صراع قوى في أبين
يبدو أن محافظة أبين تتجه لتصبح ساحة صراع مفتوح بين قوى النفوذ القديمة في سلطة الرئيس السابق علي عبد الله صالح وقوى الرئيس الحالي عبده ربه منصور هادي وهي قوى ينتمي إليها عرقياً، ويبحث من خلالها عن عمق تقليدي يستند إليه في مرحلة رئاسته لليمن.
ويرى محللون ومراقبون أن هذا الصراع ليس فقط لكون محافظة أبين هي معقل الرئيس هادي وإنما لكونها محط اهتمام العالم أجمع لوجود الجماعات المتطرفة فيها.
أزمة الخالدي
وتعد أزمة عبد الله الخالدي نائب القنصل السعودي بعدن الذي يحتجزه الفرع اليمني لتنظيم القاعدة منذ أربعة أشهر أحد ملفات هذا الصراع، حيث أرجع محللون سبب تعثر مفاوضات الإفراج عنه الأسبوع الماضي إلى تدخل قوى تقليدية تعمل ضد الرئيس الحالي لليمن وعلى ارتباط بالمخلوع صالح.
ووفق الأكاديمي والباحث السياسي، سعيد عبد المؤمن، فإن الغرض من هذا التدخل جاء لعدم إعطاء الرئيس هادي نصرا إعلاميا من خلال اصطحابه لنائب القنصل معه أثناء سفره للمشاركة في القمة الإسلامية التي ختمت أعمالها أمس الأربعاء بالعاصمة السعودية الرياض.
عبد المؤمن: صراع بين صالح وهادي بأبين
وأشار في حديث للجزيرة نت إلى أن هناك صراعا يدور بين الرئيس السابق والحالي بأبين، وأن هناك أطرافا تعمل على تهديد الاستقرار الهش الذي تمر به اليمن وربما ابتزاز هادي ومحاولة إجباره على تقديم بعض التنازلات لهذه الأطراف.
وأضاف "هناك معلومات تفيد بتسليم القنصل السعودي إلى قبليين يمنيين وأن عملية التسليم للحكومة اليمنية تأجلت بدعوى أن القاعدة قد رفعت سقف مطالبها المالية، لكنها تظل معلومات غير مؤكدة".
ولفت عبد المؤمن إلى أن إجراءات التفاوض التي أحيطت بسرية تامة كان الهدف منها عدم إظهار حالة العجز للحكومتين السعودية واليمنية في معرفة مكان الدبلوماسي المختطف وتأمين إطلاق سراحه دون القبول بتنازلات قد لا تكون في الحسبان.
وكانت مصادر قد تحدثت السبت الماضي عن نبأ الإفراج عن الدبلوماسي السعودي عبر وساطة قادها نجل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وبصفقة مع الأمن اليمني تقضي بإطلاق معتقلين للقاعدة من السجون اليمنية والسعودية وفدية مالية، ثم عادت وأشارت إلى أن الخاطفين تراجعوا عن قرار تسليم الدبلوماسي السعودي باللحظات الأخيرة.
تضارب الأنباء
غير أن مصادر قبلية في أبين نفت صحة الأنباء التي تحدثت عن فشل المفاوضات باللحظات الأخيرة، وأكدت أن نائب القنصل السعودي قد تم الإفراج عنه بالفعل.
وقال طارق الفضلي، أبرز مشايخ محافظة أبين وهو زعيم قبلي قاد عملية الوساطة، إن عملية تسليم القنصل من قبل القاعدة قد تمت بالفعل ولا صحة للأنباء التي ترددت الأحد الماضي بشأن فشل الوساطة وعملية التسليم باللحظات الأخيرة.
وأكد في اتصال هاتفي مع الجزيرة نت مساء الأربعاء أن الخالدي تم تسليمه بالفعل من قبل قيادة القاعدة للوسطاء القبليين ومن ثم للجانب اليمني، ولم تعد هناك أية مفاوضات مع القاعدة بهذا الشأن.
وتوقع الفضلى أن يتم الإفصاح رسمياً عن ذلك من قبل الجانب اليمني والسعودي في غضون اليومين القادمين.
وكانت محافظة أبين قد تم تحريرها مؤخراً من سيطرة مسلحي جماعة أنصار الشريعة التابعة لتنظيم القاعدة، والذين استغلوا أحداث الثورة الشعبية باليمن وما صحبها من انفلات أمني، فسيطروا على مدينتي جعار وزنجبار ما يزيد على العام.
الشرمي: هادي يبحث عن عمق تقليدي
تحالفات قبلية
وجاءت عملية التحرير بعد تشكيل تحالفات قبلية واجتماعية في إطار ما سمي اللجان الشعبية والتي كان لها دور كبير في تطهير المحافظة من مسلحي القاعدة. غير أن حالة من الانفلات الأمني عادت من جديد الأسبوع الماضي بعد ظهور العشرات من عناصر التنظيم وتنفيذ هجمات بأهم مدينتين بأبين هما جعار وزنجبار.
ووفق الناشط الحقوقي في أبين، أسامة الشرمي، فإن معسكر الرئيس السابق صالح يود العودة لواجهة الأحداث مجدداً من خلال إمساكه بخيوط التواصل في أبين، كما أن الرئيس هادي هو الآخر يبحث عن عمق تقليدي يستند إليه في مرحلة رئاسته يتمثل في القبائل التي ينتمي إليها بهذه المنطقة.
ونبه الشرمي بحديث للجزيرة نت إلى أن الدور البارز الذي لعبته اللجان الشعبية بالتحالفات ومواجهة من يسمون أنصار الشريعة والتي لها امتدادات وأحلاف قبلية بأبين، قد يقود إلى صراعات إثنية طويلة الأمد تتحول تلقائياً بعدها لثأرات قبلية ما لم توجد الدولة بهيبتها ومؤسساتها.
من جهته اعتبر الكاتب والمحلل السياسي عوض كشميم عوامل الاستقرار بمحافظة أبين بأنها مرتبطة أساسا بنجاح مشروع التسوية السياسية المتمثل بالمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، والتي ترتكز على إعادة هيكلة الجيش وتنفيذ قرارات الرئيس في الشأن العسكري .
وأشار في حديث للجزيرة نت إلى أن مشكلة أبين الحقيقية تتمثل في حرب القاعدة من قبل الجيش اليمني واللجان الشعبية باعتبارها مليشيات شكلت من المكون الاجتماعي لأبناء أبين في مواجهة عناصر القاعدة المنتمين لمناطق أبين أصلا مما يشعل جذوة منحى الثأرات ويؤجج لهيبها.
وأكد أن الاستقرار بحاجة إلى وقت ليس بقصير نظرا لتشابك الخيوط بين جيش يعاني في جسمه العسكري من الانشقاقات ولجان شعبية تطالب باستحقاقات وعناصر متطرفة (القاعدة) تنزع نحو الانتقام واستعادة سيطرتها على المنطقة مستغلة غياب الاستقرار الذي تعاني منه الدولة عموما ومحافظة أبين على وجه الخصوص.
المصدر:الجزيرة