شلل يصيب جسد مؤتمر الحوار الوطني
وسط جدل مثار على مستوى عالٍ حول الزمن المتبقي وطبيعة المرحلة القادمة وأسباب تأخر الانتهاء من مؤتمر الحوار الوطني، دخلت أعمال الحوار في شلل جزئي منذ أسابيع خلت، لتصاب بشلل داخلي شبه تام منذ الأسبوع الماضي، في الوقت الذي انتقلت فيه الحركة لتنشط من خارجه على شكل خلافات نظرية سيطرت على حالة المشهد الانتقالي.
حيث علقت الجلسة العامة الثالثة أعمالها قبل ثلاثة أسابيع تقريباً، فيما وصلت نقاشات تقرير العدالة الانتقالية إلى طريق مسدود لتراوح مكانها منذ أسبوعين تقريباً، في الوقت الذي اضطرت فيه اللجنة المصغّرة للقضية الجنوبية إلى تعليق أعمالها بمجرد مغادرة جمال بنعمر البلاد قبل أسبوع.
قبل شهر تقريباً، أعلن مستشار الأمين العام للأمم المتحدة ومستشاره الخاص الى اليمن أن الحوار شارف على نهايته بعد إنجاز 90% من المواد التي توافقت عليها كافة القوى المشاركة في الحوار.
ومنذ ذلك الحين وهذه النسبة لم تتزحزح بشكل ملحوظ، وعوضاً عن ذلك حدثت انتكاسات عميقة مؤخراً، من المحتم أن تؤثر على سلاسة مسار العملية التحاورية لاسيما في قضيتي الجنوب والعدالة الانتقالية.
قبل أسبوعين تقريباً، انتهت الجلسة العامة الثالثة بمؤتمر الحوار من مناقشة التقرير النهائي لفريق الحكم الرشيد، وبذلك تكون استكملت مناقشة ستة تقارير نهائية رُفعت لها حتى الآن، هي، بحسب ترتيب مناقشتها: استقلالية الهيئات، التنمية المستدامة والشاملة، أسس بناء الجيش والأمن، قضية صعدة، الحقوق والحريات، وتقرير الحكم الرشيد.
ومنذ انتهائها من تقرير الحكم الرشيد، علّقت الجلسة العامة الثالثة، وهي الجلسة قبل الختامية، أعمالها بانتظار تقرير آخر يرفع إليها من إحدى فرق العمل الثلاث المتبقية التي لم تُرفع تقاريرها النهائية حتى الآن، وهي: العدالة الانتقالية، بناء الدولة، والقضية الجنوبية.
ومن بين تلك التقارير الثلاثة المتبقية يأتي تقرير العدالة الانتقالية في مقدّمة المرشحين لرفعه إلى الجلسة العامة لمناقشته، حيث ما يزال تقرير بناء الدولة – منذ أسابيع - بانتظار الضوء الأخضر من اللجنة المصغّرة للقضية الجنوبية التي لم تنتهِ من حسم خلافاتها بشأن شكل الدولة الاتحادية القادمة وتقسيماتها وطبيعة عملها وتوزيع ثرواتها.
غير أن تقرير العدالة الانتقالية وقع – منذ أسابيع أيضا - في كماشة الخلافات والاعتراضات والتحفظات المؤتمرية على بعض مواده، حيث وصلت المواد والقرارات التي لم تحظَ بنسبة تصويت 90% إلى 52 مادة و34 قراراً.
ولفترة ظلت مواد التقرير المختلف حولها رهن صراعات أعضاء الفريق قبل أن تنتقل إلى مشرحة لجنة التوفيق، التي اضطرت الأسبوع الماضي – بعد إعاقة ممثلي المؤتمر الشعبي لقراراتها - إلى تشكيل لجنة مصغّرة من بين أعضائها للتداول وحسم النقاط الخلافية.
لكن هذه اللجنة مازالت هي الأخرى تخوض نقاشات شديدة، ولم تحرز أي تقدّم يُذكر، عدا أنها انتهت الأسبوع الماضي من مناقشة 22 مادة مختلف حولها.
إلى ذلك، ولفترة طويلة، قاربت الشهر والنصف، كانت اللجنة المصغّرة للقضية الجنوبية علقت اجتماعاتها قبل أن تعاود التئامها أواخر الأسبوع قبل الماضي.
لكنها وعلى مدى أسبوع من النقاشات المتواصلة، عقب التئامها الأخير، ظلت غارقة في مقترحات الأقاليم وتقسيماتها دون أن تتوصل إلى أي إنجاز يحسب لها، لتدخل منذ الاثنين الماضي هي الأخرى في إجازة إجبارية عقب مغادرة مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص إلى اليمن جمال بنعمر صنعاء متوجهاً إلى نيويورك لتقديم تقريره التقييمي الدوري لمسار التسوية السياسية في اليمن إلى مجلس الأمن الدولي.
ومنذ ذلك الحين، مازالت أعمال اللجنة معلقة حتى عودة بنعمر، الذي من المتوقّع أن يعود خلال اليومين القادمين، غير أن اللجنة ستواجه مشكلة أخرى نتيجة الإعلان الأخير الذي أطلقه رئيس القضية الجنوبية والقيادي في الحراك محمد علي أحمد، مساء الأربعاء الماضي، بانسحابه ومجاميع تابعة للحراك الجنوبي من مؤتمر الحوار الوطني، على الرغم أن مجاميع أخرى مشاركة من الحراك أعلنت أنها لا علاقة لها بالانسحاب الجزئي، مؤكدةً مواصلتها المشاركة في مؤتمر الحوار حتى نهايته.
على ذلك النحو، بدا مؤتمر الحوار الوطني وكأنه أصيب بشلل داخلي شبه تام: أعمال الجلسة العامة الثالثة معلقة منذ نصف شهر بانتظار تقرير العدالة الانتقالية، بينما تقرير العدالة ما يزال في مشرحة لجنة التوفيق المصغّرة؛ أعمال اللجنة المصغّرة "لـلجنوبية" معلقة منذ أسبوع بانتظار عودة جمال بنعمر (الذي يدير لقاءاتها)؛ بينما دخل فريق بناء الدولة في إجازة طويلة منذ أسابيع منتظراً الضوء الأخضر من فريق الجنوبية.
ومع ذلك كله إلا أن ثمة حركة بسيطة مازالت تند عن جسد مؤتمر الحوار المشلول، هذه الحركة الوحيدة تنبعث من أحد رؤوس الجسد في لجنة التوفيق بالمؤتمر، التي – وحتى تحافظ على إنعاش حياة الحوار – استنجدت خلال اليومين الماضين بمناقشة رؤى بعض المكوِّنات بشأن الضمانات اللازمة لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني اللازمة عقب انتهائه.
وبشكل واضح انتقلت الحركة السياسية لتنشط أكثر خارج أروقة مؤتمر الحوار الوطني، والتي برزت على شكل تصارع نظري عاجل حول طبيعة المرحلة القادمة وهيئتها وكيفية إدارتها.
وتجسدت تلك الخلافات قبل أن يرفع بنعمر تقريره الأخير لمجلس الأمن، الأربعاء الماضي، لتنشط أكثر عقب ذلك، خلال اليومين الماضي، والتي انحصرت بين حزب المؤتمر الشعبي العام ومبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، فيما يتعلق بتفسير مضامين المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية في المهام والتوقيت.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها