فيلسوف الثورات يصرخ في وجه الشيطان واللجج العاتية
شَب الألم عن طوقه، ودوت في مسرح الحياة تراتيل الموجوعين، ودقت عقارب الأحداث مواعيدها المؤجلة: حان الآن موعد الخلاص من ألم المستبدين حسب توقيت الشعوب.!
فرصة أتت بها إرهاصات السنوات المجدبة، فارتأت الحشود ضرورة انجلاء الليل الجاثم على أزمنتها، وأنصف الحشود كباراً في الظل ما تعبت حناجرهم ولاجف حبر أقلامهم في سبيل تأصيل الخروج لإحقاق الحق.
عند الحديث عن الربيع العربي تقفزُ إلى المخيلة صورة الأديب والمفكر العربي عزمي بشارة، وتفسيراته لعمليات تحليل المركبات التي تمثلت في أنظمة الدول لمرافقته أحداث الثورات خطوة خطوة.
في أعماق الفلسطيني الذي يعيش في المنفى متنقلاً بين الدول هويةً عربية يبحث عن مجدديها في ملامح الثوار، لابد أن ترى طريقها إلى النور الذي ظل الطريق فعاثت العتمة في فؤاد الهوية ليتمزق نياط قلب الفيلسوف الذي نشر كتاباً "أن تكون عربياً في أيامنا" مؤكداً بأن «أن تكون عروبيا لا يعني أن تجعل الانتماء إلى القومية أساسا للمواطنة، بل يعني أن العروبة أساس حق تقرير المصير وبناء الدولة».
يعد التشظي الممنهج الذي سيطر على الحالة العربية بشكل عام، كما يعد عملية جبرية بالنسبة للوضع الفلسطيني هماً يؤرق بشارة، خصوصاً التشظي العاطفي المنبثق عن اللجوء القسري إلى مخيمات خارج الوطن.
في عمله الروائي «حبٌ في منطقة الظل» أظهر بشارة هذه الحالة علاوة على الهوية الدينية المتراجعة، يتساءل أحد شخوص الرواية: لماذا يزداد المتدينون عددا دون أن تزداد مخافة الله كما كان الدين (أيام زمان)!؟
في أحدث كتاب لبشارة تحدث عن القابلية للثورة بفلسفة عميقة إذ القابلية تعني الوعي بأن وضع المعاناة هو حالة من الظلم، أي الوعي بأن المعاناة ليست مبررة ولا هي حالة طبيعية معطاة، ووعي إمكانية الفعل ضده في الوقت نفسه.
أحياناً حتى المصطلحات تَتَولد من أخرى. بالمنطق الفيزيائي لنيوتن: لكل فعل ردة فعل تساويه في القوة وتوازيه في الاتجاه.. وبالتقريب تكون الثورات ردة فعل طبيعية على فعل الاستبداد.
يقول بشارة في سياق الحديث عن الثورات العربية والديمقراطية "هدف الديمقراطية واضح، ولا يجوز البدء من الصفر كأن العرب يخترعون شيئاً جديداً. فهنالك حد أدنى أصبح معروفاً لتحديد هل إن نظاماً ما ديمقراطي أم لا. ولكن السؤال الكبير هو عن كيفية التحول الديمقراطي. هنا تبرز خصوصية كل بلد. وهنا يصح الإبداع. وهنالك علاقة مباشرة للثورة وخصوصيتها بعملية التحول نحو الديمقراطية".
التجوال في كنف أعمال الدكتور عزمي بشارة كفيل بإسقاط ذروات تلك الاعمال على الواقع العربي بحذافيره، قبل الولوج إلى عمق كتابٍ ما احرص على التأمل في عتباته العنوان مثلاً، فخلايا الدماغ سرعة الحفظ للتأويلات المستلهمة من أغلفة الكتب، على هذا الأساس تستطيع أن تستوحي تحريضاً لاستبدال فعل بفعل.