لماذا تنكر الرئيس هادي لمواقف السعودية واتجه نحو إيران؟!
فجأةً، اختفت حدية الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي من قاموس خطاباته وتصريحاته تجاه جمهورية إيران الإسلامية، وبات يخطِب ودها ويتقرب إليها بإرسال الموفدين وإهداء التحايا إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، بدلاً عن رفضه في فترة سابقة، القبول بمجرد لقاء رسمي مع وفد إيراني وصل اليمن أو فتح أي قنوات دبلوماسية للتواصل.
وهذا التغيير الجذري في مواقف الرئيس هادي، لا يمكن النظر إليها بمعزل عن التطورات الأخيرة في البلاد، والتي انتهت بسيطرة جماعة الحوثيين المسلحة -حليفة إيران- على زمام الأمور ليصل الحد بها إلى أن تفرض حصاراً مطبقاً على الرئيس ذاته وتجعله حبيس قصره.
وعند دخول أول مسلح حوثي للعاصمة صنعاء، وتلويحه بآليته (الكلاشينكوف) في الهواء تعبيراً عن الانتصار، كانت أسارير الإيرانيين تتهلل، كونها انفراجة أولى لانقشاع غمامة الأزمة الدبلوماسية بين الدولتين التي استمرت ما يربو عن عقدين عاشت ذروتها أثناء حكم هادي، والطريق الأولى ليصبح هذا الجزء الجغرافي الهام حليفاً استراتيجياً، وبداية مهمة لتتحول إيران في نظر الرئيس الحالي من أداة قتل لليمنيين إلى حمامة للسلام.
حدية تتجاوز الأعراف الدبلوماسية
"على إيران أن ترفع يدها عن اليمن"، رددها الرئيس هادي بغضب وهو يضرب بكفه اليمنى على طاولة كان يلقي من خلالها محاضرة طويلة لطلاب الكلية الحربية في العاصمة صنعاء، عقب انتخابه رئيساً لليمن بأيام فقط، وتحديداً منتصف يوليو 2012.
كان هذا التصريح الحاد، إيذاناً بانتهاء مرحلة حرب باردة بين الدولتين منذ عقدين من الزمن لم تجرؤ السلطات الرسمية السابقة على البوح بها عدا تلميحات وإيماءات. فيما أتى هادي وأظهر هذا الخلاف للعلن.
وصف هادي حينذاك تدخلات إيران بـ"التصرفات غير المسؤولة" وقال إن "اليمن صعب ولن يكون كما يفكرون مهما دفعوا من فلوس ومهما عملوا مع ضعفاء النفوس". وأضاف:" نقول لهم إلى هنا وكفى، فلديهم اليوم خمس قنوات تتكلم عن اليمن ليل نهار ونقول لهم هذه القنوات تكفيكم في التدخل بشؤون اليمن".
ولوح هادي بإجراءات "صعبة" ضد هذا التدخل، وقال مخاطباً السلطات الإيرانية: إن اليمن لن يكون ألعوبة في أيديكموستدفعون الثمن غالياً تجاه هذا التصرف غير المسؤول".
هادي يتفقد شحنة سفينة جيهان 1 ، Feb 27, 2013
عقب هذه المحاضرة، لم يخلُ خطاباً رسمياً لهادي، أذاعته وسائل الإعلام، إلا وتحدث فيه عن تدخلات إيران في البلاد، سواء كان حديثه ذلك تصريحاً أو تلميحاً، وسواء أُلقي هذا الخطاب في الداخل أو الخارج.
في أغسطس 2012 رفض الرئيس اليمني حضور مؤتمر دول عدم الانحياز الذي استضافته طهران، بالرغم من تسلّمه دعوة لحضور المؤتمر؛ وفضل عدم المشاركة واكتفى بتمثيل متواضع رأسه القائم بأعمال السفارة اليمنية في طهران.
كان هذا –أيضاً- بذريعة تدخل طهران في شؤون اليمن.
وفي سبتمبر من العام نفسه، رفض هادي طلباً للرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، بمقابلته على هامش اجتماعات الدورة الـ67 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
ونقلت قناة العربية، حينها، عن مصدر رئاسي قوله إن أحد أعضاء الوفد الإيراني أبلغ مسؤولاً في الوفد اليمني طلب الرئيس نجاد اللقاء بالرئيس هادي، غير أن الأخير اعتذر عن تلبية الطلب، معللاً بأنه لا يمكن حدوث أي لقاء رئاسي، أو أي لقاء آخر، قبل أن تكفّ طهران عن تدخلاتها في الشأن اليمني من خلال ما تقدمه من دعم سياسي ومالي وعسكري لجماعة الحوثي ولفصائل في الحراك الجنوبي، فضلاً عن الإستقطابات التي برزت مؤخراً لسياسيين وإعلاميين يمنيين من خارج هذين الإطارين، حسب المصدر.
ووصل الحد بهادي إلى أن رفض مقابلة وفد إيراني ترأسه وزير الطاقة الإيراني مسعود حسيني، بالرغم من مجيئه إلى صنعاء نهاية يونيو في العام 2012، لبحث موضوع إعلان السلطات الأمنية في اليمن إلقاءها القبض على خلية تجسس إيرانية.
ويبرر سياسيون حماس هادي ذلك ضد إيران بأبعادٍ سياسية أخرى ، هدفها إيصال رسائل إلى المملكة العربية السعودية كي تمنحه الثقة والدعم أثناء فترة حكمه.
لكنهم مع ذلك، يعتبرون مبالغته تلك تصرفاُ غير حكيم، وتجاوزاً لكل الأعراف الدبلوماسية المنظمة حتى للخلاف. وما جرى ويجري حالياً من تقارب ودّي أثبت خطأ سياساته.
صداقة حميمة بعد خصومة عميقة
ليس ما ذكر فقط يثير الاستغراب، بل إن التغيير الفجائي لهادي في علاقته مع إيران يضع الكثير من علامات الاستفهام ويضع أمام المراقب تفسيراً واحداً لذلك، وهو أن العصا الغليظة للحوثيين هي من أجبرته على تغيير قراراته إزاء كثير من السياسات المرتبطة بتلك الدولة.
ففي حين كان يرفض هادي استقبال أي وفد إيراني. بادر عقب استيلاء الحوثيين على العاصمة ومحاصرة منزله، إلى دعوة سلطنة عمان للتوسط والضغط على جماعة الحوثيين بالقبول ببعض القرارات من ضمنها تقسيم الأقاليم، وفقا لما نقلت صحيفة "الحياة" اللندنية.
وبعد رفض اليمن وجود سفير لإيران فيها منذ أكثر من عامين. قبِل الرئيس هادي عقب سيطرة الحوثيين على العاصمة بفترة وجيزة فقط، بسفير إيراني يدعى سيد حسين نام، واستقبله استقبالاً حاراً في قصره أثناء تسلمه أوراق اعتماده سفيراً بصنعاء.
هادي يستقبل السفير الإيراني الجديد بصنعاء سيد حسين ، Dec 17, 2014
أضف إلى ذلك أن نقل هادي عبر سيد حسين تحاياه للرئيس الإيراني وللمرشد الأعلى علي خامنئي.
كما أبدى هادي في اللقاء اهتمامه بصحة السفير، وحاول الاطمئنان على صحته بعد عملية تفجير استهدفت سكنه بالعاصمة.
ودعا إيران إلى الاستثمار في اليمن وتطوير العلاقات على الأساس المتعارف عليه بين الشعوب، وفقاً لما نشرت وكالة "سبأ" الحكومية.
وقال هادي إن العلاقة مع ايران يجب أن تنسجم على أساس القنوات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية بين الدولتين وعلى مستوى الدولة والحكومة وليس على مستوى العلاقة مع الأحزاب أو الجماعات أو المليشيات أيا كان اتجاهها او نهجها، في إشارة منه إلى العلاقة السابقة والدعم الإيراني المقدم لجماعة الحوثيين والحراك الجنوبي.
ولم يكتف بعرضه لفرص الاسثمار فحسب؛ بل ألمح إلى رغبته الجادة بالدخول في تحالف إيراني، حيث قال: إنها (إيران) دولة إقليمية كبيرة ولها مصالح ونحن في اليمن دولة وحكومة نستطيع حماية المصالح المشتركة والاستثمارات.
وبلقاء هادي بالسفير الإيراني، كان البلدان يًنهيان سنوات من القطيعة الدبلوماسية، لتتحول اليمن وقيادتها السياسية أحد الحلفاء الجدد للمشروع الإيراني.
واحتفت السلطات الإيرانية كثيراً بسيطرة جماعة الحوثيين المسلحة على العاصمة صنعاء ومؤسسات الدولة اليمنية، حيث اعتبر مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني، علي رضا زاكاني، المقرب من المرشد الإيراني علي خامنئي أن العاصمة اليمنية أصبحت العاصمة العربية الرابعة التابعة لإيران بعد كل من بيروت ودمشق وبغداد.
وقال زاكاني عقب يوم واحد فقط من سقوط صنعاء، إن ثورة الحوثيين في اليمن هي امتداد للثورة الخمينية. وهذا بالتأكيد يتنافى مع ما كانت تؤكده إيران من عدم أي ارتباط لها بجماعة الحوثيين أو من يُعرفون أنفسهم حالياً بـ"أنصار الله".
كما ضحى هادي بعلاقته بالسعودية بعد أن ملأ خزانته بالأموال وسلك طريقا وعراً وفق نصيحة سلفه صالح وأتجه لإيران ظناً منه انها قادرة على حمايته ودعمه أسوة بما حصل للرئيس السوري بشار الاسد الذي صمد رغم كل الظروف التي عصفت به ،، إلا أن هادي أخطأ التقدير حيت أن ظروف حكم وكذا خلفية وانتماء بشار الديني للعلويين يختلف كلياً عن ظروفه وخلفيته الغامضة بالنسبة للايرانيين مما يجعل وثوق إيران الكامل فيه ودعمها اللامحدود له أسوة ببشار أمراً صعباً ،،، فهي تعتبر هادي عبارة عن جسر لمرحلة معينة لا أكثر ولن يطول الوقت كثيرا حتى تعلن لحظة التخلص منه.
جريرة إيران بحق اليمنيين
يجري الحديث، هنا في اليمن، عن جمهورية إيران الإسلامية، في معرض أنها الدولة الرئيسية التي تصدر الموت لليمنيين بالمجان، وتساهم في قتلهم وتجزئتهم من خلال دعم غير محدود لجماعات العنف والإرهاب في البلد.
شحنات الأسلحة التي ضبطتها السلطات الأمنية، كانت تعزز من قناعة المواطنين العاديين بوجهة النظر هذه، وأشهر تلك الشحنات سفينة "جيهان1" التي ضبطت في الـ23 من يناير 2013 وبإسناد من القوات الدولية وذلك عند دخولها المياه الإقليمية اليمنية الشرقية بمحافظة المهرة.
قال وزير الداخلية اليمني الأسبق اللواء دكتور عبدالقادر قحطان عنها إنها تمثل شحنة «في غاية الخطورة»، لما احتوته من متفجرات لو وضعت في أحياء سكنية لكانت كافية لقتل الملايين من أبناء اليمن.
وفي مؤتمر صحفي عقده قحطان في العاصمة صنعاء بخصوص هذا الموضوع، قال إن الشعب اليمني شعب مسلم يحتاج إلى شحنات من الأغذية لا شحنات من الأسلحة والمتفجرات.
وقُبض على متن السفينة 8 بحارة يمنيين قال الوزير إنهم رهن التحقيق، مؤكداً قدوم السفينة من موانئ إيرانية، كما أن غالبية الأسلحة كالصواريخ والنواظير الليلة كلها مكتوب عليها طابع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
واحتوت السفينة على كميات هائلة ومرعبة من المتفجرات والألغام وأسلحة متطورة وذخائر وآلات قتل أخرى فتاكة.
الرئيس اليمني وخلال محاضرة ألقاها في الولايات المتحدة أكد أن إيران تدعم تيارا متشددا مسلحا مطالبا بالانفصال في الحراك الجنوبي.
كما قال هادي في الولايات المتحدة، إنه «تم الكشف عن خمس شبكات تجسسية تعمل لصالح إيران وتمت إحالتها سابقا إلى القضاء». ومؤخرا تم الكشف عن شبكة سادسة.
لكن إيران مابرحت ترد بالنفي على كل تصريحات المسؤولين اليمنيين، وقال الناطق باسم الخارجية الإيرانية رامين مهمان باراست، إن «طرح مثل هذه الادعاءات لن يحل مشكلات اليمن، وعلى المسؤولين في الحكومة اليمنية أن يسعوا لسماع صوت وطلبات الناس لتحقيق هذه الطلبات، فهذه الادعاءات ليست صحيحة».
وكانت وزارة الدفاع اليمنية أعلنت في موقعها الرسمي أنه تم الكشف عن خلية من الجواسيس الإيرانيين كانوا يستوردون أجهزة عسكرية إلى اليمن.
ويفيد خبر وزارة الدفاع بأن أعضاء هذه الشبكة كانوا يقصدون تدشين مصنع في اليمن باعتبارهم مستثمرين إيرانيين. ورغم أن وزارة الدفاع اليمنية لم تكشف عن هوية هؤلاء، لكن مصادر أمنية كشفت بأن جلهم من أعضاء الحرس الثوري الإيراني، الذين تم الإفراج عنهم، مؤخراً، بالقوة من قبل المسلحين الحوثيين.
واتُهمت إيران بإقامة معسكرات تدريب في إحدى الدول الأفريقية المجاورة لليمن، بهدف تجنيد عناصر من جماعة الحوثيين والحراك الانفصالي المسلح، إضافة إلى ابتعاثها للعديد منهم إلى لبنان بهدف تدريبهم على أيدي عناصر من حزب الله.
وزادت على ذلك بأن دربت إعلاميين، وموّلت قنوات تابعة لهم وبإشراف خبراء إيرانيين، كما غادر إليها نخبة من السياسيين والوجهاء لشراء ولاءاتهم واستخدامهم سياسياً وأمنياً.
وطوال هذه الفترة لم تكن نظرة اليمنيين إلى السلطات الإيرانية سوى أنها أحد الأيادي الخبيثة التي تعبث في البلد وكانت سبباً رئيساً فيما وصلت إليه الأحوال بمختلف المجالات.
عينُ إيران على الأمن والموانيء
وعند السؤال عن المقابل الذي ستحصل عليه إيران إزاء تضحيتها في اليمن، لا يتطلب للإجابة على هذا جهداً كبيراً، فموقع اليمن الجغرافي المسيطر على أهم المضائق الدولية إضافة إلى مجاورتها لأكثر الدول خصومة لها وهي المملكة العربية السعودية، عوامل مغرية يسيل لها اللعاب الإيراني.
ولا تتجاهل إيران أيضاً، وهي الخبيرة في هذا المجال، المؤهلات الاقتصادية والتنموية لليمن، ذات المخزون النفطي الهائل والأرض الغاية في الخصوبة والشاطيء الأطول والأكثر ثراءً.
وتضع إيران عينها حالياً، عقب انقلاب الموازين لصالحها في صنعاء، على الجانب الأمني وعلى موانئ البلاد الهامة.
حيث أولى السفير الجديد من أول وهلة له وعقب استكمال إجراءات تعيينه، هذين الجانبين الأولوية القصوى.
ولأجل ذلك عقد السفير أول لقاء له بعد نيل الثقة، نهاية ديسمبر المنصرم، لقاء سرياً بوزير الداخلية اليمني اللواء جلال الرويشان وناقش معه أوجه التعاون بين البلدين في الجانب الأمني.
وأبدى السفير استعداد بلاده معاونة اليمن في مجال مكافحة الإرهاب والمخدرات.
وزير الداخلية جلال الرويشان يلتقي السفير الإيراني الجديد بصنعاء سيد حسين ، Dec 28, 2014
وبهذا اللقاء تكون إيران قد ضمنت تواجدها في الأجهزة الأمنية، بالتزامن مع اختراق واسع من قبل جماعة الحوثيين الموالية لها لتلك الأجهزة، من خلال موافقة هادي بدمج مليشيات الجماعة المسلحة فيها.
ولم يتأخر السفير في السعي حثيثاً لتحقيق هدفهم الثاني بوضع موطأ قدم لهم على الموانئ والشواطئ اليمنية، حيث غادر مسرعاً إلى محافظة عدن جنوبي اليمن، المنطقة التي تمتلك ميناء كان في فترة سابقة من أوائل موانئ العالم وأكثرها أهمية.
وافتتح السفير في أول يوم من عامه الجديد، عمله بلقاء مع محافظ محافظة عدن الدكتورعبدالعزيز بن حبتور بحث معه فرص ومزايا الاستثمارات المتاحة أمام الشركات الإيرانية في مدينة عدن ومنطقتها الحرة.
ولم يتمنّع الأخير في القبول بذلك، وأبدى استعداد السلطة المحلية تقديم كافة التسهيلات والدعم لأي اسثمارات في عدن، وفقاً لما نشرته وكالة "سبأ" الحكومية.
وفي حال نجاح خطة إيران في اليمن، سيكون من الصعب على اليمنيين أنفسهم أو على الدول الشقيقة، استعادة القرار الفعلي لليمنيين، وسيكون الرئيس اليمني الحالي عبدربه منصور هادي أكثر الرؤساء حدية تجاهها وأول المتواطئين في توطيد أعمدتها بمنطقة الشرق الأوسط.
كما أن امتلاك إيران للقرار لن يقتصر على مستوى إقليمي فحسب ؛ بل سيمتد ليشمل العالم بأسره.
المصدر: مندب برس
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها