مابعد الانفصال ..نظرة عن قرب .. شماعة الشمال لبناء دولة الجنوب
تمهيد:
هذه الحلقات مجرد محاولة استشرافية لمسار الأحداث المتوقع في بلادنا في المستقبل المنظور انطلاقا من مجموعة من المؤشرات والدلائل والشواهد التاريخية ،ورغم تعدد الاحتمالات والفرضيات في هذا المسار ،الا أنني تعمدت سلوك مسار الأحداث الذي يلبي رغبة قوى الحراك حتى أن كان فيه قفزاً على الواقع في أحيان كثيرة ،وذلك لمحاولة معرفة الى أين سيصل بنا ذلك في نهاية المطاف هل إلى الاستقرار أم إلى الحرب الأهلية؟أم الى أين ؟هذا ما سنحاول معرفته.
-لاشك أن محاولة السيطرة على جيش الدولة الوليدة وعدد آخر من العوامل الداخلية التي تناولناها في الحلقة السابقة لن تكون السبب الوحيد في تفجر الوضع الداخلي في الجنوب وعودة الصراع بين قواه الرئيسية،حيث ستغذيها عوامل خارجية لعل أهمها العلاقة مع الشمال،لذا لابد من التوقف عندها قبل مواصلة الحديث عن سيناريو الإحداث المتوقع في الجنوب وكما يلي :
ثانياً العوامل الخارجية :
1- التوتر المستمر في العلاقة مع الشمال:
- التوتر الدائم وطغيان حالة من اللاسلم واللاحرب في العلاقات بين الشمال والجنوب بعد الانفصال ستكون على الأرجح هى حال العلاقة بين الطرفين ،ومرد ذلك ليس من باب التشاؤم وإنما لأسباب عديدة نتناولها كمايلي :
أ- خلاف حدودي و بقاء الملفات الرئيسية عالقة بين الشطرين:
- أولى الأزمات المرجح نشوبها بين الشطرين سيكون سببها عدم التوصل الى اتفاقية لترسيم الحدود بين الشمال والجنوب وبقاء الملفات الرئيسية (ديون ،تعويضات..)عالقة دون حل،وفي الغالب سيضع نظام الشمال مسألة حسم تلك الملفات كأولوية لديه وكشرط لتحسين علاقاته مع الجنوب ،ونظرا لاستحالة التوصل لاتفاق حدودي مع التداخل الشديد بين الشطرين ومع مطالب الشمال السالفة الذكر(ضم الصبيحة وشبوة الى الشمال والتحكم الكامل في باب المندب ومنح أبناء حضرموت وعدن حق تقرير المصير) مقابل عدم استبعاد مطالبة الجنوب بالبيضاء كما جاء في إحدى فقرات مسودة الدستور المؤقت للحراك الصادرة العام 2010م من ان البيضاء ارض جنوبية ،وهو ما أكد عليه أيضا محمد علي احمد أثناء لقاءه بوفد من مشائخ البيضاء عقب عودته الى اليمن .
-في العادة يتسبب وجود قضايا عالقة وعدم ترسيم الحدود بين دولتين في نشوء حالة من اللا سلم واللا حرب بينهما او ما يعرف بحرب الاستنزاف،كما حدث بين الشمال والجنوب خلال حروب ما عرف بالجبهة في المناطق الوسطى،اوكما نجده حالياً بين السودان وجنوب السودان رغم الجهود المكثفة للاتحاد الافريقي والضغوط الاممية على الخرطوم وجوبا لحل خلافاتهما وتحسين العلاقات الثنائية،الا أنها سرعان ماتشهد انتكاسة تعيد العلاقة بينهما الى مربع التوتر،كما كان عليه الوضع في ابريل 2012م عندما تعهد البشير بالعمل على الإطاحة بكير،والحركة الشعبية ،التي وصفها بـ"الحشرة"وقال في ذلك الوقت (هناك خياران، إما أن ننتهي في جوبا أو ينتهوا في الخرطوم،وحدود السودان القديمة لا تسعنا نحن الاثنين)،وكان السبب في ذلك المواجهة العسكرية مع جيش الجنوب الذي احتل منطقة هجليج النفطية.
-بعد ذلك أعلن جيش جنوب السودان نهاية ابريل 2012م صده هجوما نفذه متمردون قال إنهم يتلقون الدعم من السودان، على ملكال عاصمة ولاية أعالي النيل.وفي المقابل أتهم السودان دولة الجنوب بمساعد الحركات المتمردة المسماة بالجبهة الثورية في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق،وفي العام 2013 نشبت أزمة بين الجانبين بسبب الخلاف على الرسوم التي تطالب بها الخرطوم مقابل تصدير نفط الجنوب عبر أراضيها،وعلى الارجح في حال تمكن سيلفا كير من القضاء على خصومه والسيطرة على الوضع في بلاده لن تمضي سوى أشهر بسيطة حتى تتنفجر أزمة جديدة بين جوبا و الخرطوم.
ب- تشدد الشمال :
- تسببت تداعيات حرب 94م والممارسات الخاطئة بحق الكثير من أبناء الجنوب في طغيان صوت التيار المتشدد في الجنوب المعادي للشمال على ما عداه ،وبصورة مشابهة من المرجح ان يتسبب انفصال الجنوب عبر استفتاء مشكوك في نتائجه في سيطرة التيار المتشدد في الشمال ضد الجنوب على السلطة،خاصة مع تسبب التشدد الحالي في موقف قوى الحراك الرئيسية من قضية الوحدة ومن مؤتمر الحوار ومخرجاته في بروز تيار شمالي متشدد ضد الجنوب عبر عنه الإعلان عن قيام الحراك الشمالي،وفي تصريحات ومواقف شخصيات شمالية كصادق الأحمر او في تلويح القيادي الاصلاحي محمد قحطان بعودة تحالف حرب صيف 1994 في ديسمبر 2013م ،او ما قيل عن كتابة شعارات معادية للجنوب في بعض شوارع صنعاء (اللعنة على الجنوب)حسب خبر نشره موقع عدن الغد في 16/1/ 2014م.
ج-تأجيج مشاعر الكراهية والعداء بين الشمال والجنوب :
-في الغالب سيعمل نظامي الشمال والجنوب على تغذية مشاعر الكراهية والعداء الشعبي ضد الطرف الأخر للهروب من بعض الاستحقاقات ومواراة الفشل في تلبية الحاجات الأساسية للمواطنين ،مما يزيد من حالة التوتر على طول المناطق الحدودية خاصة مع لجوء الحراك في الفترة الأخيرة لتغذية تلك المشاعر عبر استهدافه لأبناء الشمال المقيمين في الجنوب كطرد الحراك لمئات الشماليين العاملين في يافع وحادثة منع إحدى الأسر لشاب شمالي من اخذ زوجته اليافعية معه مطلع يناير 2014 او في تكرار الاعتداء على المواطنين الشماليين ومحلاتهم في حضرموت.
-كما يدفع نحو مزيد من الاحتقان لجوء الحراك في الأشهر الماضية الى العنف وحمل السلاح ومهاجمة المعسكرات وذبح الجنود كما حصل في الشحر،او حادثة إعدام مسلحي الحراك لتاجر بهارات في الضالع في فبراير الجاري،وما يقابله من ردة فعل من قوات الجيش،والنتيجة سقوط مئات الضحايا الأبرياء،كما حصل في مجزرة سناح،،كل ذلك يكريس حالة من الكراهية المناطقية بين الطرفين،وإذا كان التوتر قبل الوحدة سببه النظامين كون الشعب كان موحد،في حين يرجع التوتر في الوقت الراهن الى ما يتحدث عنه الحراك من انقسام شعبي في نظام واحد،وفي حال الانفصال يفترض أن يكون هناك نظامين وشعبين ،ما يعني ان التوتر سيكون أضعاف ما هو موجود حالياً او ما كان عليه قبل الوحدة .
د-تأثر كل شطر بما يحدث في الشطر الأخر :
-ليس خافيا ان غالبية الإحداث الرئيسية والمحطات المفصلية في تاريخ الشطرين قبل الوحدة كان لها ارتباط او امتداد بالوضع في كل منهما،بمعنى ان ابرز الأحداث التي وقعت في الشمال كان للجنوب علاقة او دور رئيسي فيها والعكس صحيح ومن الأمثلة على ذلك :
-كان الجنوب سبب تفجر الخلاف بين القوى القبلية والدينية مع الرئيس الأسبق القاضي عبدالرحمن الارياني عام 1972م جراء توقيع رئيس الوزراء في تلك الفترة محسن العيني اتفاقية الوحدة في القاهرة مع علي ناصر محمد،وما نجم عنه من تمكن مراكز القوى من إقصاء العيني من رئاسة الحكومة .
-اغتيل الرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي قبيل سفره الى عدن و إعلان الوحدة مع الجنوب،كما استغل الرفاق في الحزب الاشتراكي اغتيال الغشمي للتخلص من الرئيس الشهيد سالمين،وكان التوجه اليساري الثوري لقيادة الجنوب سببا في عدم استقرار الشمال طيلة عقد السبعينات وحتى منتصف ثمانينات القرن الماضي(حربين مع الجنوب وحروب الجبهة).
-كان التعاون في مواجهة الجبهة في المناطق الوسطى المدعومة من الجنوب ،السبب الرئيسي في تحالف الرئيس السابق صالح مع عبدالله الاحمر والقوى القبلية والدينية ،في حين تسبب توقيع صالح عقب حرب 79م على مشروع دستور دولة الوحدة مع الرئيس الراحل عبدالفتاح اسماعيل في الكويت في توتر علاقاته بالشيخ الاحمر ،وكما كان الحزب الاشتراكي سبباً في خروج جماعة الإخوان من المؤتمر الشعبي وتشكيل حزب خاص بهم ضمن تكتيكات الرئيس السابق،كان سبباً أيضا في تحالف الإصلاح مع المؤتمر عام 94م.
-مثل كل شطر ملجأ لمعارضي النظام في الشطر الآخر ،فعدن كانت مقر لرموز قيادات الثورة ضد النظام الامامي وللقيادات اليسارية الشمالية ضد نظام صالح،وفي المقابل كانت صنعاء قبلة لقيادات وعناصر جبهة التحرير ولتيار الزمرة والنازحين من الجنوب وهكذا.
ر-تبادل الاتهامات بدعم وإيواء المعارضين وإرجاع أي إخفاق في الحرب على الإرهاب او الحد من نشاط الجماعات المتمردة الى وقوف الشطر الآخر ورائها:
-سيجد النظام الجديد في الجنوب نفسه مضطرا لمواجهة الجماعات الإرهابية خاصة مع سعيه لفرض سيطرته على مختلف مناطق الجنوب ،ورغم ان قوى الحراك تقلل من خطر وقوة القاعدة في الجنوب باعتبار انها تابعة لقوى شمالية ،لكن ذلك لايعني التقليل من خطورتها خاصة مع انضواء آلاف من ابناء الجنوب ضمن الجماعات المتشددة ما يجعلها رقما صعبا ومشكلة كبيرة ستفرض نفسها بعد الانفصال سيما ان الحراك لن يتمكن من تأمين الجنوب بمساحته الواسعة بسهولة ما يمثل فرصة للقوى المتطرفة للسيطرة على تلك المناطق خاصة بعد ان تمكنت من السيطرة على ابين وجزء من شبوة لاكثر من عام قبل ان تغير من مظهرها بالانضواء في اللجان الشعبية.
-كما برزت الجماعات الارهابية بقوة الى السطح في اكثر من منطقة في فترات سابقة كما حصل في يناير 2014 بشبام حضرموت بظهور علني لتنظيم القاعده واشهار ارقام هواتف لنصره المظلوم وتوزيعهم في المنطقه ،و قبل سنوات اعلنوا هاتف التوبة لمن اراد من رجال الأمن بالمكلا اعلان توبته عن محاربة المجاهدين،وهناك اخبار عن تواجد كبير للقاعدة في اربع مديريات في حضرموت،كما ظهرت جماعة (أنصار الشريعة في مدينة الحوطة وضواحيها في 2014-01-06حسب عدن الغد، معلنة بذلك عن قيام ما أسمته (أمارة لحج) الإسلامية ،وتوزيعها منشورات تدعو أبناء (ولاية لحج) الى ضرورة محاربة الامريكان وقاعدتها الموجودة في العند ـ
-كل ذلك يؤشر الى صعوبة مهمة النظام الجديد في القضاء على القاعدة، التي سيكون وجود قوات امريكية في العند واحتمال وجود قوات أجنبية أخرى لحفظ السلام ولتأمين الحقول النفطية في الجنوب،بمثابة عامل محفز لزيادة نشاطها وتكثيف هجماتها،ولن يجد نظام الجنوب سوى مبرر دعم ووقوف الشمال وراء تلك الهجمات لمواراة فشله في الحرب على الإرهاب.
-وفي الجانب الآخر يرجح تشكل حركة مسلحة في البيضاء تطالب الانضمام الى الجنوب ،في حين ان الشمال سينظر الى ان نظام الجنوب يقف وراء ذلك ،كما سينظر الى أي تنامي في نشاط الحراك التهامي او في توسع الحوثي بانه مدفوع من الجنوب .
ز-شماعة الشمال لبناء دولة الجنوب :
كما ذكرنا مرارا ان التاريخ يعيد نفسه بطريقة عجيبة ما يعني ان استمرار ارتباط وتداخل الإحداث والتطورات الرئيسية في الشطرين يبعضهما أمر لاجدال فيه ،وسيستمر تأثر كل شطر بما يحدث في الشطر الآخر سواء كان ذلك برضاء قادة الشطرين او لا،وهذا الامر ينطبق أيضا على دولة الجنوب الثانية،التي يرجح لجوء البيض وبدعم من تياره لاستخدام الشمال كشماعة او ذريعة للتخلص من خصومه وإزاحة المنافسين في طريق بناء نظام يلبي رغبته في احتكار النفوذ والسلطة والثروة وتحديد نهج وسياسات النظام بما ينسجم مع ارتباطاته وتحالفاته الخارجية .
-يفترض وفق المعطيات الحالية أن دولة الجنوب ستنشأ بموجب تحالف ثلاث تيارات رئيسية لدورها المحوري في قيامها،تمثل قوى الحراك الرئيسية (مجلسي البيض وباعوم) وفصائل الحراك الأخرى والأحزاب السياسية والمنظمات المدنية عمودها الاول،،في حين تأتي القبائل كعمود ثاني لتصدرها المواجهة مع النظام في هبتها الشعبية في حضرموت او في كفاحها المسلح في الضالع ولحج،و يمثل التيار الديني ثالث أعمدة الدولة بحكم الدور الذي لعبته اللجان الشعبية المتداخلة مع القاعدة في السيطرة على الوضع في أبين وجزء من شبوة،ومشاركة عناصر إرهابية الحراك في كفاحه المسلح ،وكذا في الدور الهام للتيار السلفي المعتدل في تحريك الشارع الجنوبي عبر رجال الدين والخطباء.
-،إضافة الى أن التيار الوحدوي في الجنوب لابد ان يكون له مكانته في الدولة الجديدة،فحسب كلام سابق للبيض أن 70% من الجنوبيين مع الانفصال،مايعني ان هناك 30% مع الوحدة ،والمرجح ان غالبية هؤلاء يتركز تواجدهم في ابين وشبوة وعدن، وهؤلاء لن يقبلوا الانضواء في دولة الجنوب والتخلي عن مكاسبهم ودولة كانوا يحكمونها،الا اذا حصلوا على ضمانات تجعلهم شركاء حقيقيين في دولة الجنوب .
-يفترض ان تعبر الدولة الجديدة عن رغبات وتوجهات القوى الرئيسية فيها،لكن الإشكالية ستكون في الطريقة التي سيتم التوفيق بين الرغبات والتوجهات المتناقضة لها،فالقوى السياسية تريد دولة ديمقراطية علمانية مدنية حديثة،وفي حين ان هناك من لايزال يحلم بنظام اشتراكي معتدل يستلهم التجربة الفرنسية او الصينية،وفي الجانب المقابل ستطالب الجماعات الإسلامية وبدعم من القبائل بدولة إسلامية تكون الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع،ويكون للقبيلة مكانتها،كما ان هناك من يريد ديمقراطية شكلية،وهناك من يريد ربط توجهها بإيران والصين وروسيا خاصة مع تكثيف موسكو جهودها في السنوات الأخيرة للعودة بقوة الى المنطقة،مقابل من يريد ان تسير الدولة الجديدة في فلك السعودية وهكذا .
-المرجح ان يسعى تيار البيض لفرض رؤيته على بقية المكونات خاصة انه لاينظر اليهم كشركاء او ان الدور الذي لعبوه يؤهلهم لفرض مطالبهم،وهو ما سيقابل بمعارضة شديدة من قبل غالبية المكونات الجنوبية ،لذا سيلجأ البيض للتخلص منها تحت مبررات مختلفة لكن مع ربطها في نهاية المطاف بالشمال لضمان تأييد الشارع له عبر جعلها قضية تتعلق بكرامة ووطنية الجنوبيين ورفض اليمننة و.. وكمايلي :
أ-فرض ديمقراطية شكلية يسيطر فيها رأس النظام وحزبه على كل شيء وذلك لن يتم إلا في حال تم التخلص من المنافسين السياسيين الرئيسيين خاصة من قيادات الحزب الاشتراكي وقيادات الأحزاب الأخرى التي كانت مرتبطة بالشمال كالمؤتمر والإصلاح والناصري ،وسيتم ذلك تحت ذريعة ارتباطها بالشمال واعتبار استمرارها في النظام هو استمرارا ليمننة الجنوب،لذا سيعمل البيض على حظر تلك الأحزاب ومنع قياداتها من مزاولة العمل السياسي ما سيترتب عليه حملة اعتقالات واسعة في صفوفها ونزوح الكثير من تلك القيادات مع عائلاتهم الى الشمال .
ب-السعي لاحتكار الثروة والسلطة والجيش،وذلك لن يتم الا في حال تم إضعاف شوكة اللجان الشعبية والجماعات الإسلامية وتحالف القبائل،لذا سيتم اللجوء الى ورقة الإرهاب ضد اللجان الشعبية واتهامها بالارتباط بصنعاء ،وتوجيه اتهامات لتحالف القبائل بالسعي لفصل حضرموت عن الجنوب بتنسيق مع السعودية والشمال .
ج-من غير المستبعد أن يعطي البيض الضوء الأخضر للمتشددين من إتباعه ممن سقط لهم ضحايا من أقاربهم على يد الجيش خلال عمليات الكفاح المسلح للانتقام والأخذ بثأرهم من القيادات العسكرية والمدنية عبر شن عمليات انتقامية واغتيالات تستهدف القيادات العسكرية والأمنية التي كانت في النظام أيام الوحدة،والتي ينتمى اغلبها الى أبين وشبوة،والهدف من ذلك التخلص من شراكة التيار الوحدوي في دولة الجنوب ،وقطع الطريق تماماً إمام هذا التيار مستقبلاً لاستعادة قواه والحيلولة دون عودة الأصوات المطالبة بالتوحد مع الشمال مجددا،او حتى سماع أصوات تعبر عن ندمها لانفصال الجنوب كما حدث في إعراب عدد من مواطني جنوب السودان في تقرير لل بي بي سي من احد مخيمات النازحين الجنوبيين عن حسرتهم لانفصال بلادهم عن الشمال،وتحولهم الى لاجئين في احد مخيمات النزوح في السودان بعد ان كانوا مواطنين يتمتعون فيه بكامل حقوق المواطنة.
د- السعي للسير في فلك ايران وروسيا والصين وذلك لن يتم الا في حال تم تجاوز عقبة باعوم وتياره وتحالف القبائل.
2-استقطاب إقليمي ودولي :
- في الغالب سيكون الشمال والجنوب عرضة لمحاولات استقطاب من القوى الإقليمية والدولية ،فقيادة كل شطر ستميل أكثر الى جانب القوى الاقل دعما للشطر الآخر،وهو مايعني ان اليمن بشماله وجنوبه سيتحول الى ساحة رئيسية للقوى الإقليمية خاصة السعودية وايران والقوى الدولية لتصفية حساباتها وصراعاتها وسيكون اليمني اول من يكتوي بنار ذلك الصراع.
-فالرئيس السوداني ارتمى في حضن ايران ،كما اضطر البشير لإعلان تأييده لإثيوبيا في نزاعها مع مصر في قضية سد النهضة رغم تهديد السد للأمن المائي لبلاده،وفي المقابل رمى كير نفسه في أحضان إسرائيل ،التي كانت أول دولة يزورها عقب استقلال بلاده ،كما اضطر كير للاستعانة بالخارج لمواجهة خصوم الداخل ،وذلك بدخول قوات أوغندا المجاورة لمساعدة قواته في حربها ضد قوات نائبه السابق .
-السعودية :
-رغم ان هناك تفاوت الى حد ما في رؤية وطريقة التعامل مع الوضع في بلادنا بين الأجنحة ومراكز القوى داخل النظام السعودي ،الا ان السعودية في العموم لاتريد تقسيم اليمن بقدر ما تريد إبقاءه ضعيفاً سائرا في فلكها ،لكن تنامي قلقها من احتمال تمكن حزب الإصلاح المدعوم من قطر في إحكام سيطرته على الحكم في صنعاء،وتحول ايران الى اللاعب الرئيسي في الجنوب،جعلها في الاشهر الأخيرة تنتقل الى الخيار البديل المفضل لها بالتركيز على حضرموت ومحاولة فصلها عن اليمن،اضافة الى استخدام حضرموت كورقة ضغط على الرئيس هادي لإجباره على التراجع عن مسعاه لاستخراج نفط الجوف ،المهم أن مضي السعودية بقوة في هذا المسار قد يتسبب في وجود ثلاث كيانات يمنية اثنان مواليان لإيران (الشمال والجنوب )وكيان ثالث في الشرق موالي للسعودية بصورة مشابهة لعلاقتها الراهنة بالبحرين .
-إيران :
-هناك من يعتقد ان ايران لاتريد تقسيم اليمن وان دعمها لتيار البيض مجرد خطوة تكتيكية لتمكين حلفائها في الشمال والجنوب من السيطرة على السلطة في كل شطر يتم بعدها إعادة توحيدهما وفق أسس وقواعد جديدة مشابهة لنظام ولاية الفقيه(الحوثي المرشد والمرجعية الدينية للنظام والبيض رئيساً له)بصورة يكون فيها استخدام اليمن أكثر فعالية وتأثير في مسعاها لضرب السعودية وتفكيكها.
-يشير الى منطقية هذا الطرح التحالف التقليدي القائم بين الحوثيين والحراك،كما يعززه ما ذكره القيادي بـالحراك عبد الفتاح جماجم العائدمن طهران قبل ثلاث سنوات للجزيرة نت في 04-01-2014من أن إيران لا تريد دعم الحراك "لاستعادة دولة الجنوب وإنما لفرض سيطرتها عليه،وإشارته الى اشتراطهم إشراف الحوثي على هذا الدعم، مع توقعات الإيرانيين بأن جماعة الحوثي سيتوسع نفوذها مثلما توسع حزب الله في لبنان ،كما أن البيض في خطابه في حرب 94م او في حواره في ديسمبر 2013م لقناة سكاي نيوز لايستبعد التوحد مجددا مع الشمال لكن ليس مع النظام الحالي وانما مع الأجيال القادمة.
-كما يعني ذلك أن زحف الحوثي وتوسعه لن يتوقف في صنعاء او مناطق الشمال بل سيصل في مرحلة تالية الى جميع مناطق الجنوب سواء كان ذلك بالاتفاق مع حلفاءه او بالقوة مع العلم ان هجمات قوات الامام في النصف الأول من القرن الماضي تركزت على لحج وشبوة،وربما يكون تواجد الأسر الهاشمية في حضرموت وشبوة عامل مساعد للحوثي في السيطرة على كل اليمن.
-في حال افترضنا جدلا ان القوى الدولية قد تعيد النظر في موقفها من الوحدة وتضطر الى تأييد الانفصال فان المرجح ان يكون الثمن الذي سيدفعه الجنوب باهظا وينتقص كثيرا من حقيقة استقلال الجنوب ،بمعنى ان الولايات المتحدة بما تتمتع به حاليا من مزايا عديدة يوفرها لها التعاون مع اليمن في محاربة الارهاب ،فإنها ستتطالب بمقابل مجزي وأكثر مما تحصل عليه حالياً من دولة الوحدة،وربما لن يتوقف عند المطالبة بإقامة قاعدة عسكرية في سقطرى لسنوات طويلة وتواجد عسكري في العند،بل أن عدم استقرار الوضع في الجنوب قد يدفع واشنطن لدعم تيار انفصالي في سقطرى يطالب بإعلانها دولة مستقلة.
-كما ان روسيا وبريطانيا ستدخلان بقوة على الخط لاستعادة جزء من نفوذهما السابق في الجنوب ،كما أن فرنسا ستستنفر طاقاتها للحفاظ على مصالحها واستثماراتها،وكل ذلك سيكشف عن وهم استقلال الجنوب وإذا كان اليمن حالياً تحت الوصاية الدولية فأن الجنوب سيكون تحت الاحتلال في بعض أجزاءه،في الحلقة القادمة سنتحدث عنسقوط النظام الجمهوري في صنعاء ودخول قوات درع الجزيرة الى حضرموت . يتبع
تمهيد:
هذه الحلقات مجرد محاولة استشرافية لمسار الأحداث المتوقع في بلادنا في المستقبل المنظور انطلاقا من مجموعة من المؤشرات والدلائل والشواهد التاريخية ،ورغم تعدد الاحتمالات والفرضيات في هذا المسار ،الا أنني تعمدت سلوك مسار الأحداث الذي يلبي رغبة قوى الحراك حتى أن كان فيه قفزاً على الواقع في أحيان كثيرة ،وذلك لمحاولة معرفة الى أين سيصل بنا ذلك في نهاية المطاف هل إلى الاستقرار أم إلى الحرب الأهلية؟أم الى أين ؟هذا ما سنحاول معرفته.
-لاشك أن محاولة السيطرة على جيش الدولة الوليدة وعدد آخر من العوامل الداخلية التي تناولناها في الحلقة السابقة لن تكون السبب الوحيد في تفجر الوضع الداخلي في الجنوب وعودة الصراع بين قواه الرئيسية،حيث ستغذيها عوامل خارجية لعل أهمها العلاقة مع الشمال،لذا لابد من التوقف عندها قبل مواصلة الحديث عن سيناريو الإحداث المتوقع في الجنوب وكما يلي :
ثانياً العوامل الخارجية :
1- التوتر المستمر في العلاقة مع الشمال:
- التوتر الدائم وطغيان حالة من اللاسلم واللاحرب في العلاقات بين الشمال والجنوب بعد الانفصال ستكون على الأرجح هى حال العلاقة بين الطرفين ،ومرد ذلك ليس من باب التشاؤم وإنما لأسباب عديدة نتناولها كمايلي :
أ- خلاف حدودي و بقاء الملفات الرئيسية عالقة بين الشطرين:
- أولى الأزمات المرجح نشوبها بين الشطرين سيكون سببها عدم التوصل الى اتفاقية لترسيم الحدود بين الشمال والجنوب وبقاء الملفات الرئيسية (ديون ،تعويضات..)عالقة دون حل،وفي الغالب سيضع نظام الشمال مسألة حسم تلك الملفات كأولوية لديه وكشرط لتحسين علاقاته مع الجنوب ،ونظرا لاستحالة التوصل لاتفاق حدودي مع التداخل الشديد بين الشطرين ومع مطالب الشمال السالفة الذكر(ضم الصبيحة وشبوة الى الشمال والتحكم الكامل في باب المندب ومنح أبناء حضرموت وعدن حق تقرير المصير) مقابل عدم استبعاد مطالبة الجنوب بالبيضاء كما جاء في إحدى فقرات مسودة الدستور المؤقت للحراك الصادرة العام 2010م من ان البيضاء ارض جنوبية ،وهو ما أكد عليه أيضا محمد علي احمد أثناء لقاءه بوفد من مشائخ البيضاء عقب عودته الى اليمن .
-في العادة يتسبب وجود قضايا عالقة وعدم ترسيم الحدود بين دولتين في نشوء حالة من اللا سلم واللا حرب بينهما او ما يعرف بحرب الاستنزاف،كما حدث بين الشمال والجنوب خلال حروب ما عرف بالجبهة في المناطق الوسطى،اوكما نجده حالياً بين السودان وجنوب السودان رغم الجهود المكثفة للاتحاد الافريقي والضغوط الاممية على الخرطوم وجوبا لحل خلافاتهما وتحسين العلاقات الثنائية،الا أنها سرعان ماتشهد انتكاسة تعيد العلاقة بينهما الى مربع التوتر،كما كان عليه الوضع في ابريل 2012م عندما تعهد البشير بالعمل على الإطاحة بكير،والحركة الشعبية ،التي وصفها بـ"الحشرة"وقال في ذلك الوقت (هناك خياران، إما أن ننتهي في جوبا أو ينتهوا في الخرطوم،وحدود السودان القديمة لا تسعنا نحن الاثنين)،وكان السبب في ذلك المواجهة العسكرية مع جيش الجنوب الذي احتل منطقة هجليج النفطية.
-بعد ذلك أعلن جيش جنوب السودان نهاية ابريل 2012م صده هجوما نفذه متمردون قال إنهم يتلقون الدعم من السودان، على ملكال عاصمة ولاية أعالي النيل.وفي المقابل أتهم السودان دولة الجنوب بمساعد الحركات المتمردة المسماة بالجبهة الثورية في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق،وفي العام 2013 نشبت أزمة بين الجانبين بسبب الخلاف على الرسوم التي تطالب بها الخرطوم مقابل تصدير نفط الجنوب عبر أراضيها،وعلى الارجح في حال تمكن سيلفا كير من القضاء على خصومه والسيطرة على الوضع في بلاده لن تمضي سوى أشهر بسيطة حتى تتنفجر أزمة جديدة بين جوبا و الخرطوم.
ب- تشدد الشمال :
- تسببت تداعيات حرب 94م والممارسات الخاطئة بحق الكثير من أبناء الجنوب في طغيان صوت التيار المتشدد في الجنوب المعادي للشمال على ما عداه ،وبصورة مشابهة من المرجح ان يتسبب انفصال الجنوب عبر استفتاء مشكوك في نتائجه في سيطرة التيار المتشدد في الشمال ضد الجنوب على السلطة،خاصة مع تسبب التشدد الحالي في موقف قوى الحراك الرئيسية من قضية الوحدة ومن مؤتمر الحوار ومخرجاته في بروز تيار شمالي متشدد ضد الجنوب عبر عنه الإعلان عن قيام الحراك الشمالي،وفي تصريحات ومواقف شخصيات شمالية كصادق الأحمر او في تلويح القيادي الاصلاحي محمد قحطان بعودة تحالف حرب صيف 1994 في ديسمبر 2013م ،او ما قيل عن كتابة شعارات معادية للجنوب في بعض شوارع صنعاء (اللعنة على الجنوب)حسب خبر نشره موقع عدن الغد في 16/1/ 2014م.
ج-تأجيج مشاعر الكراهية والعداء بين الشمال والجنوب :
-في الغالب سيعمل نظامي الشمال والجنوب على تغذية مشاعر الكراهية والعداء الشعبي ضد الطرف الأخر للهروب من بعض الاستحقاقات ومواراة الفشل في تلبية الحاجات الأساسية للمواطنين ،مما يزيد من حالة التوتر على طول المناطق الحدودية خاصة مع لجوء الحراك في الفترة الأخيرة لتغذية تلك المشاعر عبر استهدافه لأبناء الشمال المقيمين في الجنوب كطرد الحراك لمئات الشماليين العاملين في يافع وحادثة منع إحدى الأسر لشاب شمالي من اخذ زوجته اليافعية معه مطلع يناير 2014 او في تكرار الاعتداء على المواطنين الشماليين ومحلاتهم في حضرموت.
-كما يدفع نحو مزيد من الاحتقان لجوء الحراك في الأشهر الماضية الى العنف وحمل السلاح ومهاجمة المعسكرات وذبح الجنود كما حصل في الشحر،او حادثة إعدام مسلحي الحراك لتاجر بهارات في الضالع في فبراير الجاري،وما يقابله من ردة فعل من قوات الجيش،والنتيجة سقوط مئات الضحايا الأبرياء،كما حصل في مجزرة سناح،،كل ذلك يكريس حالة من الكراهية المناطقية بين الطرفين،وإذا كان التوتر قبل الوحدة سببه النظامين كون الشعب كان موحد،في حين يرجع التوتر في الوقت الراهن الى ما يتحدث عنه الحراك من انقسام شعبي في نظام واحد،وفي حال الانفصال يفترض أن يكون هناك نظامين وشعبين ،ما يعني ان التوتر سيكون أضعاف ما هو موجود حالياً او ما كان عليه قبل الوحدة .
د-تأثر كل شطر بما يحدث في الشطر الأخر :
-ليس خافيا ان غالبية الإحداث الرئيسية والمحطات المفصلية في تاريخ الشطرين قبل الوحدة كان لها ارتباط او امتداد بالوضع في كل منهما،بمعنى ان ابرز الأحداث التي وقعت في الشمال كان للجنوب علاقة او دور رئيسي فيها والعكس صحيح ومن الأمثلة على ذلك :
-كان الجنوب سبب تفجر الخلاف بين القوى القبلية والدينية مع الرئيس الأسبق القاضي عبدالرحمن الارياني عام 1972م جراء توقيع رئيس الوزراء في تلك الفترة محسن العيني اتفاقية الوحدة في القاهرة مع علي ناصر محمد،وما نجم عنه من تمكن مراكز القوى من إقصاء العيني من رئاسة الحكومة .
-اغتيل الرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي قبيل سفره الى عدن و إعلان الوحدة مع الجنوب،كما استغل الرفاق في الحزب الاشتراكي اغتيال الغشمي للتخلص من الرئيس الشهيد سالمين،وكان التوجه اليساري الثوري لقيادة الجنوب سببا في عدم استقرار الشمال طيلة عقد السبعينات وحتى منتصف ثمانينات القرن الماضي(حربين مع الجنوب وحروب الجبهة).
-كان التعاون في مواجهة الجبهة في المناطق الوسطى المدعومة من الجنوب ،السبب الرئيسي في تحالف الرئيس السابق صالح مع عبدالله الاحمر والقوى القبلية والدينية ،في حين تسبب توقيع صالح عقب حرب 79م على مشروع دستور دولة الوحدة مع الرئيس الراحل عبدالفتاح اسماعيل في الكويت في توتر علاقاته بالشيخ الاحمر ،وكما كان الحزب الاشتراكي سبباً في خروج جماعة الإخوان من المؤتمر الشعبي وتشكيل حزب خاص بهم ضمن تكتيكات الرئيس السابق،كان سبباً أيضا في تحالف الإصلاح مع المؤتمر عام 94م.
-مثل كل شطر ملجأ لمعارضي النظام في الشطر الآخر ،فعدن كانت مقر لرموز قيادات الثورة ضد النظام الامامي وللقيادات اليسارية الشمالية ضد نظام صالح،وفي المقابل كانت صنعاء قبلة لقيادات وعناصر جبهة التحرير ولتيار الزمرة والنازحين من الجنوب وهكذا.
ر-تبادل الاتهامات بدعم وإيواء المعارضين وإرجاع أي إخفاق في الحرب على الإرهاب او الحد من نشاط الجماعات المتمردة الى وقوف الشطر الآخر ورائها:
-سيجد النظام الجديد في الجنوب نفسه مضطرا لمواجهة الجماعات الإرهابية خاصة مع سعيه لفرض سيطرته على مختلف مناطق الجنوب ،ورغم ان قوى الحراك تقلل من خطر وقوة القاعدة في الجنوب باعتبار انها تابعة لقوى شمالية ،لكن ذلك لايعني التقليل من خطورتها خاصة مع انضواء آلاف من ابناء الجنوب ضمن الجماعات المتشددة ما يجعلها رقما صعبا ومشكلة كبيرة ستفرض نفسها بعد الانفصال سيما ان الحراك لن يتمكن من تأمين الجنوب بمساحته الواسعة بسهولة ما يمثل فرصة للقوى المتطرفة للسيطرة على تلك المناطق خاصة بعد ان تمكنت من السيطرة على ابين وجزء من شبوة لاكثر من عام قبل ان تغير من مظهرها بالانضواء في اللجان الشعبية.
-كما برزت الجماعات الارهابية بقوة الى السطح في اكثر من منطقة في فترات سابقة كما حصل في يناير 2014 بشبام حضرموت بظهور علني لتنظيم القاعده واشهار ارقام هواتف لنصره المظلوم وتوزيعهم في المنطقه ،و قبل سنوات اعلنوا هاتف التوبة لمن اراد من رجال الأمن بالمكلا اعلان توبته عن محاربة المجاهدين،وهناك اخبار عن تواجد كبير للقاعدة في اربع مديريات في حضرموت،كما ظهرت جماعة (أنصار الشريعة في مدينة الحوطة وضواحيها في 2014-01-06حسب عدن الغد، معلنة بذلك عن قيام ما أسمته (أمارة لحج) الإسلامية ،وتوزيعها منشورات تدعو أبناء (ولاية لحج) الى ضرورة محاربة الامريكان وقاعدتها الموجودة في العند ـ
-كل ذلك يؤشر الى صعوبة مهمة النظام الجديد في القضاء على القاعدة، التي سيكون وجود قوات امريكية في العند واحتمال وجود قوات أجنبية أخرى لحفظ السلام ولتأمين الحقول النفطية في الجنوب،بمثابة عامل محفز لزيادة نشاطها وتكثيف هجماتها،ولن يجد نظام الجنوب سوى مبرر دعم ووقوف الشمال وراء تلك الهجمات لمواراة فشله في الحرب على الإرهاب.
-وفي الجانب الآخر يرجح تشكل حركة مسلحة في البيضاء تطالب الانضمام الى الجنوب ،في حين ان الشمال سينظر الى ان نظام الجنوب يقف وراء ذلك ،كما سينظر الى أي تنامي في نشاط الحراك التهامي او في توسع الحوثي بانه مدفوع من الجنوب .
ز-شماعة الشمال لبناء دولة الجنوب :
كما ذكرنا مرارا ان التاريخ يعيد نفسه بطريقة عجيبة ما يعني ان استمرار ارتباط وتداخل الإحداث والتطورات الرئيسية في الشطرين يبعضهما أمر لاجدال فيه ،وسيستمر تأثر كل شطر بما يحدث في الشطر الآخر سواء كان ذلك برضاء قادة الشطرين او لا،وهذا الامر ينطبق أيضا على دولة الجنوب الثانية،التي يرجح لجوء البيض وبدعم من تياره لاستخدام الشمال كشماعة او ذريعة للتخلص من خصومه وإزاحة المنافسين في طريق بناء نظام يلبي رغبته في احتكار النفوذ والسلطة والثروة وتحديد نهج وسياسات النظام بما ينسجم مع ارتباطاته وتحالفاته الخارجية .
-يفترض وفق المعطيات الحالية أن دولة الجنوب ستنشأ بموجب تحالف ثلاث تيارات رئيسية لدورها المحوري في قيامها،تمثل قوى الحراك الرئيسية (مجلسي البيض وباعوم) وفصائل الحراك الأخرى والأحزاب السياسية والمنظمات المدنية عمودها الاول،،في حين تأتي القبائل كعمود ثاني لتصدرها المواجهة مع النظام في هبتها الشعبية في حضرموت او في كفاحها المسلح في الضالع ولحج،و يمثل التيار الديني ثالث أعمدة الدولة بحكم الدور الذي لعبته اللجان الشعبية المتداخلة مع القاعدة في السيطرة على الوضع في أبين وجزء من شبوة،ومشاركة عناصر إرهابية الحراك في كفاحه المسلح ،وكذا في الدور الهام للتيار السلفي المعتدل في تحريك الشارع الجنوبي عبر رجال الدين والخطباء.
-،إضافة الى أن التيار الوحدوي في الجنوب لابد ان يكون له مكانته في الدولة الجديدة،فحسب كلام سابق للبيض أن 70% من الجنوبيين مع الانفصال،مايعني ان هناك 30% مع الوحدة ،والمرجح ان غالبية هؤلاء يتركز تواجدهم في ابين وشبوة وعدن، وهؤلاء لن يقبلوا الانضواء في دولة الجنوب والتخلي عن مكاسبهم ودولة كانوا يحكمونها،الا اذا حصلوا على ضمانات تجعلهم شركاء حقيقيين في دولة الجنوب .
-يفترض ان تعبر الدولة الجديدة عن رغبات وتوجهات القوى الرئيسية فيها،لكن الإشكالية ستكون في الطريقة التي سيتم التوفيق بين الرغبات والتوجهات المتناقضة لها،فالقوى السياسية تريد دولة ديمقراطية علمانية مدنية حديثة،وفي حين ان هناك من لايزال يحلم بنظام اشتراكي معتدل يستلهم التجربة الفرنسية او الصينية،وفي الجانب المقابل ستطالب الجماعات الإسلامية وبدعم من القبائل بدولة إسلامية تكون الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع،ويكون للقبيلة مكانتها،كما ان هناك من يريد ديمقراطية شكلية،وهناك من يريد ربط توجهها بإيران والصين وروسيا خاصة مع تكثيف موسكو جهودها في السنوات الأخيرة للعودة بقوة الى المنطقة،مقابل من يريد ان تسير الدولة الجديدة في فلك السعودية وهكذا .
-المرجح ان يسعى تيار البيض لفرض رؤيته على بقية المكونات خاصة انه لاينظر اليهم كشركاء او ان الدور الذي لعبوه يؤهلهم لفرض مطالبهم،وهو ما سيقابل بمعارضة شديدة من قبل غالبية المكونات الجنوبية ،لذا سيلجأ البيض للتخلص منها تحت مبررات مختلفة لكن مع ربطها في نهاية المطاف بالشمال لضمان تأييد الشارع له عبر جعلها قضية تتعلق بكرامة ووطنية الجنوبيين ورفض اليمننة و.. وكمايلي :
أ-فرض ديمقراطية شكلية يسيطر فيها رأس النظام وحزبه على كل شيء وذلك لن يتم إلا في حال تم التخلص من المنافسين السياسيين الرئيسيين خاصة من قيادات الحزب الاشتراكي وقيادات الأحزاب الأخرى التي كانت مرتبطة بالشمال كالمؤتمر والإصلاح والناصري ،وسيتم ذلك تحت ذريعة ارتباطها بالشمال واعتبار استمرارها في النظام هو استمرارا ليمننة الجنوب،لذا سيعمل البيض على حظر تلك الأحزاب ومنع قياداتها من مزاولة العمل السياسي ما سيترتب عليه حملة اعتقالات واسعة في صفوفها ونزوح الكثير من تلك القيادات مع عائلاتهم الى الشمال .
ب-السعي لاحتكار الثروة والسلطة والجيش،وذلك لن يتم الا في حال تم إضعاف شوكة اللجان الشعبية والجماعات الإسلامية وتحالف القبائل،لذا سيتم اللجوء الى ورقة الإرهاب ضد اللجان الشعبية واتهامها بالارتباط بصنعاء ،وتوجيه اتهامات لتحالف القبائل بالسعي لفصل حضرموت عن الجنوب بتنسيق مع السعودية والشمال .
ج-من غير المستبعد أن يعطي البيض الضوء الأخضر للمتشددين من إتباعه ممن سقط لهم ضحايا من أقاربهم على يد الجيش خلال عمليات الكفاح المسلح للانتقام والأخذ بثأرهم من القيادات العسكرية والمدنية عبر شن عمليات انتقامية واغتيالات تستهدف القيادات العسكرية والأمنية التي كانت في النظام أيام الوحدة،والتي ينتمى اغلبها الى أبين وشبوة،والهدف من ذلك التخلص من شراكة التيار الوحدوي في دولة الجنوب ،وقطع الطريق تماماً إمام هذا التيار مستقبلاً لاستعادة قواه والحيلولة دون عودة الأصوات المطالبة بالتوحد مع الشمال مجددا،او حتى سماع أصوات تعبر عن ندمها لانفصال الجنوب كما حدث في إعراب عدد من مواطني جنوب السودان في تقرير لل بي بي سي من احد مخيمات النازحين الجنوبيين عن حسرتهم لانفصال بلادهم عن الشمال،وتحولهم الى لاجئين في احد مخيمات النزوح في السودان بعد ان كانوا مواطنين يتمتعون فيه بكامل حقوق المواطنة.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها