شماعة الخارج !!
ما أسهل الكلام عن مؤامرة خارجية هدفها سوريا او مصر أو العراق ! فنظرية المؤامرة لدينا استولت على ادراك وذهن الكثير من النخب السياسية والفكرية والدينية ، إنها ثقافة مضللة مخاتلة مشوهة لحقيقة المشكلة الداخلية الناتجة في الاساس عن انظمة سياسية مستبدة فاسدة غير قادرة على التأقلم والتعايش مع بيئة عولمية عنوانها الديمقراطية والحريات واحترام حق الانسان في الحياة والرأي والمعتقد والكرامة وسواها من المفاهيم العصرية الطارئة على ثقافة الطغاة والديكتاتوريين من الحكام المحليين الفاسدين .
فحين استيقظت مجتمعات هذه الاوطان النائم اهلها قرونا قيل بان ثوراتها وقرابينها ليست سوى مؤامرة غربية امريكية صهيونية ،تسأل وببراءة ومرارة : ألم تكن امريكا واوروبا داعمة ونصيرة لهذه الانظمة العائلية الطائفية العسكرية الموغلة بالفساد والبطش والتنكيل بكل من يناهضها ؟ ألم يقل ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا امام مجلس العموم منافحا عن مشاركة بلده ضمن قوات حلف الاطلسي في ليبيا قائلا : مصلحة بريطانيا اقتضت منا دعم الانظمة الديكتاتورية خلال الحقبة المنصرمة ومصلحة بلادنا - ايضا – تقتضي منا دعم المجتمعات الثائرة اليوم " .
الغرب يا قوم ليس خيرا او شرا مطلقا كيما نلقي على كاهله كل سوءتنا وعجزنا واخفاقنا ، لماذا علي تصديق قولة ان ما يجري في امصار عربية ليس إلا مؤامرة تم حياكتها في البيت الابيض ؟ ألم يقل الرئيس المخلوع بان ثورات الشباب العربي مجرد مؤامرة صهيونية امريكية يتم ادارتها وتوجيهها من عمليات في تل ابيب ؟ وعندما طلبت الخارجية الامريكية تفسيرا لهذه الكلمات النارية التي اطلقها صالح في جامعة صنعاء في ذاك الوقت لم يتأخر إذ سرعان ما اعتذر قائلا : إنه قد أسيء فهمه نتيجة للترجمة الخاطئة إذ لم يرد الاساءة لأصدقائه الامريكيين
نعم فأوروبا وامريكا همها الاول المصلحة والمنفعة العائدة عليها من هذه الدولة او تلك ، المسألة الاخرى تتعلق بقيم ليبرالية واخلاقية تحتم عليها التعامل معها بمرونة وتؤدة وحنكة وبقدر من الالتزام المجل لإرادة المجتمعات الحرة ، فعلى هذه القاعدة الاصيلة من المصالح الاقتصادية الحيوية مع الخارج وكذا من الالتزام بقيم ليبرالية واخلاقية تجاه المواطن في الداخل ؛ يتصرف ساسة اوروبا وامريكا إزاء مختلف القضايا والمشكلات المحتدمة الآن في مصر او سواها من دول ما سمي بالربيع العربي .
فما من مؤامرة أكثر من هذه الواقعة على مجتمعاتنا العربية الغارقة في أتون الجهل والتخلف والفقر والفساد والوهن والاضطهاد ! فالمؤامرة الحقيقية كامنة في انظمة حكم عابثة فاسدة مستبدة لا يبدو من تركيبها وإرثها الموغل بالتسلط والفساد بانها باتت آهلة وجاهزة لحكم شعوبها .
الخطأ الفادح والقاتل هو افراطنا في الحديث عن مؤامرة خارجية هدفها الاسلام والمسلمين أو العروبة والعروبيين أو المقاومة والمقاومين ، فمثل هذه المؤامرة - وعلى فرضية وجودها – الاولى بها الصين واليابان والهند وروسيا وايران وكوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة والبرازيل وتركيا سواها من الدول الصاعدة اقتصاديا وعسكريا ومعرفيا وتكنولوجيا ، فأخر ما يمكن للعقل استساغته هو ان دول امريكا واوروبا منهمكة كليا في مسألة التآمر على العرب والمسلمين .
مناوئو الاخوان في مصر يحدثونك عن مؤامرة اخوانية امريكية صهيونية للنيل من الجيش المصري الذي يتلقى سنويا من الولايات المتحدة ما مقدراه مليار وثلث مليار دولار ، فمنذ ما بعد توقيع الرئيس السادات ومناحيم بيغن لاتفاقية السلام في كامب ديفيد سبتمبر 1978م وهذه المعونة الامريكية سارية المفعول ، ضف لذلك اغلب قيادة الجيش المصري الآن هي إما خريجة الاكاديميات والكليات والمعاهد الامريكية أو أنها نشأت وتبلورت في كنف ثلاثة عقود من الوئام والدعم .
ومع هذه العلاقة النفعية الجيدة مع امريكا وقادتها الجمهوريين والديمقراطيين ينبغي علينا نسف كل ما رسب في ذاكرتنا أو استوطن واقعنا أ فالإخوان هم حلفاء امريكا الجدد ، فلمجرد موقف غامض ومرتبك حيال الاطاحة برئيس منتخب ديمقراطيا امريكا والاخوان هما الخطر المستطير ، فلاثنان معا وفي ظرفية لا تتعدى الايام افصحا عن مؤامرة كبرى بذرتها اول اتصال ما بين جماعة الاخوان والامريكيين قبل عقد او يزيد ، مؤامرة محكمة بدأت فصولها مع دعوة الرئيس جورج دبليو بوش لشرق اوسط كبير .
مؤامرة لا تقتصر على جيش مصر وإنما تمتد الى الجيش العراقي والآن الجيش السوري المقاوم ببسالة وشراسة غير معهودة منه في أية مواجهة عسكرية مع اسرائيل ،مؤامرة على اربعمائة مليون عربي في 22دولة هشة وضعيفة لم نعثر فيها على دولة واحدة جديرة بالزهو والاحترام ، مؤامرة على جيوشها الجرارة الفتاكة بأطفالها ونسائها وشيوخها ومكتسباتها ولحد الشعور بالخجل إزاء فظائع أو انتهاكات اسرائيل وامريكا .
اصدقكم إنها مؤامرة فظيعة ومدمرة ومحبكة ؛ لكنها من انظمتنا الخانعة الفاسدة الشرهة للقتل والدم والاضطهاد ، نعم مؤامرة صناعها حكام طغاة لا يقيمون للعدالة وزنا او اعتبارا ، حكام جل ما في ذهنهم او سلوكهم هو الاستئثار بالحكم حتى الرمق الاخير ، حكام ليس في قاموسهم ثمة كبرياء وكرامة لآدمية من يحكمونهم كرها وغصبا ودونما رغبة او ارادة منهم .
فأنظمتنا الظالمة الفاسدة المستعبدة لمجتمعاتها هي علتنا ودائنا العضال المزمن المستفحل في كل كيان ومكان ، وعليه فإن ما نشاهده اليوم في سوريا او مصر او اليمن او تونس او ليبيا او البحرين او غيرها لن يكون مستهل او نهاية لمؤامرة من الغرب او الشرق ؛ بل يمكن القول انه نتاج طبيعي لسقم مهلك جذره الرئيس وسببه المباشر الانظمة السياسية البوليسية والعبثية الخانعة للغرب والشرق .
لذا وبدلا من البحث عن شماعة خارجية نعلق عليها اخفاقنا وفشلنا وتخلفنا الحضاري والديمقراطي والانساني يجب علينا اعادة النظر حيال هذه الانظمة القمعية الفاسدة ، فلولاها ما رأينا ثورة أو قيل بمؤامرة .
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها