الجوع ينهش أحشاء اليمنيين

تعيش الأرملة سامية سلطان مع أولادها في منزل خلف زقاق بمنطقة الممدارة في عدن التي تعج بأحياء سكنية يغلب على سكانها سِمة البؤس والشقاء، كما تقول جمعيات خيرية إن حالة الفقر تشهد اتساعاً غير مسبوق.
خلف جدران منزلها المتصدع في مدينة عدن، تقف سامية سلطان البالغة 36 عاماً، حائرة لا تدري ماذا هي فاعلة لأجل إطعام أطفالها، فبعد أن كانت تعيش من معونة مالية متواضعة يقدمها أحد أقاربها، أصبحت الآن معدمة ينهش الجوع أحشاء أسرتها المكونة من تسعة أفراد جلهم أطفال.
منذ شهرين توقفت هذه المعونة، ولم يعد الوضع المادي لقريبها بأفضل من حالها أو حال آلاف الأسر اليمنية التي لحق بها داء الفقر، نتيجة الحروب الداخلية المتعددة والأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد منذ مطلع العام 2011.
وتعيش الأرملة سامية مع أولادها في منزل خلف زقاق بمنطقة الممدارة التي تعج بأحياء سكنية يغلب على سكانها سِمة البؤس والشقاء.
ويتكون منزلها من غرفتين مكسرة الأبواب إحداهما احتوت على فرش ممزقة ينام عليها أطفالها، وفي إحدى زواياها كُدست ملابس العائلة التي بدت بالية ومهترئة، فيما الغرفة الثانية فارغة إلا من جهاز تلفزيون لا يعمل.
حضرت دموع سامية بينما كانت تتلمس رأس أصغر أبنائها ذي الخمس سنين وهي تشكو للجزيرة نت من ضعف قدرتها المادية وظروفها المعيشية الصعبة التي عجزت أمامها عن تلبية إلحاح أطفالها بتغيير نوع الطعام الذي لا يكاد يتعدى الأرز الجاف ورغيف الخبز، والذي لم يتغير منذ أشهر.
حاولت الأم المكلومة ابتلاع غصة الأسى وعادت لتؤكد لنا أن أزمة أسرتها بدأت تتفاقم منذ نحو عامين، وتعمقت أكثر مع وفاة زوجها في حادث سير العام الماضي، الأمر الذي اضطر أكبر أبنائها (أصيل، 16 عاماً) للالتحاق بسوق العمل في سن مبكرة للعمل كبائع متجول.
ومع أن كل ما يجنيه أصيل لا يفي بأبسط الاحتياجات الضرورية للأسرة إذ إنه لا يتجاوز 15 ألف ريال في الشهر (نحو سبعين دولاراً)، تحاول أم أصيل بهذا المبلغ -إضافة إلى ما تجود به بعض المؤسسات الخيرية- مصارعة الفقر والمرض لتبقي على تماسك أسرتها.
اتساع الفقر
غادرنا منزل أم أصيل ومنتهى أحلامها إطعام أطفالها، ليؤكد لنا ناشطون حقوقيون أن معاناة هذه العائلة جزء من تفاقم الوضع الإنساني في اليمن جراء الصعوبات الاقتصادية التي تلقي بظلالها على الحياة اليومية للناس.
وقال الأمين العام المساعد لجمعية الإصلاح الخيرية بعدن ناصر علي البابكري إن حالة الفقر تشهد اتساعاً غير مسبوق، وإن عدداً غير قليل من الأسر المكتفية تلتحق باستمرار بشريحة الأسر المحتاجة جراء الصعوبات التي تمر بها البلاد.
وأشار -في حديث للجزيرة نت- إلى أن ارتفاع الأسعار وتراجع النشاط الاقتصادي وازدياد البطالة من أبرز العوامل التي تؤثر على حياة الناس الذين يواجهون صعوبات في توفير احتياجاتهم المعيشية الأساسية.
وأكد أن تلك الصعوبات أثرت أيضاً على العديد من المتبرعين الذين كانوا يقدمون المساعدات للمحتاجين وتراجعت مساهمتهم في هذا الجانب، وهو ما أضعف أيضاً أداء الجمعيات الأهلية.
الأمن الغذائي
وكانت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو" حذرت الأسبوع الماضي من تفاقم أزمة الأمن الغذائي في اليمن جراء الأوضاع المضطربة.
وأوضحت المنظمة أن واحداً من كل أربعة يمنيين يعاني سوء التغذية، وأن أكثر من نصف السكان لا يحصلون على ما يكفيهم من الغذاء.
ويرى الخبير الاقتصادي محمد الجماعي أن تحذير منظمة (فاو) لم يبتعد كثيراً عن تشخيص الواقع في ظل ما تعيشه اليمن من أوضاع اقتصادية سيئة بالنسبة لاقتصادها الكلي، مع انحدار الموارد الرئيسية إلى مستوى لم تشهده البلاد قبل هذه الفترة.
وقال -في حديث للجزيرة نت- إن هذا التحذير جاء متأخراً وغير كافٍ لتنبيه الأطراف الدولية ووضعها أمام كارثة اقتصادية وإنسانية وشيكة، لا سيما إذا وضعنا في الاعتبار استغلال أطراف عديدة لهذه الأزمات وتجنيد وقود حروبها من هذه الفئة الفقيرة التي تتفاقم يوماً بعد آخر وبشكل متسارع.
وأكد أن الوضع الاقتصادي السيئ لن تنجو منه اليمن بسهولة كانعكاس طبيعي للأوضاع السياسية والأمنية وأبرزها سيطرة المليشيات المسلحة على العاصمة صنعاء، وما سبق ذلك ورافقه من انخفاض إنتاج النفط والإيرادات الضريبية والجمركية.
وأضاف أن "هذا الوضع نتج عنه هروب مستثمرين وشركات تعدين ورجال أعمال يمنيين ونزوح الكثير من أرباب الأعمال الصغيرة والمتوسطة، فضلاً عن نزوح جماعي للأسر من صنعاء إلى محافظات أخرى عقب سيطرة جماعة الحوثيين على العاصمة صنعاء.
المصدر: الجزيرة نت
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها