تقريرأمريكي يكشف عن علاقة مثيرة للجدل بين المخلوع صالح والإدارة الأمريكية وقصص تهريب الديزل والثروات
قال تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية إن قصة استمرار القاعدة العنيد في المناطق القبلية النائية في اليمن هي قصة علاقة واشنطن المتعذبة مع صالح ومحاولتها التعويض عن أخطاء الماضي من خلال دعم الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي تولى الحكم عوضاً عن صالح.
وأشار إلى انه وعلى مدى عقود من الزمن كان الفساد مشكلة في اليمن، حيث استولت أسرة صالح وحاشيته على أراضٍ في جميع أنحاء البلاد من أجل مصالحهم التجارية المتعددة، مستدركاً: "لكن الجيل القديم من المحتالين الحذرين، الرجال الذين دعموا صالح في بدايته، أفسحوا الطريق أمام الشباب المدللين الذين اعتقدوا أنهم يستحقون كل ما يمكن انتزاعه".
وبحسب التقرير الأميركي فإن الولايات المتحدة لم تكن مستعدة في التغاضي عن صالح مقابل التعاون في مكافحة الإرهاب في اليمن؛ حيث "أصبح الآن نقطة خلاف".
وأضاف التقرير المعنون بـ" ضياع اليمن" : في نوفمبر 2005، سافر صالح إلى واشنطن في زيارة رسمية، ولم يكن هناك أي مؤشر على الانتفاضة التي أطاحت به بعد ست سنوات كان يجري وراء دعوة الزيارة لأكثر من عام، لكن على ما يبدو أن بروز القاعدة في اليمن بشيء من الاستعجال في الأيام المحمومة بعد هجمات 11 سبتمبر، ساعد في تدفق المساعدات الأمريكية على الرئيس اليمني في محاولة لاحتواء التهديد الإرهابي.
وبعد أن بدا تحقيق النصر على جبهة الإرهاب، حولت إدارة جورج دبليو بوش تركيزها لتعزيز الديمقراطية. السفير الأمريكي في صنعاء توماس كراجيسكي والمحللون في مكتب وزارة الخارجية للاستخبارات والبحوث أمضوا شهوراً وهم يحاولون معرفة أفضل السبل لتشجيع صالح على تنفيذ الإصلاحات وكما كان عليه الحال مع الجهاديين المصريين من التسعينات، وجد الأمريكيون أن الزعيم اليمني مناور في مواقفه لقد كان يدخل في مصالحة سرية ولكن غالباً أمام الرأي العام يبدي استعداداً للقتال، متسائلاً: فهل كان هناك صالح حقيقياً؟.
وأفاد التقرير بان مخبرين مدفوعي الأجر، كما وصفهم- نجحوا في الوصول إلى الرئيس، ليواصلوا بيع قصص عن صالح وهو يمزح حول قدرته على خداع الأمريكيين، مردفاً التقرير: "كانت الحاجة للتغيير واضحة، التحذيرات التي أطلقها كراجيسكي لم تلقى أي استجابة، كرر السفير الأمريكي تحذيراته وصالح يهز رأسه لكن لم يظهر أي عمل.
وتابعت الصحيفة الأميركية بالقول: خرج الفساد عن نطاق السيطرة حيث كان ضباط الجيش يشترون الديزل المدعوم من الدولة قبل تهريبه إلى خارج البلاد لبيعه بأسعار أفضل، كما أن هناك أفراداً من جهاز الأمن القومي- الذي دعمت الولايات المتحدة إنشائه في عام 2002 على أمل أن يحل محل جهاز الأمن السياسي المخترق من الجهاديين- كانوا متورطين بعمق في تهريب الديزل مثل نظرائهم في جهاز الأمن السياسي، ونفس الشيء بالنسبة ليحيى صالح، ابن شقيق الرئيس صالح، وضباطه في قوات الأمن المركزي، التي أيضاً حصلت على تمويل وتدريب أمريكي حسب " فورين بوليسي ".
وأضافت الصحيفة انه في أوائل أكتوبر 2005، قبل شهر من رحلة صالح إلى الولايات المتحدة، كشف كراجيسكي عن انتقاداته وقال لصحيفة معارضة إن الإصلاح الديمقراطي في اليمن قد "توقف"، وعلقت بالقول: فإذا كان السفير المُستجد يبحث عن استجابة، لم يكن عليه الانتظار طويلاً. ففي اليوم التالي، تعرض لهجوم شرس من قبل كُتاب أعمدة الصحف الرسمية والصحفيين في الصحف والتلفزيون الرسمي، محذرين إياه من التدخل في الشؤون الداخلية لليمن.
هذا الجهد المركز والرسالة شبه الجماعية – حسب تقرير " فورين بوليسي ". - تكشف عن توجيه من الأعلى وعلى ما يبدو أن الولايات المتحدة كانت في الأخير تهتم بصالح، لكن صالح لم يأبه برسالة كراجيسكي. وبرغم تلميحاته الدقيقة ومحاولاته، فقد فشل كرايسكي على ما يبدو في توصيل فكرة تغير السياسة الأمريكية إلى الرجل حسب التقرير، منوهاً إلى أن صالح عندما غادر إلى واشنطن في مطلع نوفمبر، كان يتوقع مكافئته كحليف وثيق لا غنى عنه وفي الأربع السنوات التالية للقائه الأول مع الرئيس بوش، نفذ كل شيء كانت تريده الولايات المتحدة، فقد قتل أو سجن جميع قادة القاعدة المدونة أسمائهم في القائمة التي سلمتها إليه وكالة المخابرات المركزية في عام 2001 ولم يحدث هناك أي هجوم إرهابي منذ تفجير السفينة ليمبورغ قبل ثلاث سنوات وكان يتعامل مع كل تهديد أمني كان يبرز.
وفي بداية عام 2005، عندما ظهرت خلية قارصة من المتشددين يهددون السفارة الأمريكية في صنعاء وأجبروها على إغلاق أبوابها لفترة وجيزة، نجحت قوات صالح في اعتقال رجال الخلية في غضون أيام. وقال صالح للسفارة: "لقد استجبت لكم فورا عندما كنتم بحاجة إلي" حسب الصحيفة ذاتها.
وواصلت الصحيفة في تقريرها بالقول: كان لدى الرئيس اليمني الماكر عدة أفكار بشأن كيف يمكن لبوش أن يعيد تمويله مقابل يقظته ورده السريع؛ إذ في مخيلة صالح أن رحلة واشنطن كانت فترة تسوق وإنه سلم قرص سيدي يحتوي على قائمة رغباته، فالحرب الأخرى ضد الإنفصاليين الحوثيين في الشمال، وهي الثالثة في عدة سنوات، كانت مجرد البداية، فالرئيس يحتاج إلى إعادة تجديد ترسانته، ملخصة قولها: " لقد ساعد الأمريكيين ضد القاعدة والآن أراد مساعدته ضد إرهابييه الخاصين".
وأشارت الصحيفة إلى فرار 23 مشتبهاً بالإرتباط بالقاعدة عبر نفق من سجن مطوق بالحراسة في صنعاء إلى مسجد مجاور، وذلك في 3 فبراير 2006 بعد أسابيع من زيارة صالح "الكارثية" إلى واشنطن كما وصفها التقرير، مشيراً إلى أن العملية جاءت بعدما تم تخفيض المساعدات الأمنية الأمريكية إلى 4.6 مليون دولار، وكان مرجع ذلك هو قرارها بأن القاعدة في اليمن لم تعد تشكل تهديداً وأن بإمكان الولايات المتحدة وضع أموالها ومواردها في مكان آخر، تم تغييب القاعدة واليمن كانت واحدة من أفقر البلدان.
وفي هذا السياق أفاد التقرير بان الولايات المتحدة استنتجت بسرعة بأن السجناء الفارين قد تلقوا مساعدة من داخل السجن، فعملية حفر 50 ياردة من زنزانة السجن إلى حمام النساء في المسجد المجاور كانت صعباً للغاية.
وقال التقرير: بعض المسئولين في واشنطن توقعوا أن عملية الهروب من السجن كانت رداً من صالح على قطع المساعدات قبل أربعة أشهر. وآخرون خمنوا بأن حراساً متعاطفين غضوا الطرف ببساطة عن أي دليل للحفر. وبغض النظر عمن يقف وراء عملية الهروب من السجن، فقد عادت القاعدة حينها تشكل تهديداً كبيراً وعلى مدى الأشهر التالية اضطرت الولايات المتحدة إلى توجيه اهتمامها وصب المساعدات المالية إلى اليمن.
ووفقاً للصحيفة فإن إدارة أوباما عززت سقف المساعدات لليمن في عام 2009 ومرة أخرى في عام 2010، حتى اندلعت الاحتجاجات الشعبية في اليمن وأجبرت الولايات المتحدة على خفض التمويل والتخلي عن صالح تماماً في عام 2011.
وقال التقرير: فإذا المساعدة الأمريكية سحبت اليمن من حافة الهاوية هذه المرة، فذلك لسبب وحيد وهو أن علاقة الحب والكراهية بين واشنطن وصنعاء قد سمحت للقاعدة بتنظيم صفوفهما من جديد عندما أدارت واشنطن نظرها إلى مكان آخر.