اردوغان يستفز السيسي
لم تكن العلاقات المصرية التركية جيدة مطلقا على مر العصور، فالتنافس كان شديدا بين القاهرة واسطنبول على زعامة العالم السني، وبلغ ذروته عندما حاول “السلطان” محمد علي الاستقلال عن دولة الخلافة في الآستانة واقامة امبراطوريته الخاصة به، وذلك فان الخلاف المتفاقم حاليا بين الرئيس رجب طيب اردوغان ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي ليس جديدا، ومن غير المتوقع ان ينتهي طالما استمر احد الرجلين في موقعه على قمة السلطة.
الرئيس اردوغان انحاز دائما الى حركة “الاخوان المسلمين” في الوطن العربي، واعتبر انتصاراتها في الانتخابات التشريعية التي جرت في كل من مصر وليبيا وتونس انتصارا لحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه، وانتصارا شخصيا له، ولم يتغير موقفه هذا بعد الاطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي والزج به ورفاقه في السجن.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي اعلن حرب “اجتثاثية” ضد حركة الاخوان المسلمين، واتهمها بالارهاب، واوعز لقوات امنه بفك اعتصام ميدان رابعة العدوية بقوة الحديد والنار، وقتل المئات بالرصاص الحي، يرى في تبني الرئيس اردوغان للحركة ورموزها، ودعمها ماليا واعلاميا، وتوفير الملجأ الآمن لها، خاصة بعد ابعاد سبعة من هذه الرموز من الدوحة، تدخلا في الشؤون المصرية الداخلية، وتهديدا لامنها واستقرارها.
الرئيس اردوغان اصاب وترا حساسا جدا في الخطاب الذي القاه في الجمعية العامة للامم المتحدة يوم الاربعاء بحضور الرئيس السيسي، عندما انتقد بشدة صمت الامم المتحدة والعالم الديمقراطي عن اطاحة رئيس مصري منتخب من الشعب، في اشارة للرئيس مرسي، عندما قال، ونحن ننقل هذا حرفيا، “في الوقت الذي تم فيه الانقلاب على رئيس منتخب من قبل الشعب، وقتل الآلاف ممن خرجوا يسألون عن مصير اصواتهم، اكتفت الامم المتحدة، والدول الديمقراطية بمجرد المشاهدة، علينا ان نحترم نتيجة صناديق الاقتراع، ولكن اذا كنتم لا تحترمون الديمقراطية وتدافعون عمن جاءوا بالانقلاب فلماذا الامم المتحدة موجودة اذن”.
الرئيس السيسي اشتاط غضبا بسماعه هذه الفقرة من الخطاب التي وصفها بـ “الاستفزازية” واوعز لوزارة خارجيته اصدار بيان شديد اللهجة للرد على الرئيس التركي قالت فيه “تابعنا باستياء واستنكار بالغين كلمة الرئيس التركي في الجلسة الافتتاحية لاعمال الدورة العادية للجمعية العامة للامم المتحدة، واعتبرت ان الكلمة تضمنت اكاذيب وافتراءات اقل ما توصف بأنها تمثل استخفافا وانقضاضا على ارادة الشعب المصري العظيم، كما تجسدت في 30 حزيران (يونيو)”، والغى السيد سامح شكري وزير الخارجية المصري اجتماعا مع نظيره التركي احتجاجا، ولكن متحدثا باسم الوزير التركي نفى اصلا وجود طلب بعقد هذا الاجتماع.
الغضب المصري مفهوم، ولكن رد فعل وزارة الخارجية المصرية جاء مبالغا فيه، فالرئيس اردوغان لم يكذب، فما حصل في مصر هو انقلاب اطاح برئيس منتخب وبزعامة الفريق اول السيسي وزير الدفاع وقائد الجيش المصري، فلولا تدخل الجيش لما نجحت ثورة 30 حزيران (يونيو)، واذا كان الرئيس السيسي يريد ان ينفي صفة الانقلاب العسكري عن تحركه، ويؤكد ان ثورة يونيو هي التي اطاحت بالرئيس مرسي فهذا امر يخصه، وعليه الرد على الرئيس اردوغان وغيره من خلال تكريس ديمقراطية حقيقية في مصر، وبناء دولة مؤسسات، والنهوض بالاقتصاد المصري، وبصورة افضل من نظيره التركي.
الخلاف بين الرئيسين المصري والتركي يتحول تدريجيا الى “عداء”، وهذا ليس من مصلحة البلدين وشعبيهما، والقيادة المصرية على وجه الخصوص، فالرئيس اردوغان يملك اوراق كثيرة يمكن ان يستخدمها ضد مصر، ابرزها ورقة الاخوان المسلمين في الوقت الراهن على الاقل، فقد فتح لهم ابواب الآستانة على مصراعيها، وسمح لهم بفتح محطة تلفزيونية بمساعدة من دولة قطر خليفته، ووفر الملاذ الآمن لزعمائها، لعقد اجتماعاتهم، وسكّن اسرهم، بينما لا تستطيع السلطات المصرية المعاملة بالمثل لعدم وجود معارضة تركية خارجية يمكن تبنيها، وتوفير المنابر الاعلامية لها في القاهرة لسبب بسيط، وهو ان المعارضة التركية تكرس نشاطها في قلب تركيا وتحتكم الى عملية ديمقراطية تتمتع بحرية مطلقة، وتملك محطات تلفزة وصحف تؤيدها ولا تتوقف لحظة عن انتقاد الرئيس التركي وحزبه، وتنظم المظاهرات الاحتجاجية بصورة مستمرة على سياساته ومواقفه.
الورقة الوحيدة القوية في يد الرئيس السيسي والتي يمكن استخدامها ضد الرئيس اردوغان وحزبه هي الورقة السورية، اي دعم النظام السوري، ولكن هناك “فيتو” امريكي روسي خليجي مشترك ضد استخدام هذه الورقة لاسباب لا تحتاج الى شرح.
الرئيس السيسي يواجه ازمات داخلية امنية واقتصادية متفاقمة، ولا نعتقد ان فتح معارك خارجية مع دول مثل تركيا، حتى لو اقدمت على استفزازه، يصب في مصلحة مصر العظيمة، في الوقت الراهن.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها