هل سيُذبح«قانون» الدولة بـسكين الوالد الشيخ!!؟
يلتف الغموض حول خواصر أدوار مراكز النفوذ القبلي في حقبة ما بعد صالح، كما يلتف حزام العسيب حول خاصرة الشيخ..
في مؤسسة اليتيم بالعاصمة صنعاء جلس مشائخ التحالف القبلي السبت الفائت صفوفاً متراصة قبل قيامهم احتراماً للنشيد الوطني، ولكن الصدفة حاكت الواقع بصور مقلوبة.على أحد الجدران صورة لطفل يبكي وكأنه يخاطب المشائخ بضرورة استشعار اليُتم إن مات نفوذهم في التدخل السياسي ومخالفة القانون برحيل صالح، بالرغم من النعرات التي يثيرها أنصار الرئيس السابق.
يدور الحديث حول الدور القادم لمشائخ القبائل، لا عن دور القبيلة اليمنية في صناعة الأحداث اليمنية بتفاصيلها الصغيرة والكبيرة على السواء.
بيد أن قُطب القبيلة (شيخها) قد عَمل على اختزال القبيلة في موقفه، وهو الحادي الذي يدق طبول الحرب متى شاء، والحمامة التي تصنع السلام بهديل أوامره؛ ولكن مقتضى السياسة تخلط حابل القبيلة بنابل الدولة، كما روض صالح رؤوس القبائل في سنوات حكمه على هذه السياسة المقيتة لضمان ولاء الاحتشاد عند الحاجة إليهم.
ذهب صالح لكن الإرث القبلي ما يزال باقياً، ولم يتم تحديد الطريقة السلسة لتقويض دور الرجل الأول فيها.
ويحاول شيوخ القبيلة أن يستردوا مفاتن أدوارهم بعد تكفُل ثورة 2011 بالتقويض الواضح لسلوكيات الشيخ، حيث أن من يوالي الثورة يكون مجبوراً على التمسك بالسلم، فيما كانت الثورة بمثابة المراقب على مناوئيها واستطاعت أن تضع حداً للتباهي بالسلوكيات المُخالفة لسلطة القانون، أو المجاهرة بها.
بحثاً عن دور جديد لمشائخ القبائل في حقبة ما بعد صالح.
في سبعينيات القرن الماضي تحديداً من 1974 حتى 1977م (فترة حكم الحمدي) عمل الرجل على تقويض نفوذ المشائخ القبليين بشكل مفاجئ بعد أن كادت تكون القبيلة محل الدولة. ولأن الحمدي حمل على عاتقه مشاريع جمة تم اغتياله في 11 أكتوبر 1977م. ولا يمكن إغفال التقويض القبلي في عملية الاغتيال كأحد الأسباب التي أدت إلى رحيل ابراهيم الحمدي.
لم يدُم أحمد الغشمي طويلاً بعد الحمدي، إذ وصل إلى سدة الحكم علي عبدالله صالح على أنقاض جريمتين. وتمكن بأساليبه من صنع سياج قبلي لحماية الكرسي لمدة ثلاثة عقود.
شجع صالح القبيلة على حساب الدولة، ولا يزال اليمنيون يتذكرون محاولة اغتيال رئيس الوزراء الدكتور حسن مكي عام 1994 والتي راح ضحيتها سبعة من مرافقيه وأصيب مكي بجروح من قبل مرافقي الشيخ الشائف الأب.. ضاع القانون وظهرت أداة ذبحه. ووفقاً للعرف تم دفن قضية مهمة عبر ذبح (100 ثور) إرضاءً لرئيس الوزراء بمقترح من رئيس الجمهورية حينها علي صالح.
إلى الآن يثبت «أنصار صالح» من المشائخ أنهم الفصيل الأكثر توقاً للنفوذ الشخصي عبر اللقب القبلي، إذ تحول مجلس النواب في الفترة الأخيرة إلى خشبة استعراض لمن يأتي إلى المجلس بمسلحين أكثر.
في يوليو المنصرم تعرض وزراء للتهديد تحت القبة التشريعية من قبل بعض المشائخ بألفاظ تحمل طابعا مناطقيا، كان لابد للقانون أن يحضر وهو ما تم بعدما كلفت الحكومة الانتقالية وزارة الشئون القانونية بتحريك دعوى قضائية لرفع الحصانة البرلمانية عن المسيء، ولكن تم إخفاء القضية بعد اعتذار بسيط من الشائف وتم التنازل عن الحق القانوني مقابل «رغبة الوالد الشيخ» حسب لغة الاعتذار.
ورغم أن تاريخ صالح يؤكد أن استتمراريته في الحكم قامت على استغلال نفوذ المشائخ استغلالاً سيئاً، إلا أنه استخدم وسيلةً أخرى لإشعال الحروبات الدائمة فيما بينها كي يستطيع السيطرة على القبيلة وضمها إلى حضيرته؛ ولكنه في نفس الوقت عمل على تقوية قبيلة على أختها كي تستمر دفة الصراع.
وقد عبر رئيس البرلمان اليمني عن سياسة صالح صراحةً حسب ما قاله في تصريح مُسرب: «قبيلي يندع قبيلي والدولة تفرع»، وهو ما معناه صناعة المماحكات بين القبائل من أجل أن تظل جميعها مشغولة ببعضها عن الدولة والتطلع إلى التغيير ونيل الحقوق.
وتعد صناعة المماحكات القبلية أسلوباً قديما استخدمته ملوك العرب، وزاد استخدامه في العصرين العباسي والأموي، وهناك حكايات شهيرة عن تدابير الملوك للسيطرة على الرعية.
اجتمعت قبيلة نزار وأخرى يمنية أمام باب أبي جعفر المنصور وهي متنكرة له للوثوب عليه، وبعد أن احتار الخليفة العباسي استعان بأحد حواشيه قام بحيلة صغيرة خلاصتها أنه مر بين صفي القبائل وقال له أحدهم من هناك: أيهم أشرف: نزار أم اليمن؟ ووكان ذلك سببا للاشتباك بين الفريقين وأن يحكم بينهما المنصور.
مذبذبين إلى صف صالح
أفصحت الثورة السلمية عن قابلية القبيلة للتمدن رغم خروجها عن السياق أحياناً، وبالقدر نفسه عملت على تعرية بعض المشائخ الذين كانوا حلقة وصل بين صالح ومعارضيه قبل اندلاع شرارة الثورة التي أحرقت حلقة الوصل فتحوَل بعض «الإمعات» المذبذبين إلى صف صالح نكايةً بشيوخ مماثلين أو مراكز قوى أعلنت التأييد الكامل للثورة.
لقد كشفت عن تأرجح مواقف المشائخ بين المؤيد والموالي المتعصب لصالح الذي يعمل على ضرب الثورة.
منطقياً تُعد القبيلة إحدى المكونات الاجتماعية التي بدأت تنخرط في العمل السياسي في اليمن، كما كانت هاجساً في ذهن صالح جعلته يعمل الكثير من أجل مراضاته. انخرطت القبيلة في ثورة الشباب السلمية وأعلن الكثير من المشائخ ولاءهم للثورة والاستعداد التام للتنزه في الشوارع العامة بلا أسلحة.