بعد انتصار المقاومة..الإحباط سيد الموقف بإسرائيل
الحرب حولت حماس من حركة صغيرة لشريك سياسي، هذا ما يقوله خبراء وسياسيون بإسرائيل، التي يبدو أن قبولها باتفاق وقف النار مع المقاومة الفلسطينية في غزة لن يكون إلا بداية عاصفة تواجه الحكومة والجيش على وقع الشعور بالهزيمة سياسيا وشعبيا.
يرى محللون إسرائيليون أن الشارع الشعبي والسياسي في إسرائيل يعيش على وقع هزيمة كبرى وغير متوقعة، وأن المقاومة الفلسطينية ألحقت بالدولة العبرية ما لم يلحق بها منذ نشأتها.
وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع موشيه يعلون واجها معارضة داخلية بلغت حد المزايدة العلنية من وزراء الخارجية أفيفدور ليبرمان، والأمن الداخلي يتسحاق أهرونوفيتش، والاقتصاد نفتالي بينيت، والاتصالات غلعاد إردان.
ورفض هؤلاء الوزراء -وهم من قيادات اليمين المتطرف- فكرة الهدنة الأولى أو التسوية مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الأسلامي، ودعوا للحسم العسكري عبر الاجتياح البري، واتهموا نتنياهو بالتردد والضعف، وهو ما دفعه لمهاجمتهم بشكل عنيف ووصف تصريحاتهم بالفارغة.
ويلتزم نتنياهو وهؤلاء الوزراء الصمت منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار أمس الثلاثاء، لكن وزراء آخرين مقربين منهم ليسوا أعضاء في المجلس الوزاري المصغر عبّروا عن غضبهم على التفاهمات وعلى طريقة إعلان وقف النار.
هزيمة كبرى
أحد هؤلاء كان وزير السياحة عوزي لانداو الذي تحدث عن وجود ما سماها ”مشاعر قاسية جدا”، متسائلا عن مكاسب إسرائيل بعد خمسين يوما من القتال وآلاف الغارات الجوية.
وفي تصريحات لموقع “واينت” الإخباري قال لانداو “إسرائيل لم تحصل على هدوء بل وعود بالتهدئة، والمقاومة عززت مكانتها”.
مضيفا أن بيانات الانتصار الصادرة عن المقاومة ”حقيقية لأنها حافظت على عمودها الفقري القيادي وعلى قوتها”، كما قال.
ويرى لانداو أن التفاهمات حرمت إسرائيل من اغتيال قيادات المقاومة، موضحا أن الحرب كان ينبغي أن تنتهي بصورة مغايرة.
واعتبر أن المشكلة الناجمة عن إصابة قوة ردع إسرائيل تكمن في مراقبتها من قبل إيران وحزب الله اللذين يرصدان عقيدتها القتالية، ويلاحظان أنها لم تنجح في إخضاع حماس رغم خمسين يوما من القتال.
ويعتقد أستاذ علم الاجتماع في جامعة تل أبيب البروفسور يهودا شينهاف، أن إسرائيل “تذوق الآن طعم هزيمة ربما تكون هي الأكبر منذ قيامها”.
ولفت شينهاف في تصريح للجزيرة نت أن “الجنوب الإسرائيلي مهجور، والشارع يائس ويعتقد أن المقاومة نجحت في التغرير بإسرائيل والانتصار عليها”.
ويفسّر أستاذ علم الاجتماع الكثير من الدوافع خلف الانتقادات المتصاعدة للحكومة والجيش، ومعارضة عدد كبير من الوزراء لتفاهمات وقف النار مع غزة، بأن هؤلاء يرون أن إسرائيل “فشلت بتحقيق الأهداف المعلنة للحرب المكلفة، ولم تحصل على حل حقيقي لمشكلة غزة”.
ويرى شينهاف أن هذه المزايدات تهدف لاستغلال حالة الإحباط في الشارع الإسرائيلي نتيجة فشل الحرب بإسكات المقاومة الفلسطينية، رغم القوة المفرطة والكلفة الباهظة، لافتا إلى أن الوزراء الكبار حاولوا جني مكاسب حزبية بتصريحات شعبوية تدغدغ مشاعر الشارع الهائج والمنفعل والمحبط.
شريك سياسي
وفي السياق ذاته، تنقل المعلقة السياسية للقناة الإسرائيلية الأولى أيالاه حسون عن مصدر سياسي رفيع أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع موشيه يعلون “أخذا وحدهما قرار قبول وقف النار لأنهما لا يملكان أغلبية داخل المجلس الوزاري المصغر المكّون من ثمانية أعضاء”.
وتابعت حسون على لسان المسؤول أن “حماس تحولت إلى شريك سياسي، بعد أن كانت حركة صغيرة ومصابة، فجاءت الحرب وشقت أمامها الطريق”.
وكان مراقبون إسرائيليون قد انتقدوا صمت نتنياهو وكبار الوزراء، وقالوا إن هذا الصمت ”ساهم في الترويج لصورة انتصار لحماس”.
وعبّر الرئيس السابق للمخابرات العامة (الشاباك) يوفال ديسكين عن عدم رضا جهات حكومية وغير رسمية عن التفاهمات مع المقاومة الفلسطينية، بإشارته لخلوها من حديث عن الأنفاق ولالتزام إسرائيل بعدم استهداف غزة جوا أو برا.
وتساءل ديسكين عبر حسابه على تويتر “في حال حفرت حماس نفقا نحونا فهل نمتنع عن الرد؟”.
ويبدو أن مزاج السياسيين له صدى واسع في الشارع الإسرائيلي، فقد كشفت القناة الإسرائيلية الثانية اليوم أن استطلاعات رأي المتصفحين في الفيسبوك والتويتر تظهر أن 85% منهم يرون التفاهمات أمرا سلبيا لإسرائيل ويصفون أداء نتنياهو خلال الحرب بالسيئ.
وربما يضع هؤلاء الوزراء في حسبانهم هذا المزاج الشعبي الذي تهيمن عليه مشاعر الخيبة وتفويت الفرصة والإحباط لما تترتب عليه من معطيات وتبعات سياسية حزبية وانتخابية.
قليل من الدبلوماسية
وهذا ما يشدد عليه الوزير السابق أوفير بينيس الذي استذكر مقولة وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق هنري كسنجر، بعدم وجود سياسة خارجية لإسرائيل بل سياسة داخلية فقط.
وقال بينيس للقناة الإسرائيلية العاشرة بعد ساعة من إعلان وقف النار، إن الحرب كشفت عن وجود القليل من الدبلوماسية، والكثير من السياسة داخل الائتلاف الحكومي.
لافتا إلى هيمنة الاعتبارات الانتخابية والحزبية التي كشفت عن خلافات ومزايدات محرجة داخل المؤسسة الحاكمة.
ويتابع “للأسف الإعلام أيضا ساهم في تضليل الشارع وحجب الحقيقة عنه بأن الصراع لا يحل بالقوة”.
في المقابل زعم تساحي هنغبي نائب وزير الخارجية أن إسرائيل “انتصرت في الحرب وحماس تلقت ضربات موجعة جدا”.
وردا على سؤال الإذاعة الإسرائيلية العامة حول هيمنة شعور الإحباط لدى الإسرائيليين، اتهم هنغبي بعض الأوساط المعارضة للعدوان بأنها تبث روحا سلبية، إضافة لمفعول صافرات الإنذار وقلة صبر الإسرائيليين هذه المرة.
وردا على سؤال حول خوف رئيس الحكومة من دعوة المجلس الوزاري المصغّر، اكتفى هنغبي المقرب من نتنياهو بالقول “إن امتحان القرارات يكمن في جودتها”.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها