حكاوي عدن الحزينة
القضية الجنوبية، في عدن تحديداً، ليست (فقط) تلك العناوين العريضة التي حفظناها من الصفحات الأولى للصحف.. ليست (فقط) الهوية والدولة الضائعة والاستبعاد والتهميش المستقصد بحق أبناء الجنوب،، هي أكثر من ذلك بكثير
هي حكاية حياة ذبلت، وأحلام أغتيلت،، هي ذلك الموت البطيء الذي ينهش في جسد طفلك وأنت لا تستطيع دفعه، ولا تقدر على مواجهته.. هي الموت قهراً.
مهما بلغت درجة إلمامك بتفاصيل القضية الجنوبية فإنك ستكون حتماً في حالة من الذهول الشديد، والخجل أيضاً، ستشعر بمرارة جارحة، وتحس بشيء داخلك يكاد يقتلع إضلاعك وينفجر في وجه كل مايجري الآن من ترقيعات سخيفة، لم تبدأ حتى!!!!
ستشعر، كثيراً، بالعار لأن لعنة الجغرافيا جعلتك تتكوم في مكان ينتمي اليه أشد سفلة العالم وقاحة ولا أخلاقية..
ستمسك دموعك مراراً وترسل، آلاف المرات، زفرات من الهواء الحار الخارج من جهنم التي تعتمل في صدرك وأنت تستمع الى أحد أبناء عدن يحكي لك عما جرى بحق عدن.. وكيف أصبح أهلها غرباء في مدينتهم الوديعة التي لم ترتكب إثماً بحق أحد في أي يوم من الأيام.
يحكي لك عن الموت قهراً في مدينته التي تحولت الى غابة موحشة أستولت عليها طائفة من اللصوص عديمي الضمير..
في كثير من تلك اللحظات التي أستمع فيها لمن ألتقيهم في عدن أنسى أنني في مهمة عمل بحثية،، وأغيب عن الوعي تاركاً لهم العنان ليتحدثوا.. هذا أقصى ما أستطيعه من أجلهم،، وكم أتمنى لو كنت أستطيع فعل شيء أكثر من هذا..
اليوم وبينما كان صوت محدثي الشاب يرتفع سخطاً ومرارة ويطول،، ويطول كثيراً وهو يشرح كيف جرى تدمير وسائل حياتهم وأسباب عيشهم.. كنت أكتم غيضي في داخلي وأسرح في خيالي،، كنت أتخيل كيف يمكن الاقتصاص من كل أولئك القتلة الذين حولوا هذا الوطن المنهوب، بكامله، الى مأساة كبرى لا يمكن استكمال روايتها.
لحظتها أعتقدت أن أقل مقدار من العذاب يمكن إلحاقه بأولئك السفلة هو في جرهم على الاسفلت وراء سيارة من صنعاء الى عدن حتى يتقطعوا على أوصال صغيرة متناثرة على كل شبر من هذا الوطن المنكوب!!.
بعد كل حلقة نقاشية أنفذها في عدن أخرج حزيناً وأتمنى لو أن الأرض أبتلعتني قبل أن أسمع "حكاوي عدن".
5/9/2013
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها