ما لله وما لقيصر !!
قُل لي انك مع او ضد الدولة الاتحادية ولا تقل لي ان الله والدين مع أو ضد الفدرلة ، ففي الاولى تحدثني عن ذاتك وموقفك ورأيك الشخصي البشري إما وحين تزعم انابتك لله ودينه وملكوته فأنت في هذه الحالة تنزع عن نفسك صفة المواطنة المتساوية والطبيعية بحيث تصير هنا نبيا – الانبياء ذاتهم لم تخل سيرتهم من الفعل البشري المتجرد عن وحي السماء - او ملائكا او قُل كاهنا وقسا بيده صكوك الغفران وفي ممارسته تفويضا رسالات الغيب والايمان .
قلت في تناولات سابقة بان غلاة الخلافة العثمانية كانوا قد حرموا شرب قهوة البُّن كما وأفتوا بحرمة المطبعة ؛ لكنهم مع ذلك سرعان ما انقلبوا على فتاويهم وبمجرد فرمان سلطاني قضي بجواز طباعة الكتب وفن النحت وتجسيد ادوار الصحابة والانبياء في الدراما المرئية .
عمرو خالد ومشاري العفاسي ، الاول داعية والاخر مقرئ ، لكنهما وبموقفهما المؤيد لخلع الرئيس محمد مرسي فإنهما يعبرا عن موقف سياسي مغاير ومخالف لموقف دعاة واشياخ مثل الشيخ القرضاوي والشيخ المهدي المنتمين لتنظيم الاخوان المسلمين .
ففي كلا الحالتين الرافض او المؤيد للانقلاب هما موقفان نابعان عن رؤيتين متضادتين وعن اشخاص كل واحد منهم له انحيازه ومصلحته وعلاقته وحتى صفته الاعتبارية والوجودية والفكرية والشخصية .
لا أقبل ان اسمع الداعية عمرو خالد وهو يفسر انحيازه لثورة 30يونيو بانه من الكتاب والسنة ومن ثم يبدأ بتدبيج وسرد الآيات القرآنية والاحاديث النبوية المعززة لموقفه السياسي الذي مرجعه شخصي نفعي مجتمعي دنيوي .
الحال ذاته ينطبق على الشيخ القرضاوي او سواه من الدعاة الذين ينبغي فهم موقفهم المساند للرئيس المنتخب على انه موقفا شخصيا ونفعيا وفكريا وايديولوجيا لا باعتباره موقفا دينيا وإيمانيا وثيق الصلة بمخالفة عقيدة دينية غيبية .
نعم لا استطيع قبول فكرة طاعة الله او الكفر به ولمجرد قولي بنعم او لا لهذا الرئيس او ذاك الدستور ،فمثل هذا الافعال اعدها بهتانا وتدليسا وتجنيا على رب السماء قبل العباد .
السياسي عندما يصير عرابا ناطقا عن الغيب اعده أكبر مدلس ومحتال ومنتهك لوجدان الناس ولإيمانهم ، كذلك هو حال الواعظ الداعية حين يصير سياسيا او مؤرخا للتاريخ او مشرعنا لطغاة العبودية او رقيبا ومنقبا في ضمائر وافكار وتصرفات بني البشر عن مضغة ايمان او كفر .
الدين في جوهره مثالي غيبي مطلق لا يقبل غير التصديق به ودون شك او مواربة او شهادة من احد ، لأنه وببساطة مسألة ايمانية روحية كامنة في ضمائر المؤمنين وفي فعلهم وصلتهم غير مدركة او مجسدة فقط بتراتيل وشعائر وطقوس يؤديها العباد في اوقاتها واماكنها .
البعض يقول لك : الاسلام دين ودولة وحكم ، الاسلام علم ومعرفة ودنيا وآخرة ، الاسلام شريعة مُنزلة ودستور صالح لكل وزمان ، الاسلام اقتصاد وتجارة وقوة ومال وعلاقات عامة وفلسفة وحقوق انسان وأمرأه وطفل وحيوان وووالخ .
العلمانية مفهوم ومدلول غربي فرضه غلاة المسيحية الذين احتكروا المطلق فعطَّلوا حركة الحياة بحيث صارت الكنيسة وانجيلها المقدس مختزلا بجمود حملة رسالة السماء – أو هكذا ظنوا انفسهم – الذين وقفوا بوجه مسيرة التطور البشري ؛ فكان لزاما بانبعاث العلمنة كضرورة لاستمرار عجلة التاريخ البشري .
إذا كان الامر كذلك ؛ فماذا نسمي تخلفنا عن ركب الحضارة والتطور ؟ وإذا كانت علمنة الدولة بهذه السوءة الراسبة في ذهن الكثير منا ؛ فما الحل لمعضلة ادارة الدولة وبمنطق المزاوجة ما بين هو لله وما هو لقيصر ؟ .
وإذا كانت هذه العلمنة لا تعني فصلا بين السلطة السياسية الحاكمة وبين توظيفها العبثي للمال العام والقوة والاعلام والوظيفة والبحث العلمي والعدالة ؛ فما هي مشكلتنا بالضبط كي نقاوم وبضراوة علمنة الدولة باعتبارها نبتة شيطانية لا جدوى من توطينها في اوطاننا المختلفة كليا دينا وحضارة وثقافة ومشكلة ودولة ؟ .
وإذا الاسلام بهذه الديناميكية والحيوية التي تجعله مواكبا لكل عصر ومتماهيا مع تحدياته وتطوره ؛ فماذا نسمي ممانعة اشياخ الفقه للديمقراطيات والدسترة والانتخابات والحريات والحقوق ؟ .
وإذا كان الاسلام ميزته الاساسية تحرير الانسان من ربقة الوصاية البشرية بحيث لا يوجد في الاسلام غير رب واحد جامع ومطلق لا يستلزمه لاهوتية او كهنوتية ؛ فماذا نسمي فتاوي المشايخ وآرائهم حيال مسائل سياسية اقتصادية ثورية ديمقراطية شعبية ارهابية اممية دبلوماسية دستورية جنائية بشرية دنيوية نفعية حاصلة الآن في العراق وسوريا واليمن ومصر والسعودية وتونس وايران وووووووووووووووو؟ .
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها