الحوثيون..رجل في الحوار ويد على الزناد (قراءة في مشهد التوسع تحت ظل البندقية)
دأب الحوثيون منذ اندلاع ثورة الشباب في اليمن على توسيع مناطق تواجدهم وإحكام السيطرة على مناطق نفوذهم في ظل انتهاج سياسة مستنسخة من سياسة ‘حزب الله’ اللبناني الذي يتحكم في مفاصل الدولة اللبنانية من وراء ستارة التشكيلة السياسية في البلاد.
لم يصل الحوثيون بالطبع إلى المستوى نفسه الذي عليه حزب الله، غير أنهم في سعي حثيث لتحقيق ذلك غير مدركين لاختلاف الظروف السياسية والتعقيدات الاجتماعية والمذهبية بين لبنان واليمن.
ومع اقتراب مؤتمر الحوار الوطني من نهايته، كشف الحوثيون بشكل واضح عن نواياهم في قضم المزيد من الأرض، وضمها لمحمية صعدة التي أحكموا السيطرة عليها بعيد اندلاع ثورة الشباب في اليمن، حيث فجروا العديد من الجبهات في صعدة (منطقة دماج ذات التوجه السلفي التي قام الحوثيون بتهجير أهلها)، وحجة وعمران والجوف، ثم محاولات الظهور بمظهر التيار ذي القواعد الشعبية الواسعة بركوب موجة المناسبات الدينية التي يحضرها جمهور واسع من الناس لا متابعة لمنظميها، ولكن تقديراً للمناسبة في مجتمع متدين بالطبع.
ولم تكن المعارك الأخيرة التي فجرها الحوثيون بمعزل عن الهدف البعيد لهم في فرض سياسة أمر واقع عندما تأتي مرحلة تحديد الأقاليم بعد الفراغ من الحوار الوطني في البلاد.
وقد حاول الحوثيون أكثر من مرة تعطيل جلسات الحوار الوطني بافتعال الأزمات داخل قاعة الحوار، تارة بالانسحاب، وأخرى بالاعتصام، وثالثة بافتعال الفوضى لإرباك سير العمل.
ولا شك أن هناك تشابكات وتقاطعات محددة بين العوامل الخارجية والداخلية في الحروب التي يثيرها الحوثيون هنا وهناك في البلاد لنيل اعتراف بوجودهم قوة عسكرية في صعدة وسياسية في صنعاء.
يرى الكاتب السفير عبدالوهاب العمراني أن حروب الحوثيين وغيرهم ما هي إلا إفراز من إفرازات الربيع العربي، يقول العمراني ’ ‘الحروب التي تجري في اليمن لاشك بأنها تدخل في سياق افرازات الربيع العربي في نسخته اليمنية’. ولا شك أن ثورة الشباب في اليمن فتحت الباب واسعاً أمام طموحات الحوثي بالتوسع، وإحياء حلم التيار الذي ينتمي إليه في العودة للسلطة بشكل أو بآخر. ويضيف العمراني مشيراً إلى تعقيدات المشهد أن القبيلة في اليمن لعبت دوراً في إذكاء الصراع، يقول ‘ولعل ما يزيد المشهد اليمني السياسي والأمني سخونة بأن القبلية تداخلت مع الأطماع السياسية والمذهبية’.
وحول حروب الحوثيين التي فجروها في الفترة الأخيرة يضيف العمراني أن الأمر لا يخلو بالطبع من تدخلات خارجية، ويقول ‘يبدو ان الحوثيين في الوقت الذي يشاركون فيه في الحوار وهذا معناه الاقرار بسلمية الاختلاف، الا انهم للأسف يفتعلون صراعاً مع اخوانهم ممن عرفوا بالسلفيين وكأن منطقة شمال اليمن ساحة لهم وعليه فتمددهم في محافظات شمالية في حجة والجوف وعمران ماهو الا ضمن اجندة خارجية للأسف ، وهم يعترفون بدعم ايراني’، ويحمل العمراني النظام السابق مسؤولية ما يجري حالياً من صراع، يقول ‘النظام السابق هو الذي اوجد مثل هذه الخلافات بسياسة فرق تسد فزرع في تلك المناطق النقيضين ليشغل احدهما بالأخر ويستمر حكمة او يأتي في نهاية المطاف بصفة المنقذ (الوطني)’.
ويضيف العمراني مشيراً إلى العامل الخارجي في الصراعات بين الحوثيين والسلفيين أن أيادي خارجية تذكي هذا الصراع ويذكر تحديداً إيران التي تدعم الحوثيين، غير أنه ينفي أن تكون السعودية قد تخلت نهائياً عن دعم السلفيين الذين يشتبكون مع الحوثيين في أكثر من منطقة في البلاد، يقول ‘أما عن ما يردد عن تخلي السعودية عن دعمها للسلفيين ودعمها للحوثيين كمرحلة تكتيكية ، فلم يتم التأكد من صحة ذلك ولكن ما تجدر الاشارة اليه هنا ان توجهاتها (السعودية) لم تعد حسب ايديولوجيتها المذهبية كما كان في الماضي، بل سياسية والا فماذا يعني وقوفها ضد الاسلاميين في مصر وتحالفها مع العسكر’.
أما الكاتب رياض الأحمدي فيرى أن توسع الحوثيين هو ثمرة لعامين من ترك الحبل على الغارب له يفعل ما يشاء، يقول الأحمدي ‘التوسع الحوثي في المحافظات الشمالية هو ثمرة أكثر من عامين من ترك الدولة الحبل على الغارب للجماعة بالتسلح والتدرب والسيطرة على محافظة وأكثر، مساحتها تفوق مساحة لبنان، مستغلة الصراع السياسي بين القوى الرئيسية والمرحلة الانتقالية التي وقعت البلاد في ظلها بمصيدة الوصاية الأجنبية وتحولت الدولة إلى ساحة من دون بواب تزرع وتدعم الجهات الدولية المعادية فيها مختلف الخلايا الإرهابية والجماعات المسلحة’.
ويرى الأحمدي أن توسع الحوثي هو أحد مخرجات الحوار الوطني، يقول ‘يمكن اعتبار توسع الحوثي أحد مخرجات مؤتمر الحوار الذي أريد له أن يفكك ما تبقى من المؤسسات الدستورية ويوصل الدولة إلى الصفر. فمنذ استدعائهم للحوار ومنحهم الشرعية السياسية، قطع الحوثيون أشواطاً طويلة في الجانبين، السياسي والميداني، في مقابل تشجيع فتنة مستمرة بين الأطراف السياسية الوطنية وتغييب وتهميش للقبيلة والتيار الديني الذي يقف على النقيض من الحوثي’.
ويرى الأحمدي أن ‘هناك تخوفا من أن تكون أطراف دولية تمارس مع قيادات في الدولة لعبة خبيثة بتهيئة الطريق لسيطرته (الحوثي) على أجزاء من العاصمة لتفجير الأوضاع فيها’.
وعن الدور السعودي، يقول ‘السعودية هي أقل اللاعبين في المشهد السياسي في اليمن حالياً بسبب إحكام الولايات المتحدة وأطراف أجنبية القبضة على النفوذ داخل الدولة’، ويضيف أن الرياض ‘متضررة إزاء تعقد الوضع الذي يصب لصالح أطراف إقليمية ودولية أخرى، فإيران تتبعها جماعة مسلحة وأحزاب ومنظمات عديدة، والولايات المتحدة لها تواجد ونفوذ في الملف الأمني والعسكري وتدخل في سياسات الدولة’.
وينفي الأحمدي أن يكون الرئيس السابق يدعم الحوثيين بشكل مباشر ويقول ‘اتهام الرئيس السابق علي عبدالله صالح بدعم الحوثيين- في القترة الأخيرة خصوصاً- مزايدة سياسية، ولكن هناك قيادات في حزبه أو شخصيات محسوبة عليه وجهت ولاءها شطر الحوثي، بعد أن تقوى وحصل على مشروعية سياسية’ ويضيف الأحمدي عن ما يقال عن التحالف بين صالح والحوثيين’من الممكن أن يكون هناك خط تواصل لا يرقى إلى الدعم أو التحالف، لأن أياً منهما لا يأمن الآخر’.
وبين انشغال الدولة بملف الحوار، ومحاولاتها إطفاء الحرائق الملتهبة هنا وهناك في أكثر من بقعة في البلاد، يستغل الحوثيون فترة الانشغال هذه بمزيد من الأزمات التي يفتعلونها تارة مع القبائل، وأخرى مع السلفيين، وثالثة مع حزب الإصلاح من أجل استمرار جو الفوضى، لأن هذا الجو هو البيئة المناسبة لهم للتوسع والانتشار، وذلك ما جعلهم يحاولون إرباك الحوار بشتى الوسائل الممكنة لاستمرار الخلافات السياسية بين الفرقاء السياسيين في صنعاء، تلك الخلافات التي يحاول الحوثيون من خلالها التوسع عسكرياً وسياسياً.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها