إيران وضميرها شيرين عبادي !!
" يمسك القائد الديني الاعلى بالمرجعية الاساسية وفقا لنظرية الحق الالهي لرجال الدين في الحكم ، أو ولاية الفقيه ، التي ابتكرها وأسسها آية الله الخميني ، ويمسك خليفته ، مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي ، بالسلطة الحقيقية في ايران . إنه يقود القوات المسلحة ويعين المسؤولين الرسميين في هيئات الدولة المؤثرة ، من الهيئة القضائية إلى وسائل إعلام الدولة ، والاهم في مجلس الاوصياء ، وهو هيئة تدقق في القوانين الجديدة وفي الانتخابات .
وفي ظل نظام كهذا فإن أذرع الحكومة ،كالمجلس التشريعي والجناح التنفيذي ، تعمل كالملحقات . والمؤسسات تعج بالمسؤولين الرسميين الذين تُكمل سياساتهم سياسات مرشد الجمهورية ، ما يسمح لهم بتمرير القوانين وتحقيق جداول اعمالهم . وإذا انتخب الشعب رئيسا أو اعضاء في البرلمان لا تتوافق سياساتهم مع سياسات مرشد الجمهورية غير المنتخب فإنهم ينحون جانبا عمليا . وتدخل اصلاحاتهم وقوانينهم في متاهة مؤسسات الجمهورية الاسلامية "
ما سبق ذكره يعد مقتطفا من كتاب " ايران تستيقظ .. مذكرات الثورة والامل " للكاتبة والمحامية الايرانية الحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 2003م شيرين عبادي ، فحين اطاحت ثورة الشعب الايراني بحكم محمد رضا بهلوي السلالي سنة 1979م لقد كانت شيرين قاضية وتشغل رئيسة محكمة في زمن الشاه العابث والمنحل .
فبرغم وقفتها ونصرتها للثورة الشعبية المسقطة لنظام ملكي سلالي يباهي بكونه تجسيدا لحكم عمره ألفين وخمسمائة عام كانت هذه الثورة قد اختطفت من ملالي العهد الثوري الاسلامي بزعامة المرشد الخميني لتكن القاضية وشقيقاتها اولى ضحايا العهد الاسلامي الحاكم بكتاب الله وشريعته .
ثورة بدأت نذرها مع اقالة ومحاكمة اول زعيم محبوب ومنتخب ديمقراطيا الدكتور محمد مُصدَّق سنة 53م عامين فقط من حكم الرجل القوي والنزية لكنها مثلت للشعب الايراني جذوة كفاح وكرامة وثورة عارمة استطاعت في نهاية المطاف من اسقاط الشاه وحكمه وبطريقة واسلوب سلمي احتجاجي مبتكر استحق اعجاب شعوب العالم قاطبة .
هذه الثورة الشعبية لم تكن وليدة خطب الخميني القادحة بفساد الحكم فعلى الرغم من دور خطاب الزعيم الديني المنفي في فرنسا " الخميني " الذي كانت خطبة المسجلة المرسلة الى الداخل بما عُرف وقتها بحرب " الكاسيت " وفي مرحلة نضالية متأخرة ؛ إلا ان احدا من الثائرين او الاصدقاء الداعمين لثورة الشعب الايراني يمكنه دحض حقيقة امتطى الخميني ورجاله لثورة منطلقها الاساس قوى اليسار والقومية والليبرالية والديمقراطية والحزبية والشباب والمرأة والصحافة وسواها من القوى الحداثية المنافحة عقودا من اجل المزيد من الحريات والحقوق السياسية والاصلاحات الدستورية والانتخابية .
فحتى وبعيد سقوط الشاه ومغادرة الخميني لفرنسا عائدا لبلاده كان الاعتقاد السائد منصبا في ماهية النظام الجديد ، فلم يكن احدا يتوقع بان الشيخ الكهل صاحب الخطب الدينية المناوئة للشاه سيكون على رأس النظام الحاكم ؛ بل وأكثر من ذلك إذ سيصير زعيما مؤسسا لدولة دينية مجهضة لثورة عظيمة غايتها الدولة الديمقراطية الحقة كما وستكون نظرية الولاية - إنابة عن الإمام الغائب – تجربة وائدة مقوضة لمكاسب محققة وناجزة في شتى مناحي الاقتصاد والتعليم والصناعة والصحة والقضاء والمرأة والحرية والمعيشة والصحافة والوظيفة وووالخ من المنجزات المحققة للدولة الايرانية طوال مسيرة بنائها وتكونها .
نعم تعترف المرأة الفولاذية بمرارة الخيبة والخسارة التي منيت بها ايران في كنف بطاركة الاسلام السياسي وتجربتهم الفاشلة المكلفة جدا على الدولة الحديثة وعلى تنميتها وتطورها ونهضتها ، فإيران الملك الفاسد والمكروه كانت بأفضل حال من ايران حراس الايمان والعقيدة ، وايران العهد البائد كانت قد تبوأت فيه كخريجة متفوقة بالقانون وظيفة رئيسة محكمة فيما وفي زمن رسل السماء الاخيار الاطهار تم تخفيض درجتها الى مساعدة موظف .
وذلك قبل ان يتم قسرها بملازمة بيتها وفرض الهجرة على قرابة خمسة ملايين من العقول البشرية ومن اصحاب الرساميل والمهن والحرف ممن ضاقت بهم مساحة ايران في ظل حكم رجال الدين المحاربين في جبهات عدة مستنزفة للمجتمع الايراني فهناك حربا مع العراق دامت ثمان سنوات وازهقت نحو نصف مليون وكبدت خزينة الدولة مليارات الدولارات كما وهناك حرب لإحلال الفضيلة والاخلاق وحرب تطهير طالت المعارضين والمثقفين وكل من يحمل في دماغه فكرة مغايرة مناهضة لطغيان واستبداد حكم الملالي .
مأساة حقيقية تلك التي عاشتها الناشطة الحقوقية شيرين عبادي ، فالثورة التي هتفت لها بحماسة وسارت في موكبها بشجاعة واستبسال لم تكن ثورة منصفة وعادلة لائقة بتضحيات ونضال الشعب الايراني ؛ بل كانت ثورة ظالمة قاتلة وكابوسا عاشه الضمير والعقل الايراني الذي مازال اسيرا في غيهب العصور الظلامية الحجرية الكهنوتية .
ما افظع السنوات التي عاشتها هذه المرأة الصلبة والصامدة في مواجهة اعتى نظام قمعي ظلامي ثيوقراطي لا يتورع عن مراقبة ايمانك واخلاقك وبعقابك والنيل من حياتك ولمجرد تصرف عفوي لم يعجب حماة الفضيلة والايمان ؟ سنوات من القهر والاذلال والجبروت والرعب والقتل والسجن والتنكيل ، لقد خضعت هذه الانثى لا بشع صنوف القسوة والاضطهاد والاقصاء ، ومع مرارة وعناء حقبة سوداء كئيبة لم تستسلم او يهن كفاحها ونضالها لأجل استرداد ايران وتصحيح مسارها في سياقها التاريخي والحضاري .
نعم فبعيد قراءتي لسيرتها الملهمة الناضحة بالقسوة والشجاعة والايمان والصبر والتضحية وجدتني في النهاية مجبرا للكتابة عن صاحبة هذه السيرة المفعمة بترف لا نظير له من المشاعر الانسانية المنسابة كشلال متدفق يروي ظمأك كقارئ لذكريات امرأة فائضة بالأمل والتفاؤل والتحدي والمقاومة والمحبة والعزيمة والرفض والشجاعة والايثار فاستحقت بذلك اجلال واحترام شعوب العالم الحر .
فمثلما دونت نكبة وطنها بلحظة عودة الخميني واستقباله العارم والكثيف من الجماهير الثائرة الهاتفة بسذاجة وعمى ها هي المرأة المتوجة بجائزة نوبل عائدة من ذات المكان " فرنسا " الى ايران ليستقبلها قومها المستيقظ المتعطش الثائر استقبال الزعيم القومي المجسد لتطلعاتها وآمالها في استعادة جمهوريتها المختطفة .
نعم لم تعد المرأة الى السجن كمارقة خارجة عن ثوابت حراس الضمير ؛ بل عادت مكللة بطموح وأمل ثورة ايران الناهضة المتحررة من ربق الظلام والكهنوت والجهل والدجل والزيف والخوف والاضطهاد والتخلف والاحتقار والعبث الممارس ردحا باسم الله وتطبيق شرعه وطاعة اوامره ونواهيه .
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها