الهبة الشعبية بين المكاسب الحضرمية ومأزق الخسائر الحراكية
مشكلة علي سالم البيض ليست في ارتكابه الأخطاء وإنما في وقوعه المتكرر فيها،لذا من الطبيعي أن نجده اليوم واقع في مأزق بسبب محاولته ركوب موجة هبة قبائل حضرموت بل وسرقتها لصالح مشروعه بقرار انفرادي متسرع وغير مدروس بمحاولته تحويلها الى كفاح مسلح ،وكل ذلك ارتد سلباً عليه والحق بالحراك خسائر لم تكن في الحسبان مقابل نجاح الحضارمة وبذكاء شديد في تحقيق مكاسب كبيرة من الهبة وكمايلي :
مكاسب حضرمية :
1-تمكنت قبائل حضرموت وبخطوة واحدة من التحول الى لاعب رئيسي على الساحة ربما يفوق في أهميته وتأثيره دور الحراك والحزب الاشتراكي ،وهذا الأمر سيفرض نفسه في المدى المنظور على المشهد اليمني خاصة من حيث ترجيح موقف التيار المطالب بالإقليم الشرقي بعد أن جعلته الهبة الشعبية أمر واقع على الارض لايمكن تجاهله .
2- اثبت الحضارمة تميز وخصوصية حراكهم عن حراك البيض والمكونات الأخرى وعدم تبعيتهم للحراك خاصة بعد رفضهم رفع الإعلام الشطرية او صور البيض خلال لقاء القبائل بمديرية غيل بن يمين وفي المهرجانات التي نظمها الحلف في الايام الماضية،وكذا من خلال التأكيد على سلمية الهبة الشعبية وحرصهم في الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة ومنع أعمال الفوضى والعنف ،فجميع المهرجانات التي نظمها الحلف تميزت بسلميتها كمهرجان تريم مثلاً ،أو بحماية رجال القبائل في سيئون للممتلكات العامة وأمثلة أخرى تدل على سلمية ابو حضرم لكنها في الوقت ذاته تؤكد وقوف أنصار الحراك وراء إحداث العنف التي وقعت في بعض المناطق في المكلا وسيئون سيما مع هجمات مماثلة لأنصار الحراك في عدن والضالع ولحج.
3-نجح حلف القبائل في تحقيق أهدافه بطريقة سلسة ودون أي خسائر تذكر،مكتفياً بصورة مؤقتة بتمكنه من إثبات حقوق الحضارمة عبر إضفاء شرعية عليها بقبول النظام بها وتعهده بتنفيذها ودعم مختلف القوى السياسية لتلك المطالب سيما مع طابعها الحقوقي،وفي الوقت ذاته تجنب الحلف تحويل حضرموت الى ساحة للعنف والصراع وتصفية الحسابات كما كانت تخطط له بعض القوى.
- حرص القبائل الى عدم الانجرار في مخطط البيض،يرجع لرفضهم التحول الى رأس حربة لمواجهة النظام وما يعنيه ذلك من تدمير لحضرموت من اجل هدف لا يسعون الى تحقيقه أصلا ( استعادة دولة الجنوب) بل على العكس ان الكثير منهم يفضل البقاء في إطار اليمن الموحد على الرجوع الى مظلة دولة الجنوب .
خسائر الحراك :
خسر الحراك كثيرا جراء محاولته ركوب هبة القبائل للانتقال من المرحلة السلمية إلى مرحلة الكفاح المسلح ومن أبرز خسائره الظهور في صورة مغايرة تماماً لما يروج له قادته وأنصاره وإعلامه،فانحصار رفع الاعلام الشطرية في حضرموت على المكلا والشحر وحالات فردية في مناطق أخرى،وتركز الهبة الشعبية في عدن بدرجة رئيسية على مديرية المنصورة ،والاكتفاء بمجرد رفع الإعلام على بعض المرافق الأمنية دون السيطرة عليها،إضافة الى هجمات محدودة في معاقله في الضالع ولحج،كل ذلك أدى الى :
1- إثارة تساؤلات حول حجم القاعدة الشعبية للحراك في مختلف مناطق الجنوب ،وكشف أيضا عن ضعف شعبية الحراك في أهم محافظتين في الجنوب(عدن وحضرموت) بعد محاولات مضنية بذلها في الأعوام الأخيرة للظهور كصاحب اليد الطولى في المحافظتين .
2-تنفيذ الحراك هبته الشعبية بصورة ضعيفة للغاية جعلته عاجزا عن تحقيق أي مكاسب واضحة منها خاصة بعد الترويج الإعلامي المكثف للهبة في إعلامه والحرب النفسية الشديدة التي مارسها والترويج بالاستقلال خلال أسبوعين من بدء الهبة وقبل ذلك الاجتماعات والمهرجانات التي نظمها الحراك في المحافظات الست لإنجاح الهبة ،ما أظهر الحراك وكأنه مايزال في سنواته الأولى وظاهرة إعلامية وفرقعة صوتية أكثر من كونه قوة حقيقية على الارض.
-انحصار تنفيذ الهبة في عدن على المنصورة بصورة رئيسية مع بعض الحالات العشوائية في مديريات أخرى يعني أحد احتمالين :
-الأول صحة طرح بعض أبناء الجنوب ببراءة غالبية أبناء عدن من الحراك وفعالياته وما يدعو اليه،وأن من يشاركون في مهرجانات الحراك في عدن معظمهم من خارج المدينة خاصة من أبناء لحج والضالع .
-الثاني رفض غالبية أنصار الحراك لتوجه تيار البيض للانتقال بالحراك من النضال السلمي الى حمل السلاح والعنف والإرهاب او مايسمى الكفاح المسلح ،وفي حال صحة هذا الأمر فأن استمرار قيادة البيض للحراك في المستقبل المنظور سيكون محل شك كبير ،ومن غير المستبعد تراجع قدرته في التحكم بنشاط الحراك الميداني في قادم الأيام ،مع تنامي شريحة المتمردين من شباب الحراك على قياداته المأسورة للماضي بكل صراعاته ومآسيه.
-صحيح أن هناك من سيرجع السبب في انحصار الهبة في عدن ومناطق أخرى الى الإجراءات الأمنية المشددة ،لكن مهما كانت القبضة الحديدية مشددة لايمكن أن تصمد في وجه إرادة شعب وإيمانه بقضيته ،لذا فقد أظهرت الهبة أن من يحمل المشروع الانفصالي هم جزء من أبناء الجنوب وليس كلهم ،كما أن هناك شكوك في مدى إيمان هؤلاء ليس بعدالة قضيتهم وإنما بمدى صوابية الهدف الذي يسعى قادتهم لتحقيقه .
الكفاح المسلح :
-لاشك أن قادة الحراك سيترددون كثيرا قبل الإقدام مرة أخرى على مغامرة مسلحة من هذا القبيل ،فهزالة الهبة وبدائية الهجمات نسفت الاعتقاد الخاطئ لدى الكثيرين بشأن سهولة اللجوء لخيار الكفاح المسلح وفعالية نتائجه خاصة مع الحقائق التالية :
1-الخلافات الكثيرة في الجنوب داخل وخارج الحراك حول خيار الكفاح المسلح .
2-تدني فرص نجاح الكفاح المسلح سيما مع التفاوت الكبير في إمكانيات وقدرات الطرفين (النظام والحراك) من أسلحة وقوات مدربة ومنظمة و..وهذا الفارق يساعد في تصحيح الصورة المغلوطة لدى جزء من أنصار الحراك بضعف قوات الأمن والجيش وسهولة التغلب عليها.
3-دحض السلمية عن نشاط الحراك الحريص دوماً على تأكيدها في جميع بياناته وتصريحات قياداته وفي إعلامه ،وهو ما يمنح النظام مبرر قانوني لاستخدام القوة لقمعه وملاحقة واعتقال قياداته وأنصاره ،وبصوره تمكن النظام من إضعاف الحراك والحد من نشاطه لسنوات طويلة قد يحتاجها لاستعادة عافيته كما حصل عقب حرب 94م .
-لاشك أن الدعم الدولي القوي للرئيس هادي وسياساته وللنظام والوحدة بصورة عامة ،قد يستغل لصالح مثل هذا التوجه باعتباره ضوء اخضر للرئيس هادي لاستخدام القوة عند الضرورة في حال تمادي التيار المتشدد داخل الحراك في عنفه وإرهابه وضد كل من يتورط في أعمال التخريب خاصة أذا مثلت هجمات الحراك تهديدا على المصالح الغربية في بلادنا وبالذات ماله علاقة بصناعة النفط والغاز.
-في هذه الحالة قد يستغل الرئيس هادي دعوة البيض الضمنية للكفاح المسلح في خطابه لقبائل حضرموت،وماتقوم به قناته من تحريض على العنف الطائفي وكذا تورط الحراك الجلي في إعمال العنف والتخريب الأخيرة واستخدامها كقرائن لإدانة البيض وتبرير مطالبته القوى الإقليمية والدولية الفاعلة تكثيف ضغوطها على البيض للجم نشاطه وإضعاف نفوذه وتدخلاته.
4-طول الفترة التي يحتاجها الخيار المسلح لتحقيق الهدف المرجو منه،فجميع الحالات التي تم فيها اللجوء الى خيار الكفاح المسلح للتحرر من الاستعمار احتاج الأمر عقود من الزمن وخسائر بشرية ومادية كبيرة ،لكن الوضع يختلف كثيرا وبكون أكثر كارثية عند اللجوء الى القوة من قبل شريحة او فئة داخل المجتمع ضد النظام ،لان الأمر يتحول الى حرب أهلية دامية .
- تدرك كثير من قيادات الحراك صعوبة ومخاطر اللجوء الى الكفاح المسلح،وهنا لازلت أذكر كلام حيدر العطاس قبل نحو عامين في مقابلته التلفزيونية مع بي بي سي عندما ذكر أنهم إذا لم يستطيعوا استعادة دولتهم فسيتركون المهمة للأجيال القادمة ،كان أكثر ما لفت انتباهي في كلام العطاس تحميله الأجيال القادمة وليس لشباب الحراك مهمة الاستقلال،ويرجع ذلك في اعتقادي الى إدراك العطاس أن طريق الكفاح المسلح طويل وشاق ومليء بالعثرات والنكسات ومحفوف بالمخاطر وغير مضمون النتائج ،وقد يحتاج الى عشرات السنيين لتحقيق أهدافه وقبل ذلك لابد أن يمر الكفاح المسلح في مراحله الأخيرة بمفاوضات مع الخصم أي أنه سيؤدي في النهاية بصورة ما للجلوس على طاولة الحوار.
-كما أن اللجوء الى الكفاح المسلح لايعني بالضرورة نجاح هذا الخيار في نهاية المطاف لأنه قد يفشل وهناك أمثلة كثيرة على ذلك كما حصل بالنسبة لجبهة البوليساريو ،التي حملت السلاح لمدة 16 سنة في وجه المغرب من اجل تحرير الصحراء الغربية دون جدوى ،مادفعها للإعلان عن تخليها عنه والدخول في مفاوضات سلام مع المغرب العام 1991م،وهناك حالات أخرى ولعل الكثير منا يذكر قبل سنوات اتفاق السلام الذي تخلي بموجبه الجيش الجمهوري الايرلندي عن السلاح في مواجهة بريطانيا مقابل حكم ذاتي في ايرلندا الشمالية،وهناك حالات أخرى كذلك في أسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية .
أسباب ضعف الهبة :
هناك أسباب أخرى لضعف الهبة الشعبية منها سلمية ومدنية أبناء حضرموت ،والمرونة الكبيرة التي تعاملت بها السلطات وعناصر الأمن مع المتظاهرين تنفيذا لتعليمات صارمة من القيادة السياسية بضبط النفس إلى أقصى الحدود ومنع إطلاق الرصاص على المتظاهرين الا في حالة الدفاع عن النفس،إضافة الى انخراط قيادات الإصلاح في حضرموت مع هبة القبائل ما ساهم في الحيلولة دون خروج الهبة عن سلميتها،و في اعتقادي أن الصراع السعودي الايراني في الجنوب كان له دور كبير في إضعاف الهبة بسبب تناقض مشروع البيض المدعوم من إيران في استعادة دولة الجنوب مع مشروع التجار الحضارمة المدعومين من السعودية ورغبتهم في قيام الدولة الحضرمية ،وهو ما يفسر سبب بقاء البيض وحيدا في هبته المسلحة و اكتفاء التجار عبر تحالف القبائل بالمكاسب المحدودة كخطوة أولى لكنها مهمة نحو تحقيق هدفهم .
-وفي السياق كان لافتاً تواري حسن باعوم المقرب من السعودية عن واجهة الإحداث في هذه الإحداث،التي تدور رحاها في معقله ،كما أن عدم دعمه الصريح للبيض في هبته المسلحة يؤكد التأثير الخارجي في القضية ،و يكشف في الوقت ذاته زيف التسريبات المتعمدة بشأن تقارب الرجلين في الفترة الأخيرة وقرب تجاوز خلافاتهما .
-في الأخير لاشك أن المكاسب الهامة التي حققها تحالف القبائل في هبته الشعبية قد حولت كابوس الدولة الحضرمية الى واقع ولو بعد حين،وأصبح رفض القيادات الجنوبية لتقسيم الجنوب الى إقليمين أمر غير مجدي عملياً،ولم يعد إمام هؤلاء من خيار سوى البحث عن انسب الطرق للتعامل مع الوضع الجديد للخروج بأقل الخسائر الممكنة.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها