تمرد بالجنوب وقتال مذهبي بالشمال وحوار على وقع الاغتيالات
شهدت الساحة اليمنية في عام 2013 تطورات سياسية وأمنية مهمة، أبرزها مؤتمر الحوار والعمليات الإرهابية المتصاعدة. وكان العام الذي يلفظ أنفاسه عاما أمنيا وسياسيا بامتياز، حيث شهد تطورات عديدة، وأبرز أحداث عام 2013 في اليمن تمثلت في مشهدين رئيسين، الأول سياسي ويتعلق بانطلاق مؤتمر الحوار الوطني الشامل في مارس (آذار) مطلع العام، وهو المؤتمر الذي نصت عليه المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لحل الأزمة ونقل السلطة في اليمن، في إطار التسوية السياسية الشاملة في البلاد التي انطلقت في ذلك التاريخ، ومع نهاية العام الميلادي يختتم الحوار الوطني الشامل بالاتفاق على قيام دولة اتحادية تتكون من عدة أقاليم وولايات، ومع أن بعض الأمور ما زالت عالقة في المؤتمر، فإنه سيتم تشكيل لجنة لصياغة الدستور وتحديد جغرافيا الأقاليم بصورة علمية ومنهجية.
وفي هذا السياق، يقول عبد الباري طاهر، نقيب الصحافيين الأسبق، لـ«الشرق الأوسط»، إن الوضع في اليمن ومع نهاية عام 2013 «مضطرب، والأمن منفلت، ولا تزال الأمور على حالها وربما أميل إلى الأسوأ مما كانت عليه قبل بداية الحوار الوطني، ونتائج هذا الحوار في مهب الريح، لأن الوضع القائم الآن مشهده الاختلال الأمني، والحرب قائمة في صعدة، وهناك هبة شعبية في حضرموت، واضطراب في كل المحافظات من دون استثناء وبالأخص المحافظات الجنوبية». ويردف طاهر، وهو رئيس دار الكتب اليمنية، أن «هناك، للأسف الشديد، تمزقا للإرادة الوطنية، ولا توجد إرادة دولة حقيقية تصنع قرارا وتحافظ على هيبة الدولة، وتوحد الجيش وتتخذ إجراءات أمنية صارمة وتحافظ على الأمن والاستقرار، ولذلك ستكون إجراءات الحوار الوطني في مهب الريح، إذا لم تتخذ إجراءات صارمة وبالأخص في ما يتعلق بتوحيد الجيش ووقف الحرب في صعدة والاستجابة لمطالب الناس في الجنوب ومعالجة الأوضاع المعيشية ومعالجة وضع تهامة، فكل هذه الأمور تترك الحوار ونتائجه مجرد موعظة حسنة»، لأن «ما يجري على صعيد الواقع أمر مختلف عما يتم الاتفاق عليه في الحوار الوطني، لأن ما يجري في صعدة هو أمر واقع وأيضا في حضرموت، وفي الجنوب غدا سوف يفرض أمر واقع، أيضا، وربما في مناطق كثيرة من اليمن سوف يتم فرض أمر واقع خارج ما يتم التوافق عليه في الحوار الوطني، لأن ما تم الاتفاق عليه في الحوار لم يتم تنفيذ أي شيء منه منذ البداية».
أما المشهد الثاني وهو مشهد دام، وكان بارزا على سطح الأزمة اليمنية، فهو المشهد الأمني، حيث تزايدت عمليات تنظيم القاعدة ضد المصالح العسكرية والأمنية، وارتفعت وتيرة الهجمات ضد القوات الحكومية في أكثر من مكان، إضافة إلى عمليات الاغتيالات بحق عشرات الضباط في الجيش وأجهزة الأمن والمخابرات، إضافة إلى عمليات نوعية استهدفت مصالح حيوية في البلاد لعل أبرزها الهجوم الذي استهدف مجمع وزارة الدفاع في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، والذي جرت خلاله تصفية معظم الكوادر الطبية والتمريضية في مستشفى العرضي التابع لمجمع وزارة الدفاع في صنعاء القديمة، وهي مشاهد تصفية لم يشهدها اليمن من قبل وكانت بشعة للغاية ولقيت ردود فعل محلية وإقليمية ودولية منددة وغاضبة، وقبل ذلك محاولة اغتيال وزير الدفاع اللواء الركن محمد ناصر أحمد، أمام مبنى رئاسة الوزراء، واغتيال قيادات عسكرية وأمنية بارزة في الساحة اليمنية. وسجل عام 2013 أعلى نسبة في عمليات الاغتيالات التي طالت ضباطا في جهازي المخابرات (الأمن السياسي والأمن القومي)، إضافة إلى اغتيال قادة عسكريين وخبراء أجانب يعملون مع السلطات اليمنية في القوات المسلحة، ولعل أبرز ما شهدته الساحة اليمنية في العام المنصرم محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس عبد ربه منصور هادي في أحد الشوارع أثناء عودته إلى منزله، إضافة إلى القرار الذي اتخذه مجلس النواب اليمني (البرلمان) بحظر تحليق الطائرات الأميركية من دون طيار في الأجواء اليمنية، وذلك بعد مقتل نحو 15 شخصا في محافظة البيضاء بوسط البلاد، بصاروخ من طائرة أميركية من دون طيار كان يستهدف عددا من قيادات تنظيم القاعدة، لكنه استهدف بالخطأ موكب زفاف وقتل عددا من المدنيين، وهو الأمر الذي أدى إلى أن يثور عدد من القوى ضد الحكومة اليمنية التي لم تعلق، حتى اللحظة، على قرار البرلمان بحظر الطيران الأميركي.
كما شهد العام المنقضي سلسلة من المحاكمات التي خضع لها عناصر من تنظيم القاعدة في صنعاء وعدن وغيرهما من المحافظات، بالإضافة إلى كثافة نشاط التنظيم في محافظة البيضاء مع انحسار ملحوظ في نشاطه في محافظتي أبين وشبوة وتزايد بالمقابل في محافظة حضرموت. وبخصوص تزايد عمليات تنظيم القاعدة خلال عام 2013، يصف سعيد عبيد الجمحي، الخبير في شؤون الإرهاب، نشاط «القاعدة» خلال 2013 بأنه كان كبيرا، وأنه كان عام تحول جذري لـ«القاعدة» في اليمن، حيث تحولت من الظهور ووجودها في إمارات، كما تسمى، إلى عمل تكتيكي بضربات فردية واغتيالات واسعة النطاق، إضافة إلى عمليات كبرى جعلت من «القاعدة» أكثر تهديدا بالنسبة للبلاد، وهي تكاد تكون الطرف الأكبر إعاقة لحركة البلاد الأمنية والاقتصادية والاجتماعية. ويؤكد الخبير الجمحي أنه في عام 2013 «ظهرت لدى تكتيكات (القاعدة) أنها أكثر اختراقا في داخلها نتيجة ما برز من عملياتها بأن لديها معلومات تستفيد منها في هجماتها، وأيضا أن أطرافا أخرى تقوم باختراقها باعتبار أنه لا يمكن أن تعد (القاعدة) لتلك العمليات ما لم تكن تلك الأطراف قد أوصلت إليها تلك المعلومات، وبالتالي فإن (القاعدة) في 2013 تعد أكثر تعقيدا وأكثر خطورة».
وفي مشهد ثالث يجمع بين السياسي والأمني، يبرز ما يجري في جنوب البلاد الذي تصاعدت فيه المطالبات الانفصالية كما توصف، بالتزامن مع الانفلات الأمني الذي لم يقتصر على الجنوب بل شمل معظم المحافظات اليمنية، وبالأخص في شرق البلاد، حيث تعرضت خطوط الكهرباء وأنابيب النفط والغاز لعشرات التفجيرات التي ما زالت مستمرة حتى اللحظة، وتوجه اتهامات مباشرة وغير مباشرة إلى أطراف في الساحة اليمنية بالتورط في تلك العمليات التي أعاقت مسيرة الاقتصاد اليمني الذي يعتمد بصورة مباشرة على المساعدات والدعم والهبات من قبل الدول المانحة، سواء دول الخليج الإقليمية أو المجتمع الدولي.
ومن أبرز المشاهد في الساحة اليمنية خلال 2013 الحرب «المذهبية» التي اندلعت في منطقة دماج بمحافظة صعدة بين الحوثيين والسلفيين، حيث تسعى جماعة الحوثي إلى اجتثاث السلفيين من تلك المنطقة التي كانوا موجودين فيها منذ عدة عقود، عندما قام الشيخ الراحل مقبل الوادعي بتأسيس معهد دماج السلفي في عقر دار الزيدية، قبل أن تتحول صعدة إلى منطقة تتبع المذهب الاثني عشري وتدين بصورة مباشرة وغير مباشرة بالولاء لإيران.
وشهد عام 2013 نشاطا ملحوظا لقوى تقليدية في تهامة على الساحل الغربي، حيث تزايدت مطالب المواطنين التي انصبت على الابتعاد عن المركز الرئيس في صنعاء، بالتزامن مع سلسلة واسعة من عمليات نهب الأراضي وممتلكات المواطنين في تلك المنطقة على البحر الأحمر.
ومع نهاية العام يأمل اليمنيون في أن تكون نهاية لسنة كبيسة وبداية لسنة جديدة يعمها الأمن والاستقرار وتطبيع الأوضاع السياسية في البلاد. ويقول مواطنون لـ«الشرق الأوسط» إن مطلبهم الأساسي هو الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، بعد أن شهدت البلاد سلسلة من الحوادث التي حولت الأمن إلى خوف والتنمية إلى عدم استقرار يهدد كل ما يتعلق بحياة الناس اليومية. ويرى المواطن اليمني العادي أن البلاد ليست في حاجة إلى مزيد من الأزمات والحروب، لكن البعض الآخر يرى أن أطرافا في الساحة اليمنية لا يمكنها أن تخمد أو تقبل بالأمر الواقع، ويمكنها اختراع المزيد من الأزمات والمشكلات والحروب لتحقيق مصالحها.. وإزاء التشاؤم والتفاؤل، تظل كل الخيارات مفتوحة أمام اليمنيين.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها