تأخيـــر الحـــوار..هل سيحكم على اليمن بالتوافق المؤبد والوصاية الدائمة!؟
تكاد تكون جميع قضايا اليمني معلقة على مؤتمر الحوار الوطني المزمع عقده في منتصف نوفمبر القادم، والذي يتوقع أن يستغرق نحو خمسة أشهر إلى ستة أشهر -بحسب ما أوضحه محمد اليدومي في حواره مع الجزيرة الأربعاء الماضي.
وقد صدر القرار الجمهوري رقم (30) للعام 2012م يوم السبت 14-يوليو-2012 قاضيا «بإنشاء اللجنة الفنية للإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني الشامل»، وقوامها (25) شخصا. وبموجب هذا القرار عقدت اللجنة اجتماعها الأول في (5/8) وانتخبت عبدالكريم الإرياني رئيسا، وراقية عبدالقادر حميدان نائبا أول، وسلطان حزام العتواني نائبا ثانيا، وأحمد عوض مبارك مقررا، وأمل الباشا ناطقاً إعلامياً باسم اللجنة.
وترتكب قيادات الرأي العام وفي مقدمتها النخبة الصحفية والإعلامية خطأ جسيماً إن فقدت الثقة بجدية خطوات الحوار الوطني فانصرفت -بعد ذلك- إلى تجاهل تفاصيله ويومياته أو التعاطي السطحي معها.
ويزيد من عمق التعامل السلبي مع اللجنة أن وسائل الإعلام الرسمية ما تزال تقصر عملها على البروتوكول المتعلق بالجهات التي تحظى باهتمامها ممثلة على التوالي بـ: رئيس الجمهورية، قيادة السلطة التشريعية، قيادة السلطة القضائية، رئيس الوزراء وأعضاء حكومته، اللجنة العليا للانتخابات، وإن كانت الأخيرة غائبة في الوقت الحالي تبعا لغياب أنشطتها.
وتنص الفقرة (ج) من المادة الثالثة من قرار تشكيل اللجنة على «الشفافية، بحيث تكون كل وثائق مداولات مؤتمر الحوار الوطني علنية وتتوفر لكل الأطراف فور صدورها، ويتم تشجيع وتيسير المشاركة العامة طوال عملية الحوار».
ويبدو هذا التعامل السلبي على مستوى الإعلام الرسمي والأهلي الملفت انعكاسا لتفاصيل في خطوات مؤتمر الحوار ومؤشرات بدت مخيبة للآمال ولا تظهر جدية في السعي لمؤتمر الحوار.
والبداية في سلسلة هذه المؤشرات ترجع إلى بداية تشكيل اللجنة، حيث كان تشكيل اللجنة من تلك الأسماء بما تضمن من استبعاد لكثير من المكونات أمرا صادما لأطراف عدة. وتوالت -يومها- ردود الأفعال المنتقدة لتشكيل اللجنة والرافضة -تبعا لذلك- للتعامل مع اللجنة والحوار الوطني برمته، بما في ذلك ردود أفعال من تكتل اللقاء المشترك، وإن بشكل غير مباشر أو غير رسمي، وهو ما حمل رئيس الجمهورية للتطرق للقضية وتضمينها كلمته التي ألقاها في الكلية الحربية حين أوضح أن هذه اللجنة هي «لجنة فنية» وأنكر على تلك الأطراف فهمها لطبيعة اللجنة معتبرا أنها فهمت فهما خاطئا. وما إن تلاشت ردود الفعل المشار إليها على إثر تلك الكلمة حتى خرجت اللجنة بطرح وإقرار الاعتذار للجنوب عن حرب 94م والاعتذار لصعدة عن الحروب الست، وكان هذا أول «قرار سياسي» تتخذه «اللجنة الفنية».
وقام عبدالملك الحوثي بسحب ممثليه الاثنين من اللجنة (صالح هبرة، ومحمد عبدالسلام) وتعيين اثنين آخرين مكانهما (محمد ناصر البخيتي، والدكتور أحمد شرف الدين)، ولم يصدر بهما قرار جمهوري حتى الآن رغم أن اللجنة مشكلة بقرار جمهوري.
ولا يصح إضافة شخص إليها إلا بقرار جمهوري، وسواء كان هذا الشخص جديدا أو بديلا. وتنص الفقرة (هـ) من المادة الأولى في القرار الجمهوري بتشكيل اللجنة على أنه: «إذا استقال أي من الأعضاء المعينين بموجب هذا القرار أو لم يتمكن من أداء مهمته في اللجنة الفنية، يقوم رئيس الجمهورية في غضون أسبوع واحد بتعيين عضو بديل يمثل ذات المجموعة المشارك عنها ذلك العضو».
تمييع الحوار الوطني
وقالت الناطقة الرسمية للجنة يوم الأحد من الأسبوع الماضي إن اللجنة أقرت إدراج قضية زواج الصغيرات إلى القضايا التي سيناقشها مؤتمر الحوار. مضاعفة بذلك الانطباعات السلبية عن الحوار التي تكونت لدى قطاعات واسعة من الرأي العام.
وإزاء هذا التصريح غلبت على ردود الفعل تفسيرات اعتبرت أن إدراج مثل هذه القضايا مؤشر على الكيد السياسي الذي تمارسه لجنة يفترض أنها بصدد الإعداد لحوار وطني يخرج بحل شامل لقضايا اليمن الكبرى التي يترتب عليها المستقبل وينتهي بها الماضي بحمولاته ونقائضه التي صنعتها سياسة النظام العائلي لعلي صالح، وساعده على إنتاجها ظروف طبيعية أو مختلة، كما اعتبرتها مؤشرا على عدم جدية اللجنة في المضي نحو مؤتمر الحوار، وذهبت إلى أن الهدف من وقوف هذه اللجنة على تفاصيل مثيرة للجدل إنما هو تمييع الحوار الوطني برمته تنفيذا لأجندة ورغبات أطراف ترى مصلحتها في تمييع الحوار وتمييعه مضمونا وفترة زمنية، وربما إفشاله.
وفي تصريح لأمل الباشا نشرته على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) مساء الأحد من الأسبوع الفائت أدرجت عددا من القضايا الثقافية والاجتماعية التي يستحيل تناولها جميعا في أي مؤتمر للحوار، ومن بينها زواج الصغيرات.
الحوار الوطني.. الفرصة الأخيرة
ويرى كثير من السياسيين والمهتمين بالشأن العام أن مؤتمر الحوار الوطني هو الفرصة الذهبية والأخيرة لليمن للخروج من بين جدران أزماته والعبور إلى أرضية مستوية يتمكن أبناؤه من الوقوف عليها وبناء دولتهم الحديثة.
ويقول المحلل السياسي عبدالغني الإرياني: «وقد يصح أن يقال إن الحوار الوطني هو بمثابة الفرصة الأخيرة لليمنيين لوضع أسس جديدة لدولتهم ومستقبلهم».
وفي ورقة عمل قدمها إلى المؤتمر الأول للباحثين الأكاديميين والشباب حول «تحديات وأولويات اليمن في الفترة الانتقالية» الذي نظمه مركز أبعاد بصنعاء في 12 -13 /مايو من العام الجاري يحصر الإرياني القضايا التي وصفها بالـ»جوهرية» والتي يجب مناقشتها في مؤتمر الحوار و»ستحدد مصير هذا البلد» في ثلاث قضايا هي «القضية الجنوبية، قضية صعدة، شكل الدولة بما يستتبع شكل النظام السياسي».
مؤكدا أنه «يتقدم الحوار الوطني كلما تم تحديد القضايا التي سيتم نقاشها، بحيث لا يتم الخروج لنقاشات فرعية لا تتصل بالقضايا المحددة سلفاً..».
وبالنظر إلى عدد من القضايا التي سردتها أمل الباشا كأمثلة تشير إلى قضايا أخرى مماثلة لم تعلن عنها، يبدو وكأن مؤتمر الحوار سيتحول من مخرج لليمن يحرره من أزماته وأسباب فرقة أبنائه ومن الوصاية الخارجية إلى مدخل لمزيد من الأزمات ومزيد من الوصاية الخارجية، تماما على نحو المبادرة الخليجية التي نصت من ضمن بنودها على هذا المؤتمر، وقُدمت بمثابة مخرج سياسي لنقل السلطة وما يتبع ذلك من تغيير جذري في البلد، فإذا هي مقتصرة على نقل كرسي الرئاسة وبعض الوزارات مع إبقاء كل ما وراء ذلك على وضعه، مع فارق بسيط هو فرض الوصاية الخارجية بشكل مباشر ومعلن وأكثر وضوحا وفجاجة مما كان عليه الأمر سابقا.
ويقودنا هذا إلى القول بضرورة حصر مؤتمر الحوار في القضايا الكبرى التي ينبني عليها التغيير الشامل، وترك القضايا الأدنى -مهما كانت أهميتها- إلى المستقبل، ليتكفل بها مجلس النواب في دوراته القادمة التي سيأتي فيها منتخبا من الشعب وممثلا حقيقيا له.
ومبرر الانحصار في هذه القضايا هو ضرورة ضمان نجاح مؤتمر الحوار. إذ من المنطقي والبديهي أنه كلما ارتفع عدد القضايا المطروحة للحوار، وكلما زادت نسبة القضايا التفصيلية، ارتفعت بالمقابل نسبة فشل وتعثر مؤتمر الحوار.
وإلى ذلك، فإن القرارات التي سيخرج بها مؤتمر الحوار بشأن أي قضية يجب أن تكون قرارات نهائية بحيث لا تعود في المستقبل مجالا للنقاش من جديد، فضلا عن إمكانية تعرضها للتعديل أو النقض، لأنها مخرجات مؤتمر حوار وطني لا يمكن نقضها أو تعديلها إلا بمؤتمر حوار وطني مماثل. وحشر كل القضايا الثقافية والاجتماعية والإعلامية وغيرها في مؤتمر الحوار يعني تجميد المستقبل وإصدار قرارات غير قابلة للنقاش في قضايا تتجدد بتطور المجتمع.
قضايا على أجندة مؤتمر الحوار
وتتلخص أبرز القضايا الكبرى المطلوب انحصار التباحث حولها في:
- شكل الدولة وما إذا مركزية أم فيدرالية.. إلخ. وإن كانت فيدرالية فهناك نظام الحكم المحلي للمحافظات، واختياره يقتضي تحديد تفاصيله وتوابعه. وهناك نظام الفيدرالية على أكثر من إقليم، واختياره يقتضي تحديد عدد الأقاليم وما يتبع ذلك من أمور مالية وإدارية وعسكرية وأمنية.
وإذا لم يحسم شكل الدولة في هذا الحوار، فلا معنى لذلك سوى أن الدولة ستظل شكلية لعقود قادمة.
- شكل نظام الحكم: هناك شكلان معروفان لدى السياسيين من أشكال أنظمة الحكم، وهما: النظام الرئاسي، والنظام البرلماني.
ويتصل بشكل الدولة وشكل نظامها قضايا جوهرية كقضية الأخذ بنظام الغرفة (البرلمان) أو الغرفتين (البرلمان والشورى).
- الدستور، والحوار بشأنه سيفضي إلى الاتفاق على صياغة دستور جديد، أو الاكتفاء بإجراء تعديلات على الدستور الحالي، ويبدو أن الخيار الأخير هو ما تميل إليه أغلب المكونات.
- القضية الجنوبية وما يترتب عليها من تفاصيل.
- قضية صعدة وما يترتب عليها من تفاصيل، وفي مقدمتها حيازة جماعة الحوثي للسلاح المتوسط والثقيل الذي لا يصح حيازته من غير الدولة.
وبناء على ما تقدم، تبدو هناك مخرجات يمكن تنفيذها بشكل فوري، مثل ما يتعلق بالدستور، وصياغة الوعاء النظري والتشريعي لشكل النظام، وصياغة القوانين المنظمة والضامنة لعمل السلطات الثلاث.
وهناك مخرجات ومقررات ستتطلب عملا ميدانيا وخطوات تنفيذية طويلة، خاصة فيما يتعلق بحل القضية الجنوبية وقضية صعدة، وكذا التحول إلى الفيدرالية في حال إقرار هذا النظام، إذ أن إقرار التحول إلى الفيدرالية يقتضي توابع في المجالات الإدارية والمالية والعسكرية والأمنية، وذلك لا يمكن أن يتم بخطوة واحدة في يوم أو شهر أو حتى بضعة أشهر، وذات الأمر يقال في تفاصيل حل القضية الجنوبية وقضية صعدة.
وهنا يُطرح السؤال: من هي الجهة التي ستتولى تنفيذ هذه المقررات؟
وفي مقدمة الإجابة على هذا السؤال يأتي سؤال آخر خلاصته: هل سنحتاج لفترة انتقالية ثانية تتولى تنفيذ مقررات مؤتمر الحوار؟
وإن كان الأمر كذلك، فهل ستكون السلطة الحالية هي التي تدير المرحلة الانتقالية الثانية بالتمديد أو التجديد؟ أم أن الجهة التي ستتولى هذه المهمة هي السلطة القادمة التي ستفوز بالانتخابات القادمة، سواء كانت حزبا أو ائتلافا؟
وإن كانت هذه السلطة هي من ستتولى الأمر فمن يضمن ذلك؟ ومن سيشرف عليها؟ ومن سيقي�'م عملها؟ ومن سيحاسبها؟ وكيف ستنفذ برنامجها الذي انتخبها الشعب من أجله فيما هي ملزمة ببرنامج آخر (مقررات مؤتمر الحوار)!؟
وإذا كانت جهة أخرى هي التي ستتولى المهمة، فمن هي هذه الجهة؟ وإن افترضنا أن هذه الجهة هي لجنة سيجري تشكيلها من بين أعضاء مؤتمر الحوار، وكان الأمر مزيجا من الخيارين السابقين، أي أن السلطة المنتخبة هي من يتولى تنفيذ مقررات مؤتمر الحوار تحت إشراف تلك الجهة الأخرى (اللجنة المشار إليها افتراضاً)، فهل يعني هذا أن اليمن ستظل تُحكم وتدار في السنوات القادمة بسلطتين: سلطة منتخبة، وسلطة أخرى تمارس وصايتها على الأولى من أجل تنفيذ مقررات الحوار!؟
وبما أن مؤتمر الحوار سيجري برعاية خارجية، إقليمية ودولية، فهل يعني هذا استمرار الوصاية الخارجية حتى الانتهاء من تنفيذ مقررات مؤتمر الحوار التي ستستمر لسنوات!؟.<
مصلحة الخارج..
وبالتطرق لموقف الخارج، يمكن تلخيص مصلحة الأطراف الخارجية بالتالي: إن جاءت السلطة القادمة بما تهوى أنفسهم، فهو المطلوب بالنسبة لهم، وبهذا يضمنون استمرار سيطرتهم على القرار اليمني، ويحولون دون التغيير الذي خرجت الثورة من أجله. وإن جاءت بما لا تهوى أنفسهم، ضغطوا عليها وحكموها بمقررات الحوار الوطني، لتغدو -بذلك- منزوعة الصلاحية وغير قادرة على تنفيذ برنامجها السياسي الذي انتخبها الشعب من أجله.
هذا كله في حال الاقتصار على القضايا الكبرى المهمة المشار إليها سابقا، أما في حال إدراج القضايا الأخرى التي يمكن وصفها بالثانوية مقارنة بالأولى، مثل الحريات الصحفية وحق الحصول على المعلومة وزواج الصغيرات وما إلى ذلك، فإن الحوار الوطني قد يتطلب فترة زمنية أطول بكثير من الفترة المحددة أو المتوقعة، وربما يتعثر.
وفي حال نجاحه بعد إدراج كل تلك القضايا الموصوفة بالثانوية، فأي عمل وأي صلاحيات ستبقى في المستقبل للسلطات المنتخبة وأولها البرلمان الذي يفترض أن يكون هو الجهة المعنية بتناول مثل هذه القضايا والبت بشأنها..؟
تضارب حول بعض القضايا الكبرى
إضافة إلى القضايا الكبرى المشار إليها سابقا، هناك عدد من القضايا التي ينتظر الشعب اليمني حسمها، وهي هيكلة الجيش والأمن، والسجل الانتخابي. إلا أن هذه القضايا الواردة ضمن عمل اللجنة بحسب قرار إنشائها، وبحسب تصريحات للناطقة الإعلامية باسم اللجنة، تتعارض مع تصريحات لجمال بن عمر الذي قال في حوار لجريدة «عكاظ» السعودية في 9 مايو من العام الحالي وأورده الإرياني شاهدا على بعض ما ضمنه ورقته المذكورة سابقا: «ما نسعى إليه في الوقت الحاضر هو أن تكون جهودنا متوازية من ناحية المضي في هيكلة الجيش والإعداد لعملية الحوار».
وعلى أن كلام بن عمر صريح وواضح في تحديد وقت الهيكلة، وأن هذه العملية ستجري بالتوازي مع الإعداد للحوار، إلا أن الإعداد للحوار قد بدأ منذ أكثر من شهر، فيما الهيكلة ما تزال قضية مرحلة. وذات الأمر يقال عن السجل الانتخابي. وغض الطرف عن هذه القضايا وعدم المضي فيها حتى الآن سيعني -بالتأكيد- مواجهة انعكاساتها السلبية على عملية الحوار.
- عبدالملك شمسان