس السابق على عبدالله صالح، الذي تدين له الكثير من قوات الأمن والجيش اليمني بالولاء.
قالت منظمة العفو الدولية إن طرفي الصراع ارتكبا جرائم حرب.
وبحلول يناير/كانون الثاني 2015، حاصرت قوات الحوثيين الرئيس منصور هادي في منزله. وبحلول فبراير/شباط، غادر هادي إلى عدن، وكاد الحوثيون أن يقبضوا عليه لولا تدخل القوات الخاصة السعودية وتهريبه خارج البلاد.
ويقول الحوثيون إنهم ثاروا بسبب الفساد الذي استشرى في الحكومة، ولأن النظام الفيدرالي اليمني لم يضع مصالحهم في الحسبان.
في حين يرى السعوديون وحلفاؤهم في اليمن أن إيران كان تسلح وتدرب وتوجه الحوثيين.
لكن الأدلة على وجود تدخل عسكري إيراني ضعيفة. وكان تحالف الحوثيين مع قوات علي عبدالله صالح هو ما ساعد الحوثيين على التقدم.
وتخشى المملكة العربية السعودية أن تقع في حصار محور إيراني؛ يضم لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن.
لذا، جاء قرار السعودية بالتدخل العسكري لتظهر لإيران عدم سماحها بالسيطرة على دول الجوار.
بدا المتحدث باسم القوات المسلحة السعودية واثقا من إحراز تقدم في عاصفة الحزم.
وأراد السعوديون أن تؤدي حملتهم العسكرية إلى إجبار الحوثيين على السعي إلى حل سلمي.
وعندما حاورت المتحدث العسكري السعودي في الرياض، أثناء الأسبوع الأول من عاصفة الحزم، العميد أحمد العسيري، بدا واثقا ومتحمسا لتقييمه لتطور الحرب.
لكن الحوثيين أظهروا صمودا فاق توقعات السعودية، بشكر أجبر التحالف على القيام بعمليات أرضية شملت آلاف المقاتلين، وإحداث خسائر في صفوفهم.
أطراف الحرب
بشكل عام، هناك طرفان في هذه الحرب.
ويسيطر الحوثيون على غرب اليمن بمساعدة ألوية الحرس الجمهوري الموالية لعلي عبدالله صالح، الذي يلعب دورا محوريا في هذه الحرب.
وكان صالح قد ترك الحكم بفعل تظاهرات الربيع العربي عام 2012، وغادر اليمن. ويبدو أنه يعمل على منع أي شخص من الوصول إلى منصبه.
ويعتبر تحالف صالح مع الحوثيين أمرا انتهازيا، إذ أنه حاربهم كثيرا أثناء رئاسته للبلاد، وطلب في ذلك دعم القوات الجوية السعودية، التي باتت الآن تقصف قواته وقوات الحوثيين معا.
تشارك الإمارات في قوات التحالف بلواء مسلح في عدن، مزود بدبابات فرنسية.
وفي مواجهة الحوثيين، يقاتل التحالف الذي تقوده السعودية. ويضم التحالف قوات من الإمارات العربية المتحدة، التي أنزلت لواء مسلحا في عدن، مزودا بدبابات فرنسية.
وشاركت قطر بألف جندي على الأقل، بالإضافة إلى وحدة بحرينية. كما تشارك قوات من المغرب، والسودان، ومصر، والأردن. في حين بقيت عمان محايدة، بشكل يسمح لمسقط أن تكون مكانا مناسبا لمحادثات السلام.
في حين رفضت باكستان طلب السعودية بالانضمام للتحالف، بعد تصويت البرلمان ضد المشاركة.
ماذا عن القاعدة؟
استفاد الجهاديون كثيرا من الفوضى في اليمن، إذ تحرك مقاتلوا كل من تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، وتنظيم الدولة الإسلامية للاستيلاء على المواقع التي تركتها القوات الحكومية.
ويسيطر تنظيم القاعدة الآن على مدينة المكلا، في حين يمكن رصد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في عدن وحولها. وأرسل التنظيمان انتحاريين لتفجير مواقع في صنعاء، إذ يستهدف تنظيم الدولة الإسلامية مؤخرا مساجد الشيعة التي يسيطر عليها الحوثيون.
ويستمر عمل برنامج الطائرات بدون طيار، التابع لوكالة الاستخبارات الأمريكية، والذي يستهدف مواقع تنظيم القاعدة في اليمن. لكن يبدو أن البرنامج خسر الكثير من مصادره للمعلومات على الأرض.
تستعر الحرب في 21 من أصل 22 محافظة يمنية. ليس ثمة نهاية للصراع في الأفق.
كيف يمكن أن تنتهي الحرب؟
الحل السياسي هو المخرج الوحيد من الحرب في اليمن.
وتمتلك السعودية ما يكفي من المال والعتاد للاستمرار في حملتها لحين إخضاع الحوثيين للحل السلمي. لكن الثمن يدفعه المواطنون اليمنيون، وبالفعل هناك استنكار دولي لحصيلة الضحايا المدنيين جراء القصف الجوي.
ورغم إظهار الحوثيين لصمود شديد، إلا أن مطالبهم غير واقعية، فهم لا يمثلون غالبية اليمنيين. والحقيقة القاسية هي أن اقتصاد اليمن يعتمد على السعودية.
ولن يدعم السعوديون نظاما على رأسه الحوثيين، يرونه جزءا من محور إيراني. لذا، يبقى الأمل في التوصل إلى تسوية في أقرب وقت ممكن، من أجل مصلحة اليمن.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها