العنف القادم بعد انقلاب العسكر
لا تزال تداعيات انقلاب العسكر في مصر تتصاعد بوتيرة توازي في سرعتها وتيرة سقوط مصر الدولة، وكل يوم تخسر مصر جزءً من قيمتها التاريخية ومكانتها السياسية في العالم، علاوة على تراجع استقرارها وأمنها، واقتصادها وعملتها ونزوح حاد للمستثمرين الأجانب، وإغلاق عدد من مكاتب وفروع الشركات العالمية.
وزاد من السمعة السيئة لمصر ما بعد الانقلاب، قرار الإفراج عن الرئيس السابق حسني مبارك، وتبرأته من تهمة تلقي هدايا باهضة الثمن من مؤسسة الأهرام للصحافة، وكأن هذه تهمة مبارك الوحيدة، طيلة 30 سنة في الحكم.
القضاء الذي تباهى به المصريون عقوداً طويلة صار مثلاً للتندر والسخرية، وتقول إحدى النكت إن الرئيس السوري بشار الأسد وافق على التنحي شريطة أن يحاكم أمام القضاء المصري!!
مستقبل الدول لا يقاس بالسنة والسنتين، بل يأخذه مداه إلى أبعد من ذلك، وأعتقد أن المدى المتوسط والبعيد سيقود مصر والدول التي ساندتها في الانقلاب، إلى حقيقتين رئيسيتين؛ الأولى أن الإسلاميين المعتدلين سيصبحون أضعف حجة أمام المتشددين والمؤمنين بـ"حكمة البندقية"، لأن الصنف الأخير لن يؤمن بالحلول الديمقراطية كطريقة نموذجية ومدنية للوصول إلى الحكم، بعد أن رأى ما جرى للإسلاميين في مصر، وستفرز المرحلة المقبلة تيارا دينيا جهاديا متطرفا، وجانحا إلى العنف، ومعتقدا بأن جيش مصر وقادته خرج عن مساره الوطني، وأصبح لعبة بيد قوى خارجية معادية للإسلام، حتى وإن تشدق بعضها بـ"تحكيم الشرعية"، وبالتالي تصبح كل الخيارات المدنية والسلمية مغلقة، ولا مفر من الجهاد بقوة السلاح.
والحقيقة الأخرى ستشهد دول الخليج تحولاً فكرياً وسياسياً قاصماً، بدأ يتشكل بوضوح، وسيقود هذا التحول إلى نقطتين إجباريتين؛ الأولى: تنامي التيار الجهادي، وتجذير ضغائنه ضد حكومات بلاده، بعد أن رأى دعمها العلني والسخي للجيش المصري، وتأييدها للمجازر التي شهدتها الشوارع والمساجد، وتقتيل الناس بالجملة، واختطاف جرحاهم، ومنع حتى وسائل الإسعاف عنهم، وسجن عدد من العلماء والدعاة من التيارين الإخواني والسلفي، علاوةً على تبديد حكام هذه الدول للأموال العامة، وتعطيل أحكام الشريعة فيها، وفتح سواحلها للقواعد العسكرية الأمريكية منذ العام 1990م.
أما النقطة الأخرى فهي سعي جماعة الإخوان إلى تعويض خسارتها في الخليج عما فقدته في مصر، وهي جماعة معروفة بذهنها المتوقد والاستثماري لكل لحظة وحادثة من أجل التحشيد والاستقطاب، وهناك شبه استنفار لقوى التنظيم العالمي للتركيز على دول الخليج، وأظن الحركة الإخوانية قد نجحت إلى حد كبير في انتهاز لحظة غضب الشارع الخليجي من تصرفات حكوماته، وبدأ هذا الشارع يشهد انشقاقات علنية لأول مرة لرموز وشخصيات كبيرة، جاهرت بتأييدها لحركة إخوان مصر، بينها إمام الحرم المكي سعود الشريم، والدعاة عائض القرني ومحمد العريفي وسلمان العودة، وجميعهم سعوديون، وفي الإمارات ضمت قائمة المشتبهين بانتماءاتهم الإخوانية، والمطلوبين للمحاكمة نخبة من أكثر الرجال تأثيراً في الشارع الإماراتي، بينهم الدكتور علي الحمادي، وفي الكويت الدكتور طارق السويدان، والدائرة تدور على البقية.
وسيبقى الشرخ الاجتماعي والنفسي في مصر قائما لسنوات طويلة، إذ كيف ستتعامل أسر 4 آلاف شهيد، و20 ألف جريح، و10 آلاف مختطف ومعتقل مع من قتلهم، وحرض على قتلهم، أو صادر حريتهم وأودعهم السجون.
*عن صحيفة الناس
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها