ما أصل عبارة "كان يا مكان"؟
معروف أنّ استهلال الحكاية كان حكاية بحدّ ذاته، ففي الموروث الشفوي تطالعنا مقدّمات طويلة للحكايات والسير، مبعثها اجتماعي، يعود إلى بيئة الراوي والمستمعين، الذين كانوا لا يملكون سوى الحكايات أنيساً لجلسات سمرهم، وكانوا يعمدون إلى تطويلها قدر الإمكان كي يتمكنوا من قتل الوقت والملل.
حين باتت أوقات الفراغ والسمر أقصر، تقلّص هامش المقدّمة، وباتت تختصر بجملة اطولها التالية: كان يا مكان، يا مستمعين الكلام، الآن نحكي وبعد قليل ننام". تضاف إليها عبارات الصلاة والسلام على الرسول، التي يتمسّك بها الرواة المسلمون بالتأكيد.
مع الزمن، تقلّصت افتتاحية الحكاية، وباتت غالباً مقتصرة على عبارة "كان يا مكان".
ولكن قبل أن نسترسل في سرد الحكاية، أو الاستماع إليها هلا توقّفنا لحظة عند هذه العبارة الاستهلالية؟
ككثيرين غيري لم أتوقّف في طفولتي عند تحليل العبارة، كان يهمني ما يليها، الحكاية نفسها. ولكني لاحقاً، وأنا أدوّن الحكايات، انشغلت بأصل العبارة، وطريقة كتابتها. لم أقتنع أنها كما تكتب: كان يا مكان. لماذا علينا أن نخاطب المكان أو نناديه. صرت أحبّذ أن أكتبها كالتالي: كان يا ما كان. "يا ما" للإشارة إلى طول الأيام وتكرارها.
بعد سنوات، وفي إطار بحثي الدؤوب عن القصص الشعبية، وشغفي بإعادة حكاية الحكايات التراثية، عثرت في كتاب جمع الحكايات الشعبية القطرية أو الخليجية بنسختها القطرية من ألسنة الرواة والمواطنين القطريين، وفي مستهلّ احدى الحكايات وردت عبارة: "كان هناك رجل، وربما لم يكن"، تشير إلى أنّ الحكاية قد تكون حقيقة أو خيالية، حدثت أو لم تحدث. وقد عدت إلى كتب الحكايات الشامية، ووجدت في بعضها هذه الفكرة، التي يبدو أنني لم أتوقّف عندها بشكل تلقائي.
أصل العبارة الأقرب إلى المنطق هو التالي: كان أو ما كان. وفي العامية تتحوّل "أو" إلى "يا" التي لا تعني المخاطبة بالطبع.
هامش الترجيح هذا كان ضرورياً لمستمعين يؤمنون بكلّ ما يسمعونه من الراوي، ويلاحقونه بأسئلة واستفسارات إلى بيته!
نقلا عن العربي الجديد
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها